عرسال ـ «القدس العربي» ـ جاء الشتاء مبكراً هذا العام ليزيد من معاناة النازحين السوريين في بلدة «عرسال» الواقعة على الحدود السورية اللبنانية، ويقتل عدداً من الأطفال في مخيمات اللجوء نتيجة البرد الشديد وسوء التغذية، وهو ما دفع عدداً من النشطاء لإطلاق حملة على صفحات التواصل الاجتماعي سموها «أنقذوا مخيمات عرسال».
«القدس العربي» التقت بالناشط أحمد اليبرودي المشارك في هذه الحملة وتحدث عن الوضع الحالي في البلدة، قائلا «لا زال يتواجد في عرسال حوالي 140 ألف لاجئ سوري من قرى القلمون وريف حمص، كلهم يعيشون تحت خط الفقر، كما قطعت المساعدات عن هؤلاء بشكل شبه كامل، ما أدى إلى تدهور الوضع المعيشي مما ينذر بكارثة إنسانية قد تطل برأسها عليهم».
فتوقف دخول الأدوية والأغذية وتلوث البيئة نتيجة انعدام شبكات الصرف الصحي أدى إلى تضاعف عدد حالات التهاب الكبد الفيروسي بنسبة كبيرة جداً، وانعدام حليب الأطفال جعل من تزويدهم بالغذاء اللازم أمراً شبه مستحيل، وأدى إلى ظهور عدد كبير من حالات فقر الدم ونقص بالفيتامينات والحديد عند الأطفال الذين باتوا يعيشون على بعض المكملات الغذائية التي يبدو أنها في طريقها إلى الانقطاع أيضاً.
وجاء هذا بعد الحديث عن نية «مشفى الرحمة» – وهو المشفى الوحيد في عرسال الذي يتابع أمور اللاجئين طبيا- إغلاق أبوابه نهاية الشهر الحالي بسبب انعدام الموارد والمضايقات المستمرة من القوى الأمنية اللبنانية، التي شددت من إجراءاتها مؤخراً ومنعت مرور السوريين إلى الداخل اللبناني إلا عن طريق الواسطات أو دفع الرشاوي. وأضاف أحمد أنه لم يتبق في عرسال سوى منظمتين إغاثيتين هما «لجنة يبرود الموحدة» و «حملة أنقذوا عرسال»، اللتين تعملان على تأمين ما هو متواجد كالمدافئ والخبز وبعض المياه الصالحة للشرب التي باتت شبه معدومة في البلدة. وحتى الآن ورغم كل المناشدات التي أطلقت لإغاثة البلدة لا زالت المبادرات التي تقدم لها فردية تقتصر على جهود أفراد مجتمعين بينما تبقى المؤسسات والمنظمات الدولية، والتي يقع على عاتقها مهمة إغاثة هؤلاء اللاجئين الذين فروا من جحيم الحرب في صمم عما يحدث ليبقى اللاجئون في النهاية ضحية القرارات السياسية وتخاذل المجتمع الدولي.
لا تزال بلدة عرسال الواقعة على الحدود السورية اللبنانية تأن تحت وطأة الحصار المفروض عليها من كل الجهات لمحاذاتها لسوريا ودعمها للشعب السوري، إذ منذ بدء موجات النزوح مطلع العام 2013 قامت الأجهزة الأمنية بنصب حواجز على محيط البلدة لتتضاعف هذه الإجراءات مع مرور الوقت متأثرة بالاحداث الجارية.
وبعد غزو قوات حزب الله اللبناني لمناطق الشريط الحدودي الواقع شمال شرق لبنان واحتلالها، نزح معظم سكان هذه المناطق إلى مناطق لبنانية متفرقة ولكن النصيب الأكبر من هذا النزوح كان لعرسال إذ بلغ عدد النازحين إلى هذه البلدة حوالي 200000 انسان تقلص العدد فيما بعد لأسباب مختلفة، وهذا النزوح الكبير دفع الحكومة اللبنانية إلى فرض إجراءات خاصة على هذه البلدة وهو ما انعكس سلباً على كافة سكان عرسال وبالأخص عشرات اللاجئين إليها.
وبحسب ناشطين أتى ذلك بالتزامن مع عدة حملات تحريض على اللاجئين أطلقتها جهات موالية للنظام السوري في لبنان، وحلّت الكارثة على أهالي المخيمات عندما اندلعت الاشتباكات مع عناصر الجيش اللبناني على أطراف البلدة وامتدت إلى داخلها منتصف الصيف الفائت.
وأصبحت عرسال عقب هذه الحادثة مختلفة عن عرسال التي كانت قبلها، ما إن بدأت الاشتباكات حتى قامت ميليشيا حزب الله المتمركزة في القرى المحيطة بالبلدة بقصف تجمعات اللاجئين بالمدفعية والهاون وراجمات الصواريخ مما خلّف عشرات الشهداء ومئات الجرحى واحتراق آلاف الخيم.
وبعد جولات من التفاوض انسحبت قوات المعارضة السورية من البلدة ومعها 25 أسيراً لبنانياً، مقابل عدم التعرض للمدنيين اللاجئين إلى البلدة، لكن بقي الطريق الواصل بين البلدة والجرود السورية مفتوحاً وهو ما لم يرق لقوات حزب الله التي تسعى بالمقام الأول إلى فصل البلدة عن جرودها وبالتالي عن الجرود السورية حيث يتمركز الثوار.
وعدم تلبية جهة التفاوض اللبنانية طلبات الفصائل المسحلة السورية لإطلاق سراح الأسرى اللبنانيين، أدى إلى فرض واقع مؤلم دفع ثمنه أهالي عرسال ولاجئوها المستضعفون فشدد الحصار، واقتحمت قوات الجيش اللبناني وميليشيا حزب الله البلدة عدة مرات وداهمت المخيمات واعتقلت عدداً من الشبان وأغلقت كل المنافذ من وإلى البلدة، وقامت القرى الشيعية المحيطة بالبلدة بقطع الطرقات أمام كافة أنواع المساعدات والاعتداء على حامليها وإتلافها فانسحبت معظم المنظمات الإغاثية بمن فيها الموظفون التابعون للأمم المتحدة.
أحمد الدمشقي