«لامار» للكاتبة السورية كروان السكري: فانتازيا وطنية من حكايا الزمن القبيح

حجم الخط
0

في معرض لندن للكتاب الذي انتهى يوم الخميس بعد ثلاثة أيام حافلة من المحاضرات والندوات مع كتاب وأدباء واحتفاء بالادب المكسيكي تسابقت دور النشر في عرض آخر ما لديها من نشريات لعام 2015 وما تقدمه دنيا كتب الأطفال والإمكانيات المفتوحة لدى النشر الخاص. ولفتت نظري الأقسام التي تعلم الكاتب أو المؤلف كيفية نشر روايته أو عمله الإبداعي بطريقته الخاصة والكترونيا. وعالم النشر الالكتروني باب جديد ينفتح على مساحات شاسعة من الإحتمالات وفيه حديث عن حق الكاتب والنشر. وجرى في الآونة الأخيرة جدل حول حقوق المدونات الالكترونية ومن له الحق فيها هل العائلة أم فيسبوك/تويتر/ إنستغرام وغيرها من وسائل التواصل الإجتماعي التي تمثل ذاكرتنا الجمعية وصورنا وتاريخنا. ففي السابق كان الواحد منا يكتب مدونته ويحتفظ بها ويورثها للأجيال أما اليوم فالكاتب يكتب ويدون ويلخص حياته بصور وتعليقات وتغريدات على وسائل التواصل الإجتماعي فمن له الحق في الميراث غوغل أم الوارث الحقيقي المرتبط بالدم؟ سؤال مطروح على المجال القانوني والمحاكم ستقرر فيه. ولا ريب أننا نعيش في عالم يتطور في كل ثانية وليس كل دقيقة، فحجم ما أبدعه العقل الإنساني مبهر.

«إي- بوك»

في زوايا وعروض معرض لندن للكتاب تبدو الذاكرة الإنسانية في أعلى مستوياتها مخزونة في الكتاب وعصا الذاكرة وعالم إي- بوك ويرى الواحد منا كيف تتداعى دور النشر من كل أنحاء العالم تتسابق في عرض ما لديها من إبداع. ولندن ليست بدعا في هذا فمعارض الكتب التي تقام في عواصم الدول الغربية والعربية جزء من هذا البحث عما هو جدير بالإنتباه والتقدير في الإنسان. لكن الكتاب يذكرنا بمآسي الأمة العربية وقتل وذبح/حرق الكتب التي تجري في دول عربية وتدمير الذاكرة الثقافية وحضارات القرون السالفة على يد المتوحشين في سوريا والعراق.

رواية

وبين يدي والحديث عن سوريا رواية للكاتبة السورية كروان السكري بعنوان «لامار» وهي رواية قصيرة أو «نوفيلا» واختارت كاتبتها نشرها إلكترونيا. والسكري صحافية وإعلامية درست الأدب الإنكليزي في جامعة دمشق وتعمل في مجال الترجمة منذ سنوات. لها تجربة روائية اولى لم تنشر بدأت بها في عام 2008 أما روايتها الالكترونية «لامار» فبدأت بها عام 2012 وانتهت منها العام الحالي 2015. واللافت أنها قدمت روايتها بكونها «فتنازيا وطنية» حيث تقول إنها قد تكون «حكاية خرافية من حكايا الزمن القبيح» و «قصة حب تفتح أبواب الجحيم فترمي بأبطالها داخل سراديب الظلم والطغيان». وقد ترمز «لامار» الفتاة اليتيمة الضحية «للوطن الذي تتنازعه قوى الخير والشر ضمن صراع مرير ينتهي إلى الضياع أو إنها الأرض التي مهما احترقت تظل تنبت براعم مستقبل أفضل، فلامار هي النصر والهزيمة في آن واحد». هذا ما تقوله السكري في مقابلة متوفرة على الإنترنت لكن القارئ للرواية يكتشف تفاصيل حياة فتاة اسمها لامار تعيش في قصرها وليس قصرها، فقد سطا عليه عمها وأخذ ممتلكات والدها ووالدتها اللذان قتلا في حادث سيارة. وبعد الحادث الغامض لم يبق من ذكريات البنت سوى «رمح» وهو حصانها الذي كانت تمتطيه وتخرج في البرية لكي تبتعد عن جو الكبت، لكن «رمح» يموت وهي تحثه على العودة للبيت مسرعا قبل أن تنال من عمها العقاب المتجهم وتظل وحيدة مع مدبرتها مريم التي تعتني بها وتتركها في غرفتها. ويكتب على لامار حياة متجهمة بكل المعاني، فهي مع عم لا يبتسم ويعتقد أنه المالك لكي شيء وأنه من طور أملاك وشركات والدها، أما زوجة عمها فهي مشغولة بتبذير المال والسفروالسهر والحفلات. وهناك رزان ابنه عمها التلميذة التي تعيش عالمها من الدروس الخصوصية والحفلات واهتمامات تافهة، وهي كما تبدو فارغة مثل شقيقها فراس الذي تحضره العائلة كي يكون زوجا لللامار حتى تكتمل سرقة ميراث والدها. لم يكن العم أدهم ليحقق ما حققه لولا وصايته على ابنة أخيه حيث أكمل مع ابنه فراس البالغ من العمر 26 عاما الذي عاد من الخارج بعد إكماله الدراسة هناك عملية تطوير وتوسيع مصالح الشركة التي صارت شركات. وتوسع كذلك في الفيلا القديمة وأقام غرفا جديدة وقاعات للإحتفالات. تلعب لامار دور الفتاة الهامشية المنطوية على نفسها وتكشف عن أسرار العائلة، خيانة العم لزوجته، وخيانة الزوجة له وسفرها الطويل. وبين فراغ وتفاهة الحياة التي تعيش فيها تتغير حياتها عندما تلتقي كنان وهو مدرس جاء من الريف ومعه تجد الحب الحقيقي والحياة التي تريدها بعيدا عن قتامة وسواد البيت. وتظل العلاقة بين كنان ولامار سرية لا يعرف بها أحد لأن احدا لم يكن يهتم بالفتاة حتى يكتشف فراس السر ويهدد كنان.

المقاومة

ومن هنا تبدأ مرحلة كفاح من أجل الإحتفاظ بالحب. وتتقاطع مع هذا الخط الروائي حكاية العمال في مصانع العم ومطالبهم بالكرامة وتحسين العمل، ويقود الحركة صديق كنان، هادي الذي يحذره من علاقته مع لامار لأنه لن يأمن شر العائلة القوية التي تسيطر على كل شيء. لم يستمع كنان للنصيحة وواصل علاقته مع لامار التي لا ترى في العلاقة بينهما إثما أو خطيئة بل حبا مبرأ من العيوب. وكما هي معظم قصص الحب تنتهي بالإنتقام والموت والألم. تهرب لامار من القصر وتعيش مع كنان في شقته الصغيرة ويختفيان عن الأنظار لكن فراس ورجاله يلاحقونه. يتحول كنان إلى المقاومة والمعارضة التي نشأت في شركات العم أدهم، ويعتقل مع هادي ورفاقه. يخرج كنان من السجن في صفقة تبادل مع أدهم بعد اختطاف جماعة المعارضة ابنته، لكن بدون هادي العقل المدبر وراء حركة المقاومة والذي مات تحت التعذيب. يعود كنان إلى لامار التي تعاني هي الأخرى من مأساتها، فقد شارفت على الموت قبل أن تتعافى. في نهايات الرواية يقتل كنان برصاص فراس، وبمقتله تتداعى مملكة أدهم مثلما تتداعى مملكة الظلم وتحترق على نفسها، لكن كنان لم يمت فقد ترك في رحم لامار كنان الصغير الذي يخرج وقد اكتملت الثورة.

شعرية

يحتوي سرد السكري على قدر عال من الشعرية التي تختلط بقدر من الميلودراما، وتنجح في خلق عالم غامض يعيش في الخرافة والواقع، فالقصر مثل قصور الجنيات غامض ومغلف بالأسرار لكن أهله يتحركون مثل كل البشر في عالم اليوم، لديهم التكنولوجيا الحديثة. وربما رمز القصر إلى عالم القمع والسجن الكبير- الوطن السجين. وفي تفاصيل حوادث الرواية أو ما تلقاه لامار مجاز عن الربيع العربي والثورات العربية وحلم الشباب بالتغيير والخروج من دوامة القمع. وهذا الرمز واضح في تفاصيل ما جرى لهادي وأصدقائه وكنان الذي مات شهيدا.
يتميز إيقاع الرواية بالسرعة ما أثر بطريقة أو بأخرى على تطور الشخصيات التي ظلت غامضة ولم يتح لها النضح بطريقتها أو ضمن شروط ما رسم لها في السرد الروائي، حتى لامار تبدو ساذجة في إختياراتها وقراراتها ومتعجلة متهورة في تقدير ما يجري حولها، بل ومتعجلة في تقديم كل شيء لشاب لقيته واعتبرته مخلصها من القتامة التي تعيشها. وفي النهاية تظل الرواية طريفة في موضوعها ولغتها وطريقة نشرها.
وربما طورت الكاتبة أساليبها في الأعمال المقبلة بشكل يسمح لها ببناء الشخصية وتشكيل تاريخها- سيرتها المتعلقة بالخيط الدرامي.
ربما كانت سرعة السرد نابعة كما تقول «بسبب ما يجري من أحداث مؤلمة في أوطاننا- أصبح القلم يتحـــرك تلـــقائيا» لكن الوطــــن بناسه والرواية بساكنيها وعالمها لا يتم بدون حشد كبير من الأبطال والمساعدين والكومبارس أيضا.

Karwan Sukari:LAMAR
E-Kutub.com& Google Books, 2015
126 pages.

إبراهيم درويش

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية