لا أعتقد بوجود أدب للكبار وآخر للصغار: الشاعر التونسي سامي نصر: لا نزال نؤمن بثقافة الجائزة كدليل على التميز

حجم الخط
0

الخرطوم ـ «القدس العربي» ـ منى حسن: سامي نصر، شاعر وكاتب وباحث وفنان تشكيلي تونسي، حاصل على درجة الأستاذية في اللغة والآداب العربية، ويعمل على رسالة دكتوراه بعنوان «الشرّ السّياسي في شعر محمود درويش»، بكلية الآداب والعلوم الإنسانية في منوبة في تونس. وحالياً يعمل أستاذا للغة العربية في سلطنة عمان.
شارك في العديد من المعارض التشكيلية الجماعية. وهو مؤسس ورئيس الجمعية التونسية العربية من سنة 2011 إلى2015، ومؤسّس ورئيس تحرير المجلة الفصلية الثقافية المحكّمة الشّاعر». صدر له العديد من المؤلفات: تسعة دواوين شعرية، روايتين، مسرحيتين، وكتابين نقديين، كما كتب تقديما للعديد من الكتب الشعرية والروائية. فاز بجائزة الشارقة لأدب الطفل عن فئة اليافعين لسنة 2015 بروايته «حكايات جابر الراعي»، كما فاز مؤخرا بجائزة كتارا للرواية عن مخطوطه: «الطائر البشري». فالتقيناه بمناسبة الجائزة الأخيرة، فكان هذا الحوار:

■ ثمّة انعطافات في حياة كل كاتب، فماذا عنك؟
□ يمكنني الحديث عن حدثين مهمّين، وهما فوزي بجائزة الشارقة سنة 2015، عن كتاب «حكايات جابر الراعي»، وفوزي بجائزة كتارا لسنة 2017 عن كتاب عنوانه «الطائر البشري». هذان الحدثان مثلا بحقّ انعطافتين كان لهما أثرهما في نظرة القارئ وفي نظرة الناشرين أساسا، وأصبح ممكنا أن أستكمل مشروعي بنوع من الأريحية بعيدا عن الضغط. هناك أمر مهم جدا في هذا السياق وهو إشرافي على ورشة أدبية لكتابة القصة منذ سنتين في مدينة صلالة العمانية، حيث نتدارس السرديات ونتعلم الأساسيات، وبدأنا نصدر كتبا مهمة. هذا أيضا أعتبره انعطافا لافتا.

■ تعددت ألوان إبداعاتك ما بين الفن التشكيلي والشعر والرواية والمسرح، فهل يختزل أحدهم الآخر؟ أم أن الإبداع لا يتجزأ؟
□ أكتب نصا واحدا، هو الشعر. أحيانا أحتاج شيئا أكبر من القصيدة، ويقدر على تحمّل تفاصيل الحياة وضجرها، فأكتب السّرد، لا أشعر بأيّ فرق أحيانا، لذلك يجد بعض النقاد في رواياتي فقرات موزونة. وفي قصائدي فقرات نثريّة، وأنا في الشعر أحاول أن أسرد قصصا، أو على الأقلّ أستعيد ظلالا سردية لبيت أو لشخص أو لحادثة، أما اللوحة فإنّني أرسم طوال الوقت، غالبا لا أرسم أشياء مفهومة، وأكثر أعمالي المرسومة هي عبارة عن خطوط ملونة متشعبة بشكل لا نهائي، أرسم اللوحة في وقت طويل نسبيا، ولا أهتمّ بتقبّلها، ولقد عرضتها في مرّات قليلة، قبل أن ألاحظ من خلال بعض المواقع المتخصصة أنّ عملي التشكيلي له أهمّية. هناك دائما تقاطع ما في الإبداع، وهذا التقاطع مهمّ لأنّه يثري. إنّ رواية لا تهتمّ بمسألة العمق، ولا تهتمّ بمسألة الفضاء، والتوازن والسردية والحوارية ستكون رواية منقوصة، كما أنّ قصيدة لا تقدّم المرئيات ولا تهتم بالحواس لن تكون مكتملة. في هذا التقاطع أنجزت أغلب أعمالي شعرا وسردا ولوحات. وأعتقد أنّ أجمل أعمالي هي قصائدي، وهذه دعوة لقراءة ديواني الشعري الأخير «سفر البوعزيزي» الصادر حديثا في القاهرة.

■ فازت روايتاك بجائزتي الشارقة وكتارا فئة اليافعين، فإلى أي مدى كان أثر الاستماع لحكايات الجدات، والأساطير الشعبية والتراثية ككاتب لليافعين؟
□ لا أفهم ما معنى كاتب لليافعين، فأنا لا اعتقد بوجود أدب للكبار وأدب للصغار، أنا كاتب فقط، أكتب من سنوات بعيدة، وأصدر كتبا شعرية، وسردية للكبار وللصغار، وسوف أحاول في روايتي الجديدة التي بدأت فيها من فترة أن أعمق رؤيتي هذه، وكتابي الأول الفائز بجائزة الشارقة لست أنا من رشحه في هذا الصنف، إذ كتبته دون تحديد عمري، آملا أن يندرج ضمن السرد الروائي الذّي يرتبط عمقيّا بالوجدان العام وحكاياته وأساطيره، حاولت أن أجد مساحة للقصّ الروائي المستمدّ من التراث العربي وغيره، وفي الذّهن نصوص كبرى بسيطة وقوية أدبيا يفهمها الكبير، ولا يجد الشّاب عنتا في التعامل معها. الكتاب الثاني الفائز بجائزة كتارا يتطرق لموضوع البحث عن الإنسانية الضائعة في حبكة خيالية يتوارى وراءها واقع شديد العناد والصلف وصعب المعاركة. جدّتاي لم ترويا لي للأسف، كنت صغيرا حين ماتت جدتاي، ربّما كتبت ما كتبت بدافع الفقد والغياب.

■ وأنت تكتب، من أول قرائك، وما فئته العمرية، وهل تأخذ برأيه في عملك الأدبي؟
□ لا يقرأ كتبي أحد قبل نشرها، أسأل عن مسائل فيها، أتردّد كثيرا في إرسال العمل إلى النشر، لكنّني لا أعطي أحدا المخطوط لقراءته، أضع قبل التأليف أمورا يتوجّب عليّ عملها، ولا أنهي الكتاب إلا إذا استقامت لي الأمور بشكل مُرض. ففي «حكايات جابر الراعي» حاولت أن أتعامل مع المرويات الشفوية ضمن حبكة سردية حديثة، وأعطيت مكانة بارزة لأنماط السرد وكيفيات ترابطها في النص السردي، لأنّ النماذج النصية التي يستعملها المعلمون مع طلابهم بحاجة إلى أمثلة جديدة وواضحة. وفي «الطائر البشري» حاولت أن أواصل العمل على المرويات الشفوية مع التركيز على الراوي بكل أشكاله لأوفر نصوصا للقائمين على التربية تكون واضحة لهم. وقبل هذين الروايتين كتبت رواية أخرى عنوانها «الآيات الأخرى» اشتغلت فيها أيضا على سيرة متخيلة مستمدة من المرويات الدينية. وروايتي الجديدة «العطار» أيضا تتنزّل في هذا المسار، محاولة أن تكون أكثر تجذرا في الواقع اليومي المعيش. بهذا تصبح الكتابة لليافعين مهمة حسب رأيي، باعتبارهم كبارا، لا صغارا، بشكل كامل. بعض اليافعين يفوقونني علما ومستوى وقدرات، وأنا أحاول أن أستوعبهم في نصي السردي مثلهم مثل الكبار.

■ الكتابة لليافعين أصعب بكثير من الكتابة للبالغين، فأين تكمن هذه الصعوبة، وما أهم مقومات نجاح الكتابة الموجهة لليافعين؟
□ ليست لنا تقاليد كبيرة في الكتابة لغير الكبار. هناك أدب يحمل على أنّه أدب أطفال وغالبه أدب بال رثّ بلا أيّ قيمة، وهناك محاولات قليلة للكتابة للشباب جيدها قليل، مثل كتابات صنع الله إبراهيم في عشرة عناوين على ما أعتقد، وزكريا تامر في بعض العناوين، لكنّه نوع مهمل، لا يهتمّ به أحد. يهتمّ الجميع بالكبار، وهنا الخطورة في اعتقادي. الآن هناك اهتمام بهذه الشريحة لأنّ جائزتي الشارقة وكتارا تهتمان بها، وترصدان لها جائزة مهمّة، وأتوقّع أن يزدهر هذا النوع الأدبي ويرتقي. السرّ في نجاح هذا الأمر هو أن تكتب، ليس لطفل، بل لإنسان كبير، ليس لثماني سنوات بل لثمانين سنة. ليس بغرض التعليم أو التوجيه، بل بغرض الكشف والمحاورة ومناقشة أفكار تخص كينونتنا وموقعنا في الوجود. هناك طبعا صعوبة في ذلك، تجاوزتها شخصيا بمحاولات الإصغاء إلى تراثات كثيرة، وعوالم شفافة لا تزال ترقد في لا وعينا. الخطر الأساسي هو التبسيط، والحبكات المهزوزة، ومخاطبة الشاب كقاصر، أو كمتعلّم، والأخذ بيديه. وبعيدا عن ذلك سيكون الأمر يتعلق برواية يقرؤها الكبير والصغير على حدّ سواء.

■ كيف يمكن للكاتب لفت أنظار الناشئة نحو القراءة وتشجيعهم عليها في ظل هيمنة وسائل التكنولوجيا الحديثة؟
□ سأحدثك عن هذا الأمر أبا، وليس روائيا، أنا أجد صعوبة كبيرة في إقناع ابنتي بقراءة كتاب، بل بقراءة دروسها. هذا أمر حقيقي، لا أتكلم عنه بفزع، ولا بقلق، رغم أنني شديد الانزعاج وأنا أرى الأجهزة بيديها طول الوقت. تقول لي ابنتي أن الكتب متوفرة في جهازها، وأن العالم أصبح يدور بطريقة مختلفة، وأصمت أنا، ربما كنت بالفعل قديم الطراز. لكنني وأنا أفكر في ما آل إليه الأمر أعرف أن التقنية قاتلة ومميتة وبلا قلب. التقنية ليست بشراً، والكتاب لا شبيه له مطلقاً. الطراز القديم أعطانا نجيب محفوظ وحنّا مينة، فلماذا يتوجّب عليّ تغييره؟ أما أبناؤنا فعلينا أن نحاورهم وأن نسرقهم ولو لبعض الوقت من آلاتهم العمياء. ولكن علينا أن نقلع عن ثقافة الفزع من التقنية، وثقافة الفزع من المرويات الخرافية. فكلاهما ضروري، وربما الحل في جعلهما يتآلفان في نصوصنا مثلما تآلفا في الغرب، ولنا على ذلك مثال سلسلة «هاري بوتر» المكتوبة والمصورة. ما من إحباط في القراءة مطلقا مهما كان المقروء، الإحباط في ثقافة الخوف من النصوص، وفي تسييج المعرفة بالحلال والحرام، وفي الانقياد الأعمى وراء ثقافة المنع.

■ كيف تؤثر الجوائز سلبا وإيجابا في مسيرة المبدع، وهل للإبداع حدود تؤطره؟
□ نلت بعض الجوائز، ولكنّها جاءتني بعد أن نضجت فعليا، لهذا لا أعرف كيف يمكن أن تؤثّر في إنتاجي. ربّما تساهم الجائزة في التعريف بي أكثر، وفي التعريف بكتبي السابقة التي بدأت تصبح مطلوبة لأنّ طبعاتها الأولى انتهت منذ مدة طويلة، وربما أيضا جعلت للكاتب مصداقية أكثر في محيطه لأننا لا نزال نؤمن بثقافة الجائزة كدليل على التميز. أما أنا فأرى أنّ الحصان الذي يصل حصان، والحصان الذي لا يصل يبقى حصانا هو أيضا. والجوائز، مهما قلنا عنها، تبقى دليلا عند الآخرين على أمور هي عند الكاتب حقائق منذ البداية. وأعتقد أنني رجل سعيد لأنّ الكتابة لا تتركني وحدي.

■ هل فكرت أو عرض عليك تحويل كتاباتك لليافعين إلى أعمال مسرحية أو تلفزيونية، وما أهم مقومات نجاح تحويل أدب الطفل إلى عمل مرئي؟
□ آمل أن يحدث ذلك، وربما يقوم به أشخاص غيري. أما أنا فإنّني أكتب نصوصا مسرحية، إذ عرضت لي مسرحية في تونس منذ فترة طويلة، وكتبت بعدها مسرحية ثانية بالمحكية التونسية، ونشرتها في كتاب بعنوان «العشاء الأخير» وأعمل الآن بطلب من أحد المخرجين على نص مسرحي جديد. وبالنسبة للمقومات فأعتقد أنّ العائق الأكبر أمام تحويل هذه الكتب إلى منتوج مرئي هو التمويل لأنها تتطلب ميزانية. عدا ذلك فإنّه بالإمكان الاشتغال عليها وتحويلها إلى فرجة.

■ وماذا بعد كتارا؟
□ فوزي بكتارا يعني أن كتابي «الطائر البشري» سوف يصدر قريبا بثلاث لغات العربية والفرنسية والإنكليزية، وهذا أمر شديد الأهمية. بعد كتارا لديّ رغبة في مواصلة العمل ضمن التصوّر نفسه أي كتابة الرواية التي يتعامل فيها الراوي مع قماشة المرويات الشفوية من جديد، ضمن حبكة روائية مختلفة، أحاول فيها أن أطوّر أسلوبي نحو المزيد من التنويع في التراث، ولديّ بعض الأعمال المفتوحة شعريا ومسرحيا آمل أن أوفق في استكمالها قريبا.

لا أعتقد بوجود أدب للكبار وآخر للصغار: الشاعر التونسي سامي نصر: لا نزال نؤمن بثقافة الجائزة كدليل على التميز

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية