تستمر المظاهرات في عدد من العواصم العربية والإسلامية أو تتوقف، تتصاعد أو تتراجع، لم تعد هذه هي القضية. هناك شيء ما يجب التوقف عنده بخصوص ما حرك هذه الجماهير تنديدا بالرئيس ترامب وقراره الخاص باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل وما الذي يمكن أن يعنيه خروجها الغاضب بهذه الأعداد الضخمة.
أكثر من ذلك، فحتى لو تقهقرت هذه الهبة مع الأيام وخبت، أو ظلت تراوح مكانها فاترة، بل وحتى لو توقفت تماما بعد أيام قليلة فإن الكثير من الدلالات يجب استخلاصها وقد تكون أخطر من دلالات استمرارها وتصاعدها. كيف ذلك؟؟
كثير منا يردد سرا أو علانية، وبعضهم يتمنى فعلا، أن يغلق قوس هذه الاحتجاجات سريعا. يقولها البعض رغبة فيما أقوى، والبعض الآخر يأسا أو إحباطا، فيما لا يتمنى ذلك إلا من أحرجته تلك المسيرات والمظاهرات أمام شعبه أو زادت في تعرية عجزه أو حتى تواطئه.
عندما خرج كل هؤلاء الناس إلى الشوارع تنديدا بما أقدم عليه ترامب بكل استخفاف بمن تعنيهم القدس ماضيا وحاضرا، سياسة وثقافة، دينا وقومية، مسلمين ومسيحيين، سواء في الأراضي الفلسطينية المحتلة أو في مختلف المدن العربية والاسلامية والأوروبية وحتى الأمريكية، لم يضعوا في اعتبارهم بالتأكيد حسابات الربح والخسارة في تحركات كهذه، أو هم بحثوا أو تدارسوا درجة النجاعة في القيام بها. لقد فعلوا ذلك بكل عفوية وغيرة.
«لم نر هذه المظاهرات الغاضبة بمثل هذا العنفوان منذ أيام الثورة على بن علي قبل سبع سنوات»… هكذا قالت لي إحدى التونسيات ولا يستبعد أن تكون هناك انطباعات محلية متشابهة في مدن عربية عديدة، بل إن بعض هذه المظاهرات خرج في دول ومدن لها من الهموم والآلام ما كان يفترض أن يعيقها عن التفكير في القدس والقضية الفلسطينية كلها، مثل اليمن أو العراق ومع ذلك خرجوا لا يلوون على شيء.
إذا انفضت هذه التحركات الاحتجاجية لأي سبب كان دون أن يشهد مئات الآلاف هؤلاء أن غضبتهم هذه أتت أكلها بدرجة أو بأخرى، إن لم يكن مع الإدارة الأمريكية فعلى الأقل مع قادتهم هم في تعاملهم مع هذه الإدارة، فهذا يعني ترسيخا لقناعة خطيرة على المدى القريب والبعيد مفادها أن وسائل التعبير السلمي الشعبي والمدني لا فائدة ترجى منها ولا بد من البحث عن غيرها. صحيح أنه ليس بالضرورة أن تؤدي كل المظاهرات إلى نتائج واضحة وسريعة ولكن التاريخ المرير للشعوب العربية بالتحديد في الاستخفاف بنزولهم إلى الشارع لإسماع صوتهم سيدفع بنا جميعا إلى مآلات لا تسر.
لن نتحدث هنا عن أن تتخلى واشنطن عن قرارها فهي لم تتعود عن ذلك، وما الداعي له أصلا مع ما تراه وتعرفه، ولكن إذا لم تؤد هذه المظاهرات إلى أن تراجع القيادة الفلسطينية مجمل سياساتها العقيمة والفاشلة في التعامل مع الإدارات الأمريكية المتعاقبة، وإذا لم تؤد كذلك إلى أن تراجع القيادات العربية المختلفة، لا سيما تلك التي تتحدث عن علاقات استراتيجية وتاريخية تربطها بواشنطن في منطقة الخليج وغيرها، طبيعة علاقاتها هي الأخرى مع واشنطن التي لم تقم لهم وزنا ولا رعت لهم مكانة، فإننا سائرون بخطى حثيثة فعلا إلى هذه المآلات التي لا تسر.
إجهاض هذه المظاهرات وإظهار القائمين بها على أنهم مجموعة من السذج العاطفيين الذين لن يقدموا أو يأخروا في مجريات الأمور شيئا، على عكس من يخرج إلى الشوارع في البلدان التي تقيم وزنا لرأيها العام، لا يمكن أن يقود في النهاية إلا إلى «دعوشة» تدريجية وتصاعدية لقطاعات من الجمهور قد تصل إلى قناعة بأن لا فائدة ترجى من أي تحركات سلمية وأن لا شيء يسمع صداه ويحدث أثرا سوى العنف الوحشي. هذا هو المقصود بـــ «الدعوشة»، أي الإيمان الأعمى بالعنف الدموي مهما كانت أشكاله طالما أن لغة «التحضر» والاحتكام إلى «المجتمع الدولي» ومؤسساته القانونية وقراراته لا معنى لها ولا مكانة. وطبعا ضمن هذا السياق ستكون حركات الإرهاب الأعمى المنفلت من كل عقال هي الأقدر على استقطاب الناس، إن لم يكم مقاتلين في صفوفها بالمعنى الحرفي فبالإيمان بفكرها ومنطقها وهذا هو الأخطر.
لقد نجح ترامب بقراره الذي صاحبته لغة جسد متعجرفة وتوقيع فلكلوري متغطرس ومزدر لكل الفلسطينيين والعرب والمسلمين في تقديم أكبر خدمة لكل فكر إرهابي متطرف. كتب الصحافي الإسرائيلي أليكس فيشمان في «يديعوت أحرنوت» قبل أيام أن «الإدارة الأمريكية لم تبق لعباس أي خيار غير السماح للشارع بالحديث» والحقيقة أن هذا ينطبق على عباس وعلى غيره ولكن ماذا عسانا نكون قد تركنا إذا لم نستمع حتى لهذا الشارع الغاضب؟!! الجواب مخيف.
٭ كاتب وإعلامي تونسي
محمد كريشان
هبة بدون غد لانه لا استراتيجية لليوم التالى ….نلتقى الاسبوع القادم …..و اكيد سوف تغير رأيك يا سيد كريشان …..تحيا تونس تحيا الجمهورية و لا ولاء إلا لها
هذه ليست هبة ولا حتى إنتفاضة
هذه هزات وقد تصل لزلازل تهز عروش الطغاة
أنا متفائل لأن الله لا يغير ما في قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم
وأعتقد أن الشعوب العربية والإسلامية ستقلب ظهر المجن على هؤلاء الطغاة
ولا حول ولا قوة الا بالله
رمي حصاة لفتى فلسطيني تفقأ عين جندي صهيوني افضل مليار مرة من كل المظاهرات المبحوحة الاصوات.
@كروى : اذا كنت تريد تعويض طغاة فى ظلام الليل باخرين يعلقون الجثث فى الساحات العامة فى وضح النهار فبأس الثورة ….نحن نريد الحرية كل الحرية و المساواة كل المساواة و الديمقراطية كل الديمقراطية فى ظل دولة مدنية علمانية عادلة و ليس أن نحكم بأشخاص خرجوا للتو من القرن السادس ……..تحيا تونس تحيا الجمهورية
ولا حول ولا قوة الا بالله
لا فائدة ترجى من أي تحركات سلمية، أن لا شيء يسمع صداه ويحدث أثرا سوى العنف الوحشي: هذا هو المقصود بـــ «الدعوشة»، أي الإيمان الأعمى بالعنف الدموي مهما كانت أشكاله. أن لغة «التحضر» والاحتكام إلى «المجتمع الدولي» ومؤسساته القانونية وقراراته لا معنى لها ولا مكانة.
طبعا ستكون حركات الإرهاب الأعمى المنفلت من كل عقال هي الأقدر على استقطاب الناس، إن لم يكونوا مقاتلين في صفوفها بالمعنى الحرفي فبالإيمان بفكرها ومنطقها وهذا هو الأخطر. متى كانت الامور غير ذلك؟ في الهند، مقر ثورة غاندي، العصيان السلمي، لولا عنف البعض لما كان للعصيان المدني اي جدوى. الاستراتيجية والتخطيط يخص “السياسة”، و”الحرب” بدون سياسة كالتجارة بدون تسويق وادارة.
لن يصلح العالم العربي والاسلامي الا بثورة كالفرنسية التي لم يسلم من مقصلتها حتى من قادها. قلتها يوم زار المرحوم بورقيبة الشرق الاوسط وخرجت المظاهرات على ما قالها حينها، وكان على حق، كل الحق فيما قال، بغض النظر عن قبول مضمونه والموافقة عليها حينها او الان.
ما يعيب الشعب العربي الشرق اوسطي خاصة، سذاجته، تلك السطحية التي تمثل الجهل اللامحدود، عفوية وعاطفيه، قبليه .. كالحيوانات تماما، تتحكم فيها الغريزة. لولا الماسونية والمفكرين الى ماذا الت الثورة الفرنسية؟ هذا المهم والذي له وزن في الشرق الاوسط وهو مفقود.
نعم، ستتوقف المظاهرات يوما، طالت المدة ام قصرت، ستعود المياه الى مجاريها مهما عتت العاصفة، وتعود الحياة الى ما كانت عليه.
بعض التغيرات مثل البذور التي دفنتها العاصفة ولم تعد تظهر للعيان ولكنها تولد ما لم يكن في الحسبان.
“ام المعارك”، الام تولد، ومنها التوالد، وسياتي اليوم الذي يخرج فيها جيل التغيير ووضع حد فاصل بين الماضي والمستقبل بطبقة رماد.
*خروج المظاهرات في معظم مدن
العالم درس بليغ للأهوج (ترامب)
وادارته البائسة.
سلام
من يستهين بتظاهرات الشعوب ضد الاحتلال (وضد الاستبداد أيضا) لا يفقه شيئا في التاريخ، ولا في آليات حركات التحرر الوطني، ولا في ديناميات التحول الاجتماعي.
تظاهرات هذه الأيام السلمية هي علامة واضحة على سلامة وعي الشعوب العربية والإسلامية على مستويين اثنين: مستوى الانتصار الثابت والمتزايد للقضية الفلسطينية العادلة باعتبارها قضية مركزية بالنسبة إلى الأمة قاطبة، ومستوى الثقة في فعالية النضال المدني الجماهيري في المقاومة، باعتباره رديفا لوسائل المقاومة الأخرى التي يتيحها القانون الدولي لكل شعب محتل.
العبرة إذن باستمرار المقاومة، وتراكم منجزاتها ومكاسبها، وحسن استثمارها وطنيا ودوليا.
@عيسى: كلامك جميل و تعليقك ممتاز … لننزل على الأرض قليلا …. و ماذا بعد المظاهرات ….؟ تحيا تونس تحيا الجمهورية و لا ولاء إلا لها
تحررت كثير من الاوطان بالاحتجاج والمقاطعة السلمية والتظاهر والاعتصام ومنها دولة الهند وملحقاتها مثل باكيستان وبانغلاديش وسيرلانكا.. و دولةجنوب افريقيا في قارتنا…الخ وتحررت بلدان بالكفاح المسلح المستند الى فعل الشعب المساند بالاحتجاج والتعبءة مثل فيتنام وشعوب الارض مشرقا ومغربا…ولكننا عندما نصل الى فلسطين والقدس تجد البعض يبحث عن مختلف الصيغ التحبيطية …وكانه يخشى ان يبزغ يوم لايرى فيه ابناء صهيون يعيثون فسادا في تلك الارض الطيبة…!!!! والغريب ان من بين هؤلاء المزايدين بالواقعية …من تجدهم في كل مناسبة يفاخرون بالديموقراطية والتطور العلمي للمغتصبين ….ناسين ان المجرم يصنف قانونيا واجتماعيا كمجرم حتى ولو كان انبغ من انشتاين…، وكانهم يريدون ان يقولوا دعوا عنكم كل اشكال المواجهة والاحتجاج…وسبحوا بحمد القوي المغتصب….واجعلوا من ذلك مذهبا يخلد اصحابه بالتماثيل الباهظة. ..حتى ولو كانت من حجارة…!!!!.