بيروت – «القدس العربي»:تحت شعارات واعتبارات تراوحت بين استحالة إجراء الانتخابات النيابية في ظل الظروف الاستثنائية الخطرة والحفاظ على مقتضيات المصلحة الوطنية وتفادي الذهاب إلى الفراغ وإلى مؤتمر تأسيسي جديد يلغي الدستور، مدّد المجلس النيابي لنفسه مرة ثانية حتى 20 حزيران/يونيو2017 بأغلبية 95 نائباً ومقاطعة نواب التيار الوطني الحر والكتائب واعتراض نائبي الطاشناق.
وقد اختلطت الأوراق في جلسة التمديد فتوافق تيار المستقبل مع خصمه حزب الله وتوافقت القوات اللبنانية مع تيار المردة والحزب التقدمي الاشتراكي وحركة أمل، فيما تمايز التيار الوطني الحر عن حليفيه حزب الله وأمل وتقارب في الموقف مع خصمه حزب الكتائب. أما القوات اللبنانية التي أعلنت أنها بين التمديد والفراغ تختار التمديد وبين الشعبوية والوطنية تختار الوطنية، فلوحظ أن تغطيتها المسيحية للتمديد تأكيداً على ميثاقية الجلسة التي شدّد عليها رئيس مجلس النواب نبيه بري أغضبت التيار الوطني الحر الذي يرأسه العماد ميشال عون، وأعادت فتح الصراع مع التيار الذي تبادل الحرب الكلامية مع القوات ما أدى إلى اشتعال المعارك على مواقع التوصل الاجتماعي بين أنصار الفريقين.
وقد إندلعت هذه الحرب عندما وقف صهر عون الوزير جبران باسيل على منبر الرابية ليتهم القوات حصراً بخرق الاجماع المسيحي ويلقي اللوم عليها في موضوع التمديد فيما تجاهل حليفه الماروني تيار المردة الذي حضر نوابه الأربعة برئاسة النائب سليمان فرنجية وصوّتوا لصالح التمديد كما تجاهل حليفيه الشيعيين حزب الله وحركة أمل. وعاد باسيل بالوقائع إلى العام 1989 منذ أن رفض عون من قصر بعبدا اتفاق الطائف فيما اتخذت القوات خياراً معاكساً. كما نبش خروج القوات على مشروع اللقاء الأرثوذكسي ما فوّت فرصة المناصفة الفعلية، واتهمها بعدم الإقرار بالخيار الشعبي للمسيحيين ولذلك نشهد فراغاً في رئاسة الجمهورية.
هذا الموقف العوني استدعى رداً فورياً من رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع حمّل فيه التيار الوطني الحر المسؤولية الكبرى عن التمديد «ليس تجنياً ولا اعتباطاً» كما قال، بل لأنه ارتكب خطيئتين مميتتين: الأولى هي تعطيله الانتخابات الرئاسية لخمسة أشهر على التوالي وإبقاء سدّة الرئاسة شاغرة ممّا أضفى على المشهد السياسي في لبنان قصوراً دستورياً وسياسياً، بينما الخطيئة الثانية هي تواطؤه مع الآخرين في الحكومة على تعطيل الانتخابات النيابية من خلال دعم الخطوات القانونية والعملية اللازمة لإجراء هذه الانتخابات، مما حرم اللبنانيين من حقهم باختيار ممثليهم من جديد.
ووصف جعجع الجنرال عون بـ «بطل الحروب الخاسرة والمغامرات الفاشلة»، وقال «إن المناطق المسيحية الحرة بقيت حرة 15 عاماً خلال الحرب اللبنانية ولم تسقط إلا حين أتى الجنرال وقام ببطولاته، فهل هذه صدفة؟ طبعاً لا، لأنها متأتية من طريقة تصرّف معينة كما هو حاصل اليوم في موضوع التمديد».
ولكن أبعد من الصراع العوني- القواتي فإن التساؤلات تتركز حول ما إذا كان خلط الأوراق الذي جرى في جلسة التمديد سيشكّل بروفة معينة لأي تسوية حول رئاسة الجمهورية ولاسيما بعد مد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله يده إلى تيار المستقبل في ذكرى عاشوراء وإبداء استعداده للحوار معه!
الواقع ان التباعد بين عون وحلفائه في قوى 8 آذار وإن كان لا يُبنى عليه كثيراً إلا أنه ما من شك بأنه سيترك تصدّعات. والبعض يسأل عما إذا كان العماد عون الذي غرّد خارج الاجماع الوطني سيدفع ثمن هذا الموقف على صعيد رئاسة الجمهورية، وخصوصاً أن البعض قرأ في تسميته مرشحاً من قبل الأمين العام لحزب الله رسالة ليس لتبني ترشيحه بل رسالة للتخلي عن هذا الترشيح. وكانت معبّرة خطوة نائب رئيس حزب القوات اللبنانية النائب جورج عدوان في جلسة التمديد بالتوجه إلى نواب حزب الله لاعتبار كل من المرشحين سمير جعجع وميشال عون غير توافقيين والبحث عن مرشح توافقي.
وما يعزّز فرضية تراجع أوراق عون الرئاسية هو أنه كيف يمكن لمرشح من وزنه أن يقبل بانتخابه من مجلس نيابي ممدّد ويصفه بأنه منقوص الشرعية ومطعون في ميثاقيته؟ وفي المحصّلة ليس عون وحده هو الخاسر بل كل الكتل في المجلس النيابي سواء كانت من فريق 8 أو 14 آذار لأن التمديد الثاني أضرّ بصورة البلد الديموقراطية، وأقرب فرصة لتبديد هذه الصورة هي انتخاب رئيس جديد.
سعد الياس