بيروت ـ «القدس العربي» من سعد الياس: اتفاق معراب يقع بين الترنُح والسقوط، فإذا كانت سريَّةُ اتفاقٍ ما تنبع من الحرص عليه، فإن البدء بكشفه هو دليل على نية في التخلص منه ومن أعبائه.
هذا الاتفاق الذي وُقِّع في الثامن عشر من كانون الثاني/يناير 2016 والذي حمل على كل ورقة عبارة «سرّي للغاية» بدأت تسقط أوراقه الأربع الواحدة تلو الأخرى منذ سرّبت القوات اللبنانية بعض البنود إلى محطة MTV رداً على مقابلة رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل الذي عرض شفهياً بعض البنود التي رأت القوات أنها لم تكن مطابقة لما ورد فعلاً في الوثيقة.
ورداً على التسريب القواتي المجتزأ عمد التيار امس الى تسريب الوثيقة كاملة إلى محطة LBCI والتي تعرّضت للنكوث بمضمونها بعد انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية بدعم من رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع.
بوشر تطبيق الاتفاق رئاسيا ووزاريا ثم بدأ التباين في التعيينات الإدارية ومن بينها تعيين رئيس مجلس إدارة تلفزيون لبنان ومدير الوكالة الوطنية للاعلام، وتواصلت التباينات التي بلغت ذروتها في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي حين أيد جعجع استقالة الرئيس سعد الحريري، ما اعتبره العهد نسفا للتسوية الرئاسية، فسقوط أو إسقاط الرئيس الحريري يعني سقوط التسوية، وبالتالي إنهاء عهد الرئيس عون، واكتمل الخلاف بعدم خوض الانتخابات سويا.
وفي مقابل اتهام القوات للتيار الوطني الحر بأنه تنصّل من تنفيذ بنود الاتفاق بعدما أخذ منه انتخاب عون رئيساً، فإن أوساط التيار الوطني الحر تقول إن كتلة القوات التي كانت 8 نواب تمثّلت في أول حكومة للعهد بأربعة وزراء بدعم من التيار، وعندما رفض حزب الله تسلّم القوات حقيبة سيادية عرض رئيس الجمهورية على القوات تسلّم نيابة رئاسة الحكومة من حصته.
وإزاء التساؤلات عن مصير اتفاق معراب بين القوات والتيار أوضحت أوساط التيار «أن تفاهم معراب لم يمت»، وقالت «هذا هو على الأقل، موقف التيار الوطني الحر اليوم، وهكذا كان منذ اليوم الأول وهو موقفٌ قد يراه البعض بعيداً من الواقعية، بعدما صُدِم الرأي العام بما جرى من تسريبٍ مُجتزأ لبنود اتفاق مُهِرَ بكَلمَتي «سرِّي للغاية «. ورأت الاوساط «أن ما حدث من تسريب لا يُفسِدُ للودِّ قضية، أقلَّه من جانب التيار، غير أنَه يدفع بالمواطنين الى طرحِ جملةٍ من الاسئلة، منها:
أولاً، كيف تتوقع القوات اللبنانية بعد اليوم أن يُصدق الناس طوباويتها، وترفّعَها عن المحاصصة، في وقتٍ كشفت بنود الاتفاق المسرّبة مدى اهتمامِها بالحصص الوزارية والإدارية، كمعبرٍ الزامي لإنهاء الشغور الرئاسي؟
ثانياً، لماذا أقدمت القوات على التسريب، بعد زيارة رئيسِها لبعبدا ورياشي لباسيل؟ وهل هناك من وراء الحدود من يدفع بها وبسواها إلى التصعيد لمنع التشكيل؟ مع الاشارة الى ان الوزير جبران باسيل كان أول من تحدث عن بنود الاتفاق، معدداً عناوينه العريضة خلال حلقته التلفزيونية الأخيرة، ومفضلاً في الوقت نفسه عدم توزيع النص لعدم صبِ الزيت على النار، حفاظاً على ما تبقى.
ثالثاً، ألا يؤكد التسريب المؤكد، لناحية أن جوهر تفاهم معراب سياسي؟ وهل من المنطق أن تطالب القوات بتطبيق الفَرع، أي التوزير والتعيينات، طَالما لم تلتزم بالأصل، أي دعم العهد؟ وألا يدفع ما جرى بالناس الى تذَّكُر المحطات التي تَعَرض فيها تفاهم معراب للخرق من جانب القوات، بدءاً بالترشيحات النيابية بلا تنسيق، ثم أزمة الرئيس الحريري في السعودية، واتهام العهد والتيار من دون سواهما بالفساد، فضلاً عن محاولة ضرب الأعراف الخاصة بحق أي رئيس في تعييناتٍ محددة، منذ اليوم الاول للعهد؟».
وختمت الاوساط حسب ما أوردت قناة OTV البرتقالية «مهما يكن من أمر، المصالحة المسيحية حيَّة، وتفاهم معراب لم يمُت. وهذا الموقف ثَابت على ضَفَّة التيار.أما أن تنتخب القوات ميشال عون رئيساً، ثم تبذل الجهود المَضنية لإِفشاله، فهذا فخ لن يقع فيه التيار. فليس هكذا يكون دعم الرئيس، التزاماً باتفاق معراب.
ومن هذا المنطلق، ومن حيث المبدأ، يبقى من حق التيار أن يتخذ الموقف الذي يراه مناسباً حيال التشكيلة الحكومية الراهنة، لأن التجربة الحكومية السابقة، أثبَتَت بالدليل القاطع أن النوايا مبيَّتة لا حسنة، وأن دعمَ العهد هَدف خارج جدول الأعمال».