إنطاكيا – «القدس العربي» : بعد سيطرتها على بيت سوا، باتت قوات النظام على بعد كيلومترين من شطر الغوطة الشرقية الى قسمين، شمالي يتكون من دوما ومسرابا وحرستا، وجنوبي يمتد من حمورية وعربين حتى جسرين وجوبر ، اضافة الى العمل على تقطيع الجيوب الكبيرة، كما هو الحال مع كتلة دوما وجارتها حرستا التي اقترب النظام لمسافة كيلومتر واحد من فصلها عن دوما.
وبدا واضحاً منذ بدء العمليات العسكرية، ان النظام يعمل على شطر الغوطة الشرقية، اذ انه تقدم من الاطراف الشرقية، حيث المناطق الزراعية الخالية من الكتل السكانية الكثيفة، التي تؤمن لفصائل المعارضة امكانية التحصن، وتخفف من تأثير التفوق الجوي للنظام، وعندما وصل النظام للكتل السكانية الكبيرة الممتدة من دوما شمالا حتى جوبر شمالا، لجأ لعزلها قبل العمل على اقتحامها.
وتشير التحركات العسكرية للنظام في الغوطة الى انه واصل اعتماد اسلوبه العسكري المعتاد في معاركه الاخيرة بمناطق المعارضة في البادية السورية، الذي ركز على استراتيجية «عزل الجيوب»، دون التوغل في المراكز، ثم تقطيع الاوصال وتطويق الجيوب، والعمل على استعادتها تحت وطأة الحصار، بتسوية تقود الى انسحاب الفصائل المعارضة، في استراتيجية تهدف لتحقيق السيطرة بأقل الخسائر الممكنة.
ويقول الناشط السوري المنتمي للغوطة الشرقية، عمار كريم، ان النظام عرف كيف يرفع معنويات جنوده، من خلال اختياره اضعف الجبهات بالغوطة «جبهة المرج» والتي باتت تشبه الصحراء، بعدما تم قطع معظم الاشجار فيها من قبل المحاصرين في الغوطة على مدى سنين الثورة، لاستخدامها كحطب للتدفئة… بينما كانت هذه المنطقة قبل 6 سنوات عبارة عن غابة من الاشجار، ويضيف كريم لـ»القدس العربي» «مع سياسة الارض المحروقة، يمكن القضاء على المقاتلين الثوار بالمنطقة، كما ان ميليشيات النظام نشرت فيديو، لكيفية عملية الاقتحام التي تمت بواسطة طائرات درون، وبحسب الصور المنشورة، فقد تم توجيه العناصر من خلال طائرات الدرون، التي كانت تكشف كل تحركات مقاتلي جيش الإسلام، ويعمل النظام على عزل دوما، من خلال التقدم من الشيفونية باتجاه مزارع العب، وصولاً لمسرابا». ويشير كريم، إلى ان النظام تمكن من التقدم في هذه المنطقة، بعد غارات جوية تجاوزت الـ400 غارة، وقصف مكثف على مناطق النشابية، حزرما، الزريقية، حوش الصالحية، حوش الضواهرة، فوج النقل واجزاء من بلدة الشيفونية، ثم سيطر مؤخراً على ببت نايم والمحمدية، وبيت سوا».
ومع تقدم النظام وإخفاق فصيلي جيش الإسلام، وفيلق الرحمن من التصدي للهجمة الشرسة، ارتفعت اصوات بين نشطاء المعارضة، تطالب بتشكيل لجان مدنية للتفاوض مع النظام، مبررين هذه الدعوات بأنها نتيجة لـ«عجز الفصائل العسكرية على جميع الاصعدة عسكرياً، مدنياً، إغاثياً او حتى سياسياً» حسب تعبير ناشطين. وتشير الأنباء الواردة من الغوطة، الى ان المقاومة الأشرس تصدر من ابناء الأحياء في الغوطة، بغض النظر عن الفصيل الذي ينتمون له، وهو ما يؤكده الناشط عمار كريم بقوله «جيش الإسلام انسحب قبل يومين من بلدة مسرابا، والذين يقاتلون هناك الآن هم أبناء مسرابا فقط».
وعلى مدى السنوات الأخيرة، بدا واضحاً ان قوات النظام السوري عاجزة عن فتح معركتين رئيسيتين في آن واحد، فبمجرد انتهاء النظام من معارك البادية السورية ودير الزور، انتقل الى معركة ادلب، لينجز تقدماً محدوداً حتى سكة القطار، ثم عادت قوات النظام لتوقف العملية في ادلب، ووجهت قوتها العسكرية بقيادة العقيد سهيل الحسن نحو الغوطة الشرقية، ولعل اكثر ما ساعد النظام على تركيز عمله العسكري على جبهات محدده ينتقيها دون غيرها، هو اتفاقية خفض التصعيد، التي لم يطبقها النظام في الميدان إلا في المناطق التي يريد تأجيل عملياته العسكرية فيها، باعتبارها بمرتبة أدنى في سلم الاولويات، كما ساهم انعدام التنسيق المركزي وتشتت القيادة عند فصائل المعارضة في منح دمشق فرصة للتفرد بفصائل محلية في كل عملية عسكرية، دون التعرض لهجمات من باقي الفصائل في مناطق المعارضة الاخرى.
وائل عصام