لا أدري لماذا مازال البعض يسقط بمحض إرادته في الأفخاخ والأشراك الأمريكية، مع العلم أن التاريخ القديم والحديث يقدم لنا الكثير من الأمثلة التي يمكن أن تفيدنا في تجنب الحبائل الأمريكية المفضوحة للإيقاع بالدول ودفعها إلى الهاوية. ومع أن الماضي القريب حافل بالمؤامرات الأمريكية، إلا أن الأمريكيين مازالوا يكررون مكائدهم على الملأ، والبعض يسقط فيها بسهولة.
من منا لا يتذكر المصيدة الكبرى التي نصبها العم سام للنظام العراقي السابق بقيادة الرئيس الراحل صدام حسين؟ لقد كان الأمريكيون يعرفون ويخططون منذ عشرات السنين أنهم لا يستطيعون التحكم بمنطقة الخليج العربي والسيطرة عليها تماماً من دون لعبة كبرى. صحيح أنهم كانوا موجودين في المنطقة بقوة منذ زمن طويل، لكنهم كانوا يطمحون إلى ما يشبه السيطرة التامة وإخضاع المنطقة بأكملها، ليس بتكريس وجودهم فيها فقط، بل ليستخدموها أيضاً كمركز دولي للتصدي لكل خصومهم في العالم، وخاصة الصينيين والروس، وكل من يطمع بالوصول إلى أهم منطقة استراتيجية في العالم. كيف يمكن أن يحقق الأمريكيون ذلك؟ كان لا بد من مؤامرة كبرى في المنطقة، فوجدوا أن أفضل من يحقق لهم أهدافهم هو النظام العراقي، وكلنا يتذكر كيف اجتمعت السفيرة الأمريكية الشهيرة ايبريل غلاسبي في بغداد مع الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، وكيف قالت له: «إن أمريكا لا تمانع أبداً في أن تقوم القوات العراقية بغزو الكويت، لأن الأمر لا يعنيها». ومن سذاجة القيادة العراقية وقتها أنها صدقت الكلام الأمريكي، وقررت غزو الكويت لتكتشف لاحقاً أنه فخ استراتيجي تاريخي بامتياز، فما أن دخلت القوات العراقية إلى الكويت حتى راحت أمريكا تستجمع القوى الدولية والعربية والإقليمية لإخراج القوات العراقية من الكويت. وقد حشدت وقتها أكثر من ثلاثين دولة لتحرير الكويت. وهذا ما حصل فعلاً، لأن النظام العراقي وقتها سقط في الفخ الأمريكي مرتين، الأولى عندما صدق كلام السفيرة، والثانية عندما ركب رأسه، ورفض الخروج من الكويت، وبذلك أعطى الأمريكيين المبررات لكي يسحقوه، ويدمروا جيشه، ومن ثم يحاصروه لثلاثة عشر عاماً، وبعدها قرروا غزو العراق والإطاحة بالنظام، ووضع المنطقة كلها تحت تصرفهم.
ولا ننسى أن أمريكا من قبل ورطت العراق وإيران في حرب دامية دامت لثمان سنوات، كانت تدعم فيها الطرفين بالسلاح والمعلومات الاستخباراتية كي تستنزف الجهتين. وبالأمس القريب، لعبت أمريكا اللعبة نفسها مع حليف آخر في المنطقة، ألا وهي تركيا، فأعطت الضوء الأخضر للأتراك كي يقوموا بإسقاط طائرة روسية على الحدود مع سوريا. وقد ظن الأتراك أن حلف الناتو وأمريكا سيهبان لنجدة تركيا فيما لو تعرضت لهجوم روسي، أو دخلت في صراع سياسي مع الروس. وعندما بدأت روسيا تضيّق الخناق على تركيا عسكرياً وسياسياً، طلب الرئيس التركي بتفعيل المادة الخامسة من ميثاق الناتو والتي تنص على أن يقف الحلف صفاً واحداً للدفاع عن أي عضو من أعضائه عندما يتعرض لخطر خارجي. لكن الرئيس الأمريكي رفض تفعيل المادة، لا بل قام بسحب بطاريات صواريخ باتريوت من على الحدود التركية عندما تدخلت روسيا في سوريا، وبدأت تواجه الأتراك. عندئذ شعرت القيادة التركية بأنها تعرضت لخديعة كارثية، فمن الواضح أن الأمريكيين كانوا يخططون لتوريط تركيا في صراع مع الروس لاستنزاف الطرفين، كما فعلوا من قبل مع العراق وإيران. لكن الفرق بين القيادتين العراقية بقيادة صدام حسين والتركية بقيادة أردوغان أن الأخير فهم اللعبة مبكراً، وبدل أن يركب رأسه ويتصرف بعقلية البغال العنيدة الطائشة، التف على اللعبة الأمريكية مبكراً، وأفشلها في مرحلتها الأولى، فقام الرئيس التركي بإعادة العلاقات مع القيادة الروسية دون علم الأمريكيين. وهذا ما كشفته المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية التي أكدت بعد الاتصال بين أردوغان وبوتين أن أمريكا لم تكن على علم مسبق أبداً بهذا الاتصال، وأنها اصيبت بالذهول من هذا التقارب المفاجئ بين الأتراك والروس، وكأنها تريد أن تقول إنها مصدومة من أن لعبتها لم تنجح.
لقد لعب الأمريكيون لعبة الإيقاع بالدول وتوريطها في صراعات قاتلة منذ الحرب العالمية الثانية، حتى أن الأمريكيين تآمروا على حليفهم السوفياتي ستالين ضد النازية، وتركوه يستنزف قواته مع هتلر عدو الأمريكيين والروس في لحظة من اللحظات. والغريب أن الأمريكيين لا يخبئون ألاعيبهم، فقد صرح المفكر الأمريكي الشهير دانيال بايبس أحد أهم العاملين في مراكز التفكير الأمريكية الشهيرة بأنه يوصي الحكومات الغربية بأن تدعم نظام الأسد رغم أنه من المفترض خصمها اللدود. وسبب هذا الاقتراح، حسب بايبس، «أن القوى الشريرة لا تشكل خطراً كبيراً علينا عندما تتقاتل فيما بينها. وثانياً: فإن الاقتتال بين الأسد والجماعات الأخرى سيمنع الحسم العسكري وانتصار فريق على آخر. ولو انتصر أحد الفريقين، فإنه سيشكل خطراً أكبر علينا. لهذا على القوى الغربية أن تقود الأطراف المتقاتلة في سوريا إلى حالة من الجمود، بحيث تقوم بدعم الطرف الخاسر كي يستمر في القتال وذلك من أجل إطالة أمد الصراع واستنزاف كل الأطراف لصالح أمريكا والغرب».
وشهد شاهد من أهله
٭ كاتب وإعلامي سوري
د. فيصل القاسم
عزيزي,, ناهل علم . لندن
ينحني دائما قلمي احتراما لفكر قلمك ,, ابخث كثر عن تعليقاتك القليلة لكن فيها كثر من الفكر العالي
,, احر تحياتي عزيزي
شكرا عزيزي هاري . و أنا ايضأ أحترم طريقة سردك للأفكار والاسلوب الواقعي الذي تطرح فيها أفكارك بعيدأ عن التطرف .
مع خالص المحبة و التقدير لك و لكل قلم و فكر نير.
إلى الأخ Moussalim. Ali.تحية طيبة .أميركا هي عدوة للإنسانية .هذا اكيد لكن السؤال دوما نطرحه .لماذا اول غارة أميركية أو أي دعوة لإسقاط النظام هذا أو ذاك .يتحرك (الشعب. ) مطالبا بإسقاط نظامه .اذا هناك شيء ما لا يعمل جيدا .انا اعتقد العلاقة السيئة بين النظام وشعبه تؤدي إلى النتائج الكارثية .
فعلا، أحسنت القول يا ـخي: “المكيدة حصلت عندما مكد الظالم بشعبه.” تحياتي للجميع وشكرا للأساذ فيصل.
ماساة الامة وطامتهاالكبري تكمن
في تفرقها . اكثر من ٦٠ دويلة عربية واسلامية.
والغريب في الامر ان كثير من الناس راضون بإرثسايكس بيكو حتي الكثير من المثقفين.
في هيك واقع هل ستقوم للأمة
قايمة ؟
الله العلي القدير يقول في محكم كتابه
(وان هذه امتكم امة واحدة ) والعرب
والمسلمون راضون بالفرقة وكل بلد
يغني علي ليلاه وكل بلد يقول بكل عزة
“بلدي اولا.” افيقوا يابني يعرب. افيقوا
يا من قال الله فيهم “كُنتُم خير امة
اخرجت للناس.”
تعلموا فوايد الوحدة. تعلموا فوايد
القوة. العالم لا يفهم الا لغةالقوة
والمنعة. العالم لايفهم الا الدول
المتحدة القوية.
من حق امريكا ان تتحد
من حق روسيا ان تتحد
من حق الهند ان تتحد
من حق الصين ان تتحد
وهكذا دواليك!
امانحن العرب والمسلمون فليس
من حقنا ان نتحد؟
رضينا بالفرقة والذل والنوم العميق
رضينا بالخنوع رضينا بمقولة (ان الكلام
عن الوحدة محرم رضينا بمقولة ما
فاز الا النوم ).
انا استغرب كم من الاشادة من معظم المعلقين للسيد اردوغان خاصة بعد ان تراجع مرغما مستنجدا رافع ايدية الى اعلى الى بوتين طالبا الصفح والعفو وارتضى للشروط الروسية المذلة
وتراجعه عن شروط التصالح مع اسرائيل
ومحاولة اعادة العلاقات مع مصر ورفض مصر الا بشروط مصر
لقد جعل من تركيا أضحوكة للغرب والشرق
ورغم ذالك افراد الاخوان يطبلوا ويشيدون به
أجل يخططون لتوريط تركيا في صراع مع الروس و يخططون لتوريط الروس في صراع مع الناتو
و يخططون لاستنزاف الطرفين
لا شك أن أمريكا أم الأفاعي ومن ينام بجانبها سيستيقض في أحشائها.
من الاجحاف مقارنة اردوجان بالصدام او حتى بأي من زعمائنا العرب.فالديمقراطيات لها القدره على تصحيح اخطائها عبر صندوق الاقتراع اما الدكتاتوريات فهي من تخنق نفسها بنفسها.
شكرا استاذ فيصل تحليلك واقعي وتشكر عليه
المقال رائع ودقيق في وصفه المنطقي لواقع المنطقة، وما يدور فيها من توترات سياسية وعسكرية، وفوضى خلاقة رتبتها الإدارة الأمريكية لصالح إسرائيل، وبالتعاون الحليفة المتسترة إيران. ولذا، فأنا أثني على ما أشار لأيه السيد/ الكروي داود / النرويج، بأن السيد أوردغان قد أخطأ في تلبية طلبات الأمريكان في عدم تسليح المقاومة السورية، ولو ضرب التعليمات الأمريكية بعرض الحائط لسيطر على الأجواء العسكرية، وكسب الجولة، وأخضاع كل من له باع في الحرب الآن لسياسيته، وخصوصا لو زود المقاومة بمضادات للطائرات. كما اتفق مع الكثير من التعليقات حول الخبث الأمريكي وعدم أهليتها للثقة فهي العدو الأول والأخير باعتبارها الداعم الأول والرئيس للكيان الصهيوني والعمل على تفوقه في المنطقة ككل.