لقاء مع القراء: غسان بين السطور؟

حجم الخط
14

يلفتني دائما أن بعض رسائل القراء (لا كلها!) على درجة كبيرة من المهارة الكتابية كما لو كانت رسائل «محترفي كتابة» مع وقف التنفيذ.. وذلك لا يدهشني لأنني أجد الخيط بين الكاتب والقارئ من ضوء تهزه نسمة الإبداع فينزاح كثيراً إلى هنا أو هناك، وللقارئ مشاغل أخرى غير معاشرة الأبجدية ليل نهار كالكاتب المحترف.
من هذا النمط من الرسائل تلقيت إثر صدور مقالي «صرخت اللاجئة السورية: الغربة مذلة» رسالة على رقم الفاكس الخاص بي. رسالة من محمد.ع يؤيد كاتبها ما جاء في مقالي كموقف مبدئي مؤكدا أن «الدفاع عنه ـ أي عن الحياة اليومية للاجئ السوري – من الأولويات وهو يعاني في الخيام صقيع الشتاء وجهنم الصيف، أما لعبة تبديل الأقنعة وتحويل اللاجئ إلى حجر في شطرنج الشجار المحلي اللبناني فلا تطعم خبزاً لطفل لاجئ».
يا عزيزي، اللاجئ السوري هو الأسوأ حظاً من بين اللاجئين العرب كلهم. اللاجئ الفلسطيني غنينا له «سنرجع يوما» بصوت الرائعة فيروز وكتبنا عنه التحقيقات. واهتمت المؤسسات الدولية والعربية بالأمر نسبيا، أما التقصير مع اللاجئ السوري على الصعيد الإنساني فلا حدود له. واتفق مع الشاعر محمد علي فرحات الذي كتب يقول برهافة: «اللاجئون السوريون سيئو الحظ لأن وطنهم ساحة لدمار إثر دمار. والدول العربية المحيطة به منكوبة بإدارتها السياسية والاقتصادية وتفسخ مجتمعاتها، والمجتمع الدولي غير قادر أو غير راغب في نجدة هؤلاء.
ويضيف الشاعر محمد علي فرحات: «أنهم لاجئو الصمت، صمتهم وصمت الآخرين». ومن طرفي لن أصمت عن حاجاتهم اليومية الحيوية. فـ (الكلامولوجيا) لا تطعم خبزاً!
أما محمد. ع فكتب: أحزن حين أطالع في صحافة بيروت عشرات الكتاب يتشاجرون حول فرض «الفيزا» على السوريين سلباً أو إيجاباً، فذلك كله لا يمنح لاجئاً مريضاً الدواء الشافي بينما سعاله يمزق ليل بيروت الحزين..

رسائل لوم للبشر ام قبور كلاب؟

لفتني في إيميل قارئة معلقة على كلمتي: «زيارة إلى مقبرة الكلاب» حنانها على الحيوانات وبالذات القطط، كأنها فهمت كلمتي كموقف ضد حب الحيوان، ومقالتي كانت ببساطة دعوة إلى التعاطف الإنساني بين البشر، وبالذات العائلي على الطريقة العربية رغم عيوبها (كأن يذهب المريض إلى المستشفى محاطاً بزفة عائلية!!).
لقد كتبت يا عزيزتي عن «مقبرة الكلاب» الباريسية من وجهة نظر ألخصها بقولي: كأن كل قبر كلب يدلّله وحيد باريسي أو وحيدة، رسالة لوم إلى الأبناء والأقرباء على إهمالهم لمن كانت وما زالت أمهم/عمتهم/جارتهم. وقبر «التوتو» الفاخر رسالة مكتوبة بالرخام على قبر حيوان أليف كان وحده للأسف الأنيس في المرض والعزلة المرعبة في المدن الكبيرة.
وكمثال، ذكرت تلك السيدة التي ماتت وحيدة في باريس ولم يلحظ رائحة جثتها أحد غير «محصل الفواتير»!! ومثال آخر حديث يعود إلى ما قبل أسابيع حين احتضر النجم الشهير فرنسيا روجيه هونين في المستشفى وحيداً ومات، كما جاء في عنوان مجلة «كلوسر» حول ذلك: «نهاية حزينة جداً لنجم مكرس» هذا الرجل الذي كان يترقب برامجه «نافارو» ويشاهده عشرة ملايين فرنسي لم يجد يداً واحدة تشد على يده وهو يحتضر ويموت.
عن ذلك كنت أتحدث، ولأنني أشاركك حبك للقطط والحيوانات أعترف لك بأنني مثلك، فقد كبرت وأنا أداعب «هارون» قط عمتي ويخمشني وأخمشه أيضاً!
وأموء بصوت أعلى من صوته فينظر بدهشة إليّ.
وفي الفترة الأولى من زواجي شاركنا في مخدع الزوجية «جيفاكو» قطي المزاجي بالغ الغيرة الذي كنا نمدحه و «مدحنا القط قام ينط» كما يقول المثل الشامي، وحين أنجبت أبني اهتاج «جيفاكو» بالغيرة وصار يحاول القفز فوق طفلي في سريره لايذائه وكان عليّ أن أختار بينهما!!.. واخترت القط!!

الكتابة بالقلم على ورقة ولكن…

الأخ القارئ من النرويج «الكروي داود» يسألني شبه مستنكر: «هل ما زلت تكتبين بالورقة والقلم» نعم يا عزيزي ولا صلة لنكهة الماضي بذلك بل بالنقص البشري.. فأنا منذ سن المراهقة في دمشق مصابة بالحساسية ضد الضوء الساطع وأرتدي النظارة السوداء لكي لا تنهمر دموعي..
ولا أستطيع معاقرة الشاشات المضيئة بأمر الطبيب. ولي عينا بومة.. وسبق أن تحدثت عن ذلك مطولاً في «لحظة حرية» سابقة لي بعنوان: «لكي لا يحدث ذلك لسواي» بتاريخ 24/1/2015 تجدها في أرشيف الإنترنت لجريدة «القدس العربي».
هزتني كلمة «أحمد» من سوريا الذي كتب يقول «أنا أيضا من أهل الشام ومن مدينة الياسمين» وغمر سطوري بياسمين روحه وأنا ممتنة.. وأعادني إلى بيت جدي في «زقاق الياسمين» خلف الجامع الأموي.. وكم أنعشني ذلك.
وضحكت وأنا أقرأ توقيع قارئ باسم «واحد عايف حاله» ويا عزيزي من ليس كذلك في زمننا العربي البائس حيث صرنا نلتهم بعضنا بعضاً ونتلقى رسائل الشكر على ما نفعله بأنفسنا، وتلك الرسائل من عدونا الأسرائيلي.
وأتفق مع «قارئ فلسطيني» أبدع بقوله الجميل: «كاتب بلا قراء كالناقش في الهواء»..

غسان كنفاني المبدع والشهيد

أما فائق محمود الناطور الذي وقع رسالته باسمه الحقيقي (وهذا يسرني) فقد قال: «كلما قرأت مقالاتك لا أدري لماذا أشعر بأن غسان كنفاني يروح ويغدو بين سطورك».
وكيف لا ياعزيزي وهو المبدع أدبياً، والمخلص وطنيا الذي خافه العدو وقتله.. ويذكرني قولك هذا بقول عيسى مخلوف: ما زلت أقرأ في رسائل غسان شغف قلبك يا غادة! كما يذكرني بقول إسماعيل مروة: «كم نخسر من أعمارنا عندما لا نفتح صدورنا وعواطفنا وشهقات أرواحنا لمن يحبنا ولمن يحبنا فقط»؟ يضيف: «هذه الأحاسيس النبيلة والجميلة هل كان من الممكن أن تصلنا لولا رسائل غسان إلى غادة التي قذفتها في وجوهنا لنتعلم؟ والأهم هل تعلمنا؟ لا أظن فنحن لا نقبل إلا اللوعة والوقوع في الألم».
بالمقابل ثمة لحظات أشعر فيها بأن غسان الغالي كان سعيد الحظ لأنه رحل قبل أن يرى الحال الذي وصلنا إليها كعرب.. وكيف كانت قضيته الفلسطينية هي المحورية عربيا وكيف تشرذمنا اليوم وصرنا قبائل وطوائف يأكل بعضها لحم أخيه نيئاً، وبكل فخر!!

غادة السمان

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول بولنوار قويدر-الجزائر-:

    السلام عليكم
    كم أحسست بالتقزيم أمام نفسي وانا الذي كنت أمنيها أنها تريد العلا والتوق الى الوصول الى القمة ولكن بعد مقال ‘ايقونة الادب) السيدة((غادة) وردها على مجموعة من قراء القدس بالاعجاب والمدح ولم اجد إسمي ضمن المجموعة عرفت شيئا أنني خارج مجال الكتابة وعلي أن أبحث في غيرها وأنا الذي كنت انتظر الساعة23و30دقيقة لأتضفح القدس وابري قلمي واستحصر الحروف واعير الكلمات من غيري لأكتب تعليقا ربما ينال الرضى… بالمناسبة الشكر الجزيل لجريدتنا الغراء((القدس العربي)) التي نشرت لي ولغيري ما كان مناسبا ولكن ((السيدة غادة)) لم يكن لإسمي شرف عندها…
    هذا ليس عتاب يا سيدة ولكن شعور وربما غرور
    ولله في خلقه شئون
    وسبحان الله

  2. يقول الكروي داود النرويج:

    غادة السمان – غادة الشاويش – غادة عويس – أسماء متميزة عندي

    ولا حول ولا قوة الا بالله

  3. يقول ابراهيم السالم مشنان:

    غادة السمان… كيف حالك انت حقا لا باس ، دائما اتوق الي سماع صوتك ( كتابة ) و اعلم اني قد اكون رقما طويلا في لا ئحة طويلة من معجبيك ، و ارجوا ان لا تجعلني الظروف في نهاية
    لا ئحة المعجبين !!!
    غادة هل تسمحين ان استفسرك عن ( شبكة ) جمل تدرجت في مقالك ، و انا اسردها لك كتابة و هي ( معاشرة الابجدية ) و ( اداعب هارون ) و ( شاركنا في مخدع الزوجية ) و ( معاقرة الشامات) و اخيرا استودعك بان اعذب الكلام اكذبه و سلامتك .

  4. يقول سامح // الامارات:

    * مع احترامي لكلام الأخت الكاتبة .
    * أخالفها الرأي في أنّ ( اللاجيء السوري ) الأسوأ عربيا ؟؟؟
    ** هذا الكلام غير دقيق بالمرة لماذا ؟؟؟
    *** اللاجيء والمشرد من ( بلده ) حصل له شرخ في نمط حياته الطبيعي
    وفقد وطنه وبيته وعمله وأصبح في مهب الريح وعلى باب الله
    وهذا يتساوى فيه جميع اللاجئين في ( العالم ) .
    * الفرق الذي حصل مع ( اللاجيء السوري ) أنّ الحدث وقع في
    ظرف عصيب وغير مهيأ بالإضافة للأعداد الهائلة التي لجأت
    لدول الجوار والتي بدورها تحتاج لمن يساعدها ويعينها .
    وعلى رأي المثل ( جيتك يا عبد المعين تعين وجدتك بدك حد يعينك ) .
    ** باستثناء ( تركيا ) باقي دول الجوار أوضاعها صعبة وكارثية
    وهي ( الأردن ولبنان والعراق ) .
    * ومع ذلك : قدم الأردن كل ما يستطيع لمساعدة اخوتنا ( اللاجئين )
    وقدم لبنان كل ما يستطيع وقدم العراق كل ما يستطيع على الرغم
    من ظروف العراق المأساوية الكارثية .
    * اللهم أغث جميع المشردين والمظلومين يا رب العالمين .
    شكرا والشكر موصول للأخت الكاتبة .

  5. يقول سامح // الامارات:

    * عفوا : حتىّ لا يفهم ( القاريء ) الكريم الفكرة خطأ
    المقصود ( اللاجيء السوري الأسوأ حظا ) ومعاملة وشكرا .

  6. يقول علي محمد الجيزاني بغداد:

    رائع جدا في اختيارك المميز الجميل مؤدتي لك

  7. يقول ماجدة / المغرب:

    مُحبة القطط أبعدتها عن القدس مشاغل كثيرة وعوائق كثيرة ومثبطات كثيرة كثيرة …
    لكنها اليوم عادت بعد أن رأت إشارة اليها عند سيدة الأدب العربي الحديث
    فما كان منها الا ان تدع “الحرد” جانبا وتعود لتقول لكاتبتنا الجميلة : لا يا سيدتي لم أفهم ما فهمتيه أنت من تعقيبي ، كل ما هنالك أنني أبديت عدم دهشتي مما ذكر عن مقبرة الكلاب لعشرتي الطويلة مع الحيوانات الأليفة
    ولم يتجه فكري أبدا الى ما يمكن ان يكون موقفك أنت من كل هذا
    فمقالك كان محايدا جدا وكأنما كنت تنأين بنفسك عن اي أصابع استنكار من المؤيدين ومن المعارضين
    فوقفت في منزلة بين المنزلتين واكتفيت بنقل الصورة الينا دون شخصنتها … وهذا ذكاء منك ومهنية أدبية فذة ليست بمستغرب ةأبدا بل هو المنتظر حتما من غادة السمان التي تعرف متى يحتاج قارئها الى دخول شخصيتها بين الأسطر ومتى لا يحتاجها !
    بمناسبة الحديث عن الحيوانات الأليفة قد تستغربون أنني قمت البارحة بنتف خيوط سجادة حريرية صغيرة بغرفتي لأهديها الى عصفورة تستعد لوضع بيضها وتقوم ببناء عشها … العصفورة تعودت ان تزور مطبخي وتلتقط ما به من فتات والبارحة أحسست أنها تبحث عن شئ ما تصنع به عشا لفراخها المستقبليين … فبحثت هنا وهناك ولم أجد ما يمكن أن يفيدها في صنع العش فما كان مني الا ان قصدت السجادة الحريرية البنفسجية وقصصت بعض الخيوط من جوانبها وقمت بفتلها وووضعتها على حافة نافذة المطبخ وطفقت أراقبها حينا من الزمن غير آبهة باقتراب موعد عودة صغاري من المدرسة … وكأنها علمت ان الخيوط قد وُضعت لها قصدا فكانت تأتي وتلتقط اثنين منها ثم تعود لالتقاط الباقي … وانا في غاية السعادة التي ربما تلاشت حدتها عندما فطنت الى ان الخيوط التي قصصتها من السجادة تسببت في انفلات بقية النسيج ):
    انه جنون المشاعر الانسانية والفطرية حين تتحرر من كل القيود !

    كل التحية والتقدير لك سيدتي الجميلة وعذرا لهذا البوح المجنون (:

  8. يقول للأسف الشديد،عربي:

    ما أجمل عصافير الفضاء الحر وهي تطير بلا قيود
    تحلق في السماء، تقرر أين ستكون وجهتها،وأين ستمكث في المساء
    تصنع عش صغارها تضعهم ثم تذهب تبحث لاطعامهم
    مصيرها مجهول وغير مضمون،قد تعود او لا تعود
    ولكن الشيئ الوحيد المضمون هو حصولها على ما تطعم به صغارها
    فليس هناك أحداً يموت من الجوع .. فالموت واحداً وإن تعددت الأسباب

  9. يقول حي يقظان:

    إلى الأخت الكريمة ماجدة،

    ما كتبتيه هنا عن تلك العصفورة التي كانت في انتظار صغارها لا يتأتى، عادة، إلا من كاتبة قصة قصيرة متمكنة ومتمرسة منذ زمن ليس بالقصير، كاتبة جميلة النفس والروح أيما جمال ومرهفة الحس والشعور أيما إرهاف!

    1. يقول ماجدة / المغرب:

      شكرا لك اخي الفاضل على طيب ثنائك
      لطالما كانت الكتابة بالنسبة الي ممص أحزان ومجالا للبوح بما ينوء بحمله صدري
      لكن دون احتراف ولا تفكير في النشر الا بعض الشذرات المنثورة هنا وهناك
      أولويات أخرى في حياتي تبقى محتلة الحيز الأكبر من اهتمامي : بيتي وطفليّ … تحياتي لك حي بن يقظان النبيل

  10. يقول منی مقراني _ الجزائر..:

    اولا تحية عطرة الی الكاتبة غادة السمان؛ والی الإخوة المعلقين؛ وخاااااصة ماجدة من المغرب؛ إشتقت الی تعليقاتك لماذا إنقطعتي عنا كل هذه المدة؛ كل التألق أتمناه لك ودمتي بألف خير انت وكل الإخوة المعلقين والكاتبة التي لاتصفها الكلمات والتي أقرأ مقالها ولا أجد ما أضيف عليه؛ فأكتفي بالقراءة والتأمل.
    شكرا قدسنا الغرااء.

    1. يقول ماجدة / المغرب:

      شكرا لك ايتها العزيزة الحسيبة
      كما قالت سيدتنا الجميلة :{ للقارئ مشاغل أخرى غير معاشرة الأبجدية ليل نهار كالكاتب المحترف }
      ومشاغل البسطاء امثالنا لا تنتهي … لكنني كنت هنا دوما أعلق صامتة واتابع كل ما تكتبون
      سحائب الشوق تعيدنا وسحائب الملل تبعدنا … وهكذا هي حياة البسطاء
      ضائعة بين الاثنتين (:

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية