لقاء مع القراء: متى يتعلم السياسيون الحوار منهم؟

حجم الخط
18

أحببت الحوار بين القراء تعليقاً على مقالتي في «القدس العربي» «يا أمير الياسمين الدمشقي»، حول نزار قباني في ذكرى رحيله، إذ لم يتهم أحد صاحب الرأي الآخر بأنه عميل لإسرائيل وهي التهمة الجاهزة لدى معظم السياسيين العرب ضد من يخالفهم الرأي، وكل منهم يشتهي طعن الآخر في عنقه بقلمه!
لقد سارع الكروي داود ـ النرويج إلى القول: نريد شعراء حماسيين وثوريين كالشابي ومفدي زكريا ومحمود درويش. بلادنا محتلة الآن من قتلة طغاة لا يخافون الله.
أحمد اسماعيل ـ هولندا رد عليه بعدما دعاه بخفة ظل «الشيخ داود من النرويج» مذكراً بقصيدة «أصبح عندي بندقية» التي يحيي فيها نزار الكفاح الفلسطيني.

الإبداع باللإلهام لا بالإرغام

حي يقظان كتب مذكراً بأن «الدكتور جوزيف ستالين» أمر الشاعر «فلاديمير ماياكوفسكي» بصرامة: «نريد منك شعراً حماسياً ثورياً يتحدث عن «ثورة أكتوبر». فذهب ماياكوفسكي وانتحر! ويخاطب حي يقظان الكردي بخفة ظل أيضاً قائلاً «أنت فين والشعر فين يا سناتور كروي داود».
أما القارئ «مغربي» فكتب قائلاً إلى السيد كروي.. ما كتبه نزار عن القضية العربية لم تصله إبداعات من ذكرت.. عد إلى أعماله الكاملة قبل أن تقول هذا الكلام». وجاء الرد تحت عنوان «تعليق على تعليق» قائلاً: بالعكس أعتقد وبشدة بصحة ما كتبه الكروي حين ذكر أسماء شعراء مبدعين مثل أبي القاسم الشابي ومفدي زكريا ومحمود درويش.
ويكتب د. أثير الشيخلي ـ العراق متفقاً مع غادة الشاويش، من أن أبجدية أمير الياسمين الدمشقي، في المقال السياسي والقصيدة الوطنية أعظم وأرقى من قصائد الغزل التي اشتهر بها وطبعت أسلوبه وصار علماً لها وعليها».
ومن الجميل رد الكروي على منتقديه موجهاً تحيته واحترامه ومحبته لمن اعترض على تعليقه حول نزار ولمن أيده. وتحسرت على الحوار بين بعض السياسيين اللبنانيين وتلخصه عبارة: «من ليس معي فهو عميل إسرائيلي»!
وثمة حقيقة تجسدت في حكاية ستالين مع ماياكوفسكي وهي أنه لا يمكن جر الأديب إلى «الجندية الأبجدية الإجبارية» ومن حقه أن يكتب بحرية كما يشاء ومن حق الكروي داود وسواه انتقاده أو الإعجاب به.
وحق حرية الانتقاد للقارئ يساوي حق حرية الكاتب مع أبجديته. ولكن لا يمكننا برمجة الفنان كما «الانسان الآلي» لكتابة ما يحلو لنا، بالمقابل: للقارئ حق الرأي والحوار حوله.

جمالية الحوار الراقي

أجل! أحببت في كل ما تقدم الحوار الراقي بين القراء.. وهو ما يفتقر إليه الكثير من سياسيي العالم العربي وحكامه. فهم لا يحاورون بعضهم بعضاً كما لا يحاورون رعاياهم ولا ينصت أحدهم إلا لصوته وللبطانة المتملقة الفاسدة حوله. بل نجد بينهم من يقمع صاحب الرأي الآخر ويسجنه طويلاً بدلاً من الإنصات لما يقوله فقد يكون على حق.
طاهر العربي كتب حول ذلك يقول: نحن أهل المغرب خاصة لا نزال ندفع ثمن هزيمتنا الحضارية: «سقوط غرناطة» كنتيجة لحرق كتب ابن رشد من طرف المتطــــرفين الذين رفضوا أفكار شيخ الفلسفة رحمه الله إذ قال عنهم «أكبر عدو للإسلام جاهل يُكفّر الناس». وهــــذا صحيح ونعيشه اليوم أكثر من أي يوم مضى مع الدواعش أيضاً والقتلة الذين يؤذون سمعة الإسلام والمسلمين.

العروبة في عهدة الذئاب!

القارئ «جبل النار ـ U.S.A.» يقول: نزار قباني من أفضل شعراء القرن العشرين الذين كتبوا للحب والوطن، إلا أن كتاباته في المرأة والحب طغت على قصائده الوطنية رغم أنها كتابات هامة وجميلة.
ويأتيه «تعليق على تعليق» جاء فيه: أعتقد أنه من أفضل شعراء القرن العشرين.
أما رياض ـ ألمانيا فكتب: «نزار قباني شاعر كبير يؤخذ عليه غزله الصريح جداً جداً في المرأة إلا أن له قصائد رائعة تتحدث عن حال العرب والاوطان». وأختار قصيدة استثنائية عميقة مختلفة حقاً سأنشرها نقلاً عنه حين أكتب ثانية عن نزار ودمشق، دمشق التي يجدها نزار صنعت بسيوفها «القومية العربية».
حي يقظان لم ينس التعليق بقوله: «للأسف الشديد لم يأتنا من القومية العربية التي صنعتها السيوف الدمشقية سوى القتل والدمار والخراب»، وهو رأي قابل للحوار والتساؤل: هل القومية العربية سبب الخراب أم إساءة ممارستها واقترانها في بعض دولنا العربية بالقمع؟ ألم يضيّع العرب البوصلة في سفينتهم حين نسي بعضهم أن فلسطين هي القضية المحورية وتفرغوا لقتل بعضهم بعضاً ونهش المغانم؟
يتساءل نزار قباني: ما الذي يحدث في تاريخنا؟../نحن لم نُقتل بسيف أجنبي/بل قَتَلنا كذئاب بعضنا!

أرواح الأماكن وأفانين وعمرو

يكتب أسامة كليّه ـ سوريا/ألمانيا: «أحب نزار وشعره لكنني لا أعرف سبب هوس الشباب بقصائده الغزلية… أما قصيدته «أصبح الآن عندي بندقية» فكانت رائعة.. ويؤكد عثمان سعدي ـ الجزائر «نزار كان رائعاً، وطنياً وقومياً».. ولم ينس الكتابة حول الاستقبال الكبير لنزار في إحدى ندواته في الجزائر حيث لم تتسع له القاعة وأن نزار وجد في ذلك الدليل النافي للكذبة الكبرى وهي أن اللغة العربية «مواطنة من الدرجة الثانية» في الجزائر.
أما «للأسف الشديد، عربي» فيلفتنا إلى الازدواجية لدينا.. فالطبيعة تستهوينا لكننا أعداء لها. لدينا مبدعون ومفكرون ولكنهم هاجروا. لدينا تراث وحضارة لكننا فرّطنا بهما. لدينا قواسم مشتركة مع الآخرين ولكننا ننغلق على أنفسنا وكل حزب فرح بما لديه!.. وأختم بعبارة: ولله في حلقه شؤون على طريقة بولنوار قويدر – الجزائر.
وإلى اللقاء في الأسبوع المقــــبل مع رسائل أفانين كبــــة وعمرو وسواهما وأرواح الأمكــــنة التي يخلف فيها المبدع قبساً من روحه.

لقاء مع القراء: متى يتعلم السياسيون الحوار منهم؟

غادة السمان

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول محمد-شكرا عزيزنا الكروي داوود النرويج:

    شكرا أخي الفاضل على ردك الكريم… وأسفاه على الحوقلة التي ذهبت مع أواخر أبيات القصيدة.. ههههه لكن الحمدلله عوضتها في ردك الكريم..بارك الله فيك..

  2. يقول بولنوار قويدر-الجزائر:

    السلام عليكم
    لمّا سميّتك ب(ايقونة الادب) كنت موفقا بفضل الله وما يثبت ذلك رغم وزنك الثقيل في الساحة الادبية إلاّ أنّنا وجدناك مزرعة سنابل رؤوس سنابها منحية بكثرة ثمارها وتواضعا للمقبلين عليها فلقد وجدنا فيك الملكة التي تنزل من برجها العالي ومن قصرها الغالي لتستقبل روادها بحفاوة الاستقبال وكرم الضيافة لتجلس معهم على فراش النقاش ورنين الكلمة المفعمة بالمحبة الصادقة التي اعطت أكلها في حينها…
    بتواضعك هذا قد زرعت فينا محبة الكلمة وآداب النقاش والحوار فتعلمنا كيف نرد على من يخالفنا بالتي هي أحسن ونرد على من يؤيدنا بالشكر ولمن أخطأنا معه بالمعذرة والتحية الجميلة وبهذا قد سبقنا السياسيين في حلبة نقاشها المفعم بالتشدد والعنجهية وقولهم :(أنا ومن بعدي الطوفان) فقلنا لهم عبر صفحات قدسنا الغراء ومن خلال مقالتك الرائعة:(نحن نتصارع بالأفكارولا نختلف بالقلوب ونتصافح بالأيدي ونشد بعضنا البعض ونجمع قوانا في جهد رجل واحد…)كل هذا وقليل في أمة لها تاريخ ومجد وحضارة قد سمت على جميع ما في الكون ولكن لمّا نزلت بأيدي ساسويين ليس لهم من السياسة إلاّ الانتماء الإسمي ضاعت الآمة وزوّر التاريخ وانطمست معالم الحضارة وأصبحنا في ذيل الترتيب وعاش فيها من يسعى في خرابها وغيّب من يسعى لإحياء مجدها…ولكن التاريخ سجل لك وعليك فإحذر أيها السياسي من ثورة الاديب فهي سيل عرم…
    ولله في خلقه شؤون
    وسبحان الله

  3. يقول رياض- المانيا:

    فعلا هذا الذي يميز الكاتب الانسان عن الكاتب الذي يجلس في قصره العاجي. الكاتب الملهم هو ذلك الذي يلامس مشاعر البسطاء، هو الذي يتحدث عن الفقراء والمعدمين، يصف احياء الفقراء ويحاول النهوض بامته عبرة ثورة ثقافية. اللغة والأدب والانتاج الفكري والأدبي هو مؤشر مهم لتقدم اي أمة او شعب. ان النهوض واعادة احياء ما اندثر من لغتنا الجميلة، يحتاج فعلا الى كتاب بحجم الاستاذة الكبيرة غادة السمان. نزار لم يمت، فلقد رأيت اشعاره تتدفق بين كلماتك العذبة فكلاكما تحدث عن دمشق وياسمينها وشرفاتها وازقتها باسلوب آسر يجعل القارئ الذي لم يوفق بزيارتها يتصورها بأدق تفاصيلها وكأنه يعيش فيها ويتنفس هواءها ويشرب ماءها ويشم رائحة ياسمينها. شكرا جزيلا لك استاذة غادة وأطال الله في عمرك ومنحك الصحة والعافية.

  4. يقول لوءلوء/ كندا:

    شكرًا لكم جميعا فرغم عدم قدرتي على الكتابة بطريقة مبدعة مثلكم ولكن الحمدلله لدي القدرة على القراءة والاستمتاع بالنصوص العربية

  5. يقول نجم الدراجي:

    السيدة الرائعة تمطر الياسمين الدمشقي
    مساء الحب سيدتي الرائعة ..
    ما أجمل المطر الدمشقي الياسميني من سيدة الادب العربي حين يلامس شغاف قلوب القراء الكرام في القدس العربي ، ورائع مفرداتها بأن يتعلم السياسيين من القراء لغة التفاهم والحوار ، ومن وجهة نظري ارى ان سياسيي الصدفه واللحظة لا يمكن لهم ان يجدو لغة معروفة ، هنالك مساحات نلتقي فيها واخرى تتقاطع مع افكارنا على ان لاتصل الى الحرب والعدوان ..
    تحياتي
    نجم الدراجي – بغداد

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية