أن تصادر دولة الاحتلال في فلسطين آلاف الدونمات من أراضي الفلسطينيين، فذلك من طبيعتها منذ إنشائها. فقد كان للصهاينة نحو 6 في المئة من الأراضي في فلسطين كلها قبل عام 1948، وكانت توافرت تلك النسبة «بفضل» الهبات العثمانية والإنكليزية، وشراء بعضها بفعل عوامل وظروف معقدة وملتبسة، ولم يتبق في حيازة فلسطينيي الداخل، الذين بقوا فيها منذ عام 1948، إلا نحو 3 في المئة، ويشكون من المصادرات المتوالية والتضييق على حيازاتهم للأراضي والأملاك، ومنعهم من التوسع في البناء، على الرغم من تأديتهم للواجبات، ودخولهم في مشاكل وتقييدات وتعقيدات للحصول على أبسط حقوقهم! في حين ان المستعمرين الجدد الذين يأتون من جميع أنحاء العالم وغيرهم من المستعمرين، يحصلون على السكن المناسب في مستعمرات تمت مصادرة أراضيها من أملاك الفلسطينيين، بعد طردهم منها، على الرغم من وراثتها أبا عن جد منذ مئات السنين.
وبرزت بعد عام 1948 وطرد آلاف الفلسطينيين من أراضيهم وأملاكهم، ما يمكن تسميته بسرقة واستحواذ السلطات الصهيونية على أملاك الغائبين تدريجيا، وحسب الحاجة والقدرة على البلع والهضم والاستحواذ، وهو أي المحتل غير مستعجل أحيانا في هذا الأمر. فإن قام احتجاج محلي أو عالمي، وثارت زوابع من اعتراضات القوانين الدولية، التي لا تبيح التصرف بأملاك من احتلت أراضيهم، أو ارتفعت أصوات في المجتمع الدولي ترفض فرض الأمر الواقع عليهم وعلى أملاكهم، فإن انحناءة بسيطة وتأجيلا مؤقتا لتطبيق المخطط الاحتلالي الذي يتجدد بين فترة وأخرى، وحسب الحاجة، إلى فرص أخرى مناسبة، وحسب المعطيات المستجدة؛ فلا عجلة في الأمر! فالأرض تحت مرمى المصادرة والرغبة والحاجة والافتئات. والسكان الفلسطينيون وزراعتهم وتجارتهم وأمورهم الحيوية الأخرى، تتكفل بها القوانين الجائرة، والإجراءات الزاجرة الطاردة والقامعة، والهراوات الباطشة والسجون والاعتقالات، والإقامات الجبرية، والأسيجة والجدران والحواجز المقامة حتى داخل القرية الواحدة، لمنع التواصل أو التعامل بين حارة وأخرى، او بين جار وآخر. هي المعازل التي فاقت إجراءات الكانتونات التي كانت قائمة في دولة التمييز العنصري في جنوب افريقيا، ومن يخالف أو يعترض أو يرمي حجرا على قوات الاحتلال، فإنه يقمع ويتلقى رصاصا مطاطيا وحيا، ويتلقى قنابل غاز أيضا، أو مياها ملوثة أو فلفلا حارا، أو يعتقل أو يُقتل، أو يواجه كل ما يمكن أن يمنع الإنسان من أن يعيش حياة حرة كريمة.
هذا عدا عن نسف البيوت تم نسف قرية العراقيب النقبية ما يزيد على سبعين مرة على سبيل المثال على رؤوس ساكنيها أحيانا، بحجج شتى، فترسانة الحجج عديدة ومتنوعة، والمخالف المحتاج الذي يبني غرفة لإيواء أطفاله، أو يبني طابقا ليؤوي عائلات أولاده وأحفاده، فإن عليه هدم ما بناه بنفسه، بحجة عدم وجود ترخيص، وإذا ما تقدم لطلب الترخيص، فإنه سيقبض سرابا وراء سراب من التأجيل والتسويف، أو يأتيه الرفض بأسرع ما يمكن. وإذا لم يتول من أقدم على «جريمة» البناء غير المرخص على هدم ما بناه بنفسه! فإن السلطات الحكومية تقوم بالمهمة على أكمل وجه، لكن بعد أن تفرض غرامات باهظة على مرتكب هذه «الكبيرة» الفظيعة والشنيعة، حسب السلطات المعنية.
هكذا تتوالى أوامر المصادرة، تارة بحجة الاحتياجات الأمنية، وطورا من أجل المناورات العسكرية، أو بحجة بناء معسكرات للجيش أو الأمن العام، أو بناء مطارات ومصانع ومنشآت سياحية، أو بناء طرقات التفافية وغيرها.. أو بحجة التوسع في «الاحتياجات» الطبيعية لسكان المستعمرات وطرقهم وتنقلاتهم ومؤسساتهم.. إلخ من الحجج والتعلات. هذا بالإضافة إلى إطلاق الزمام لقطعان المستوطنين، وزعران شعارات «دفع الثمن» وغيرهم ممن يعيثون فسادا في الأرض والزرع والضرع والمواطنين من الفلسطينيين، ومحاولات الاعتداء على مساجدهم وكنائسهم، وكل ما هو مقدس.
هكذا هو دأب الاحتلال في سياساته وممارساته، منذ إنشاء الكيان وحتى الآن. ما أفضى إلى استحواذ الاحتلال على 61 في المئة من أراضي الضفة الغربية، حسب بعض المصادر، التي يطلقون عليها اسم «يهودا والسامرة». كما أن المستعمرين الموزعين على مئات المستعمرات، التي أصبح بعضها مدنا عامرة بكل المقومات، وصل عددهم إلى نحو 600 ألف مستعمر. أما في حالات المناكفة والمناكدة والتضييق على السلطات الفلسطينية أو الإقليمية أو الدولية، فإنه يمكن مصادرة المزيد من الأراضي والتضييق على السكان الفلسطينيين من خلال مئات الحجج والأسباب، كما حصل بعد الحرب على قطاع غزة في الفترة الأخيرة. وكما حصل بعد حروب سابقة أيضا، أو يمكن اللجوء إلى السياسات نفسها، في حال قيام منافسات ومزايدات بين الأحزاب الإسرائيلية، ما إذا كانت هناك انتخابات نيابية أو بلدية، من أجل كسب المزيد من الأصوات، وإذا ما تم رفع شكوى لأي جهة دولية، فإن الاعتراض (الفيتو) الأمريكي أو الأوروبي جاهز للاستعمال، على الرغم من رفع شعارات حقوق الإنسان والمساواة والحريات، وأهمها حق تقرير المصير وغيره.
هكذا هو الأمر، إن لم يكن أسوأ، فعلام تستند أوهام السلطة الفلسطينية التي تسير وراء سراب يليه سراب، منذ ما يزيد على عشرين عاما من المفاوضات «الخلبية» التي لم تؤد إلا للمزيد من المصادرات للأراضي والمزارع والأماكن الحيوية للناس. وهذا الطريق لم يؤد ولن يؤدي إلا للمزيد من ضياع الوقت والجهد، وضياع المزيد من الأماكن الحيوية من بين أيدي الفلسطينيين، كأن السلطة تتواطأ على نفسها وعلى شعبها! والخشية من أن تؤدي الطرق والمعالجات الحالية إلى «حل» مسخ اسمه «الحكم الذاتي» أو «حكم بلدي» وإدارة مدنية سبق أن عُرضت منذ عشرات السنين. فهل نزيد في قراءات الفاتحة على أرواح آلاف الذين سقطوا شهداء وضحايا في هذا الزمن المسفوح؛ زمن «الانضباع» و»النداهات» المتعددة. إنه الزمن «الخلبي» السرابي الواهم.
٭ كاتب فلسطيني
سليمان الشّيخ
موضوع حق النخب الحاكمة في مصادرة اراضي اي مواطن،دون وجه حق، احد نقاط الضعف في نظام الامم المتحدة، وليس فقط الكيان الصهيوني، خصوصا عندما يتم استخدام عبارات براقة مثل التأميم او الاصلاح الزراعي.
وقضية فلسطين في منظمة الأمم المتحدة لن تجد حل طالما هناك حق النقض/الفيتو كوسيلة لفرض مفهوم الهيبة للنخب الحاكمة في هذا النظام.
ولذلك أنا اقترح على محمود عباس وبقية قيادة السلطة، بأن تفكر خارج الصندوق، كيف؟
أظن اقناع الدول العربية والاسلامية ودول عدم الانحياز من التهديد بالانسحاب من نظام الأمم المتحدة أو إلغاء حق النقض/الفيتو فيما يتعلق بقضية فلسطين لإنهاء الاحتلال واصدار شهادة ميلاد فلسطين كما تم اصدار شهادة ميلاد الكيان الصهيوني دون حتى ان تستوفي شروط العضوية (كتابة دستور وتحديد حدود الدولة) لمنع التفكير في تمددها في المنطقة العربية، اسهل من التفكير في الحصول على العضوية بدون التهديد من الانسحاب من الأمم المتحدة لإيجاد نظام بديل اكثر انصافا وعدلا من نظام حق النقض/الفيتو للنخب الحاكمة
ما رأيكم دام فضلكم؟