عمان ـ «القدس العربي»: اجتهد رئيس الوزراء الأردني الدكتور هاني الملقي بأكثر من وسيلة وطريقة للتواصل مع أعضاء البرلمان الجديد أملا في تعويض الفاقد بعدما أعلن حكومته الجديدة والثانية بدون مشاورات واستعدادا لتخفيف حدة المواقف المتشنجة المتوقعة قبل انفجارها في حضن الحكومة سعيا لطلب نيل الثقة.
المواجهة الأولى بين رئيس الوزراء والبرلمان ستبدأ عمليا مساء يوم السابع من تشرين الثاني/نوفمبر حيث تعقد الجلسة الأولى لمجلس النواب الجديد وتكون حكومة الملقي في وضع اضطراري تطلب فيه الثقة حتى تتمكن من الاستمرار.
هنا حصريا ثمة ترتيبات تقابلها سيناريوهات متعددة، لكن الملقي حاول الإفلات من عاصفة النقد التي طالته عند تجاهل المشاورات البرلمانية بالإشارة إلى انه التقى عددا كبيرا من النواب وإلى ان حكومته ستخضع للدستور والأعراف وتطلب الثقة معتبرا ان فريقه الأكثر تجانسا على المستوى الوزاري حسب رصده شخصيا.
وهو لم يقف عند ذلك فقط لكن حاول ارضاء العديد من أركان اللعبة البرلمانية وراوغ الإجابة المباشرة على السؤال المتعلق بالأسباب التي دفعته لتجاهل المشاورات البرلمانية وحصل ذلك في الواقع ليس لأن الملقي لديه جواب محدد ولكن لان ظروف ولادة حكومته الثانية أوجبت عليه الاندفاع نحو التمسك بغالبية وزراء حكومته الأولى وبالتزامن مع تأجيل انعقاد الدورة بدا ان الملقي منفتح على مقترحات التعديل الوزاري الموسع لنيل ثقة البرلمان.
الإجابات التي تحاول التشكيك في دستورية آلية المشاورات البرلمانية قبل تشكيل الحكومة قد لا تخدم مخطط الملقي أو غيره للقفز على مقررات البرلمان ومن المرجح ان الرجل يواجه عاصفة الثقة المطلوبة بعد نحو ثلاثة أسابيع سيكون مضطرا لاحتياج المؤسسات السيادية التي تضمن انتقال الحكومات في العادة عبر التدخل لصالحها في مواجهة موجات الثقة.
ذلك في كل الأحوال سيضعف حكومته ويجعلها محتاجة دوما لمراكز الثقل في القرار السيادي وتحديدا في الديوان الملكي والمستوى الأمني حتى يواجه متطلبات الحصول على ثقة البرلمان خصوصا وان فريقه الوزاري يضم ما يسمى محليا بوزراء التأزيم وسيواجه البرلمان المستجد في ظل جدل شارعي عنيف بعنوان ملفي تعديل المناهج وصفقة الغاز الإسرائيلي.
تجنبا لأي مفاجآت محتملة، انشغل الملقي بفتح أبوابه لأعضاء البرلمان البارزين في لقاءات فردية لا أحد يعرف ما الذي يمكن ان تنتهي إليه.
هنا يمكن رصد رئيس الوزراء وهو يحاول خطبة ود كتلة التيار الإسلامي عبر زيارة النائب البارز صالح العرموطي في المستشفى إثر وعكة صحية ألمت به.
ويمكن رصده وهو يتحاور مع المرشح لانتخابات مجلس النواب النائب احمد الصفدي الذي يحظى بحضور لا يستهان به وسط النواب.
ويمكن رصده ثالثا وهو يدير حوارا خاصا باحتمالات العمل المشترك مع رئيس مجلس النواب الأسبق والركن البرلماني عاطف الطراونة، كذلك وهو يجتهد في تلبية أي دعوة تضمن له تعارفا أو احتكاكا بأعضاء البرلمان الجدد خصوصا الذين لا يعرفهم ولا يعرفونه.
بالنسبة لعميد كتلة الاصلاح الوطني النائب الحالي والوزير السابق الدكتور عبد الله العكايلة وكما فهمت «القدس العربي» ينبغي ان لا يكتفي رئيس الوزراء بمثل هذه التلامسات القائمة على الصدفة أو التواصل الاجتماعي مع أعضاء مجلس النواب بدلا من تجاهل المشاورات النيابية في رسالة سلبية لا يمكن فهمها ولا حتى تقديرها.
متوقع جدا ان يستثمر كبار مجلس النواب الجديد تجاهل الملقي التام والغامض لآلية المشاورات التي تقررت أصلا بغطاء ملكي قبل عدة سنوات في الاتجاه المضاد للحكومة خصوصا وان بعض النواب المخضرمين يعتبرون أنفسهم في وزن يفوق وزن الحكومة الجديدة بأكملها.
يسقط العاتبون والغاضبون هنا من حساباتهم المناخ الذي ولدت فيه حكومة الملقي الثانية حيث برلمان جديد بانتخابات مثيرة للجدل وكتلة صلبة بقيادة الإخوان المسلمين وأجواء متوثبة شعبيا ضد السلطة واحتقان اقتصادي وسياسي ومناكفات من كل الأصناف والأوزان. تلك أقرب وصفة لإسقاط أي مشاورات مع حكومة جديدة في ظرف حساس وأقرب طريقة لإجبار السلطة المرجعية على التصويت لصالح وزراء لم يتم اختيارهم بالطريقة التقليدية، الأمر الذي تطلب فيما يبدو القفز عن آلية المشاورات البرلمانية.
في الواقع شكلت عدة حكومات في الماضي القريب ضمن تقنية المشاورات البرلمانية التي كانت تستمر لأيام.
وفي الواقع استقبل رئيس الديوان الملكي الدكتور فايز الطراونة في الماضي كتل البرلمان في إطار تسمية رئيس الوزراء. هذا التكنيك الذي عرض على أساس انه يمهد لتشكيل حكومة برلمانية تم تجاهله تماما عند تشكيل حكومة الملقي الثانية دون وجود تفسير مقنع للخلفيات والأسباب حتى للرأي العام وليس للنخبة السياسية.
بمعنى آخر مهمة رئيس الوزراء لا تقف عند التقدم بطلب لنيل ثقة البرلمان، فهي أصعب وتصل لمستوى تقديم تفسير للنواب عن أسباب تجاهل التشاور معهم بتشكيل الوزارة.
مرجعيا حصل ذلك لسبب ما زال غامضا وسياسيا حصل لأن المرحلة حساسة والظروف ملتبسة وبرلمانيا سيؤدي إلى تيار برلماني معارض أو مناكف لحكومة الملقي حتى وان تم التصويت لها بثقة هزيلة أو متوسطة وسيقود في النتيجة المشهد إلى حالة يضطر فيها الملقي لإجراء تعديل وزاري موسع بالتوافق مع كتل البرلمان الجديدة أو للتنحي عن السلطة لصالح الانتقال وأسرع من المتوقع لمستوى حكومة برلمانية ترافق وزارة ظل وهو ما تشير له الأوساط الدبلوماسية الغربية التي يبدو ان لديها معلومات أكثر من تلك المتاحة للنخب الأردنية.
بسام البدارين