سواء كانوا يرونه ثعلبا ماكرا أم بيدقا يحركه المصريون والإماراتيون، وفق إرادتهم، فإن التونسيين والجزائريين الذين لم يرتاحوا في الاصل لعودة العسكري المتقاعد خليفة حفتر للخدمة، باتوا يشعرون بقدر ملحوظ من القلق والانزعاج من طبيعة خططه ونواياه في التعاطي معهم مستقبلا، اذا ما تمكن من تحقيق حلمه في إزاحة كل الخصوم والتربع منفردا على عرش ليبيا.
ورغم أنهم لم يكشفوا صراحة عن هواجسهم ومخاوفهم تلك، ولم يقولوا علنا إنه من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، عليهم ان يصلوا للحد الأدنى من التفاهمات معه، وأن تشدده وطموحه الجارف زاد من ترددهم حتى في قبول عروض التعاون الامني والعسكري التي يقدمها لهم، فإنه بات من الواضح، وبالخصوص بعد لقاء باريس الاخير، بأن الهوة بينهم وبينه توسعت وتمددت اكثر من السابق.
لقد خرج المشير من ذلك اللقاء منتصرا، بعد ان حصل على مباركة فرنسا ونال اكبر الجوائز التي سعى للفوز بها وهي ان يعترف به كزعيم سياسي لا يمكن تخطيه عند البحث عن اي مخرج أو خلاص محتمل لليبيا. صحيح ان الرئيس الفرنسي ماكرون قال أمامه وأمام غريمه رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية بأنه «توجد شرعية سياسية في ايدي السراج، وتوجد شرعية عسكرية تتمثل في القائد العسكري حفتر، وقد قررا ان يعملا معا»، ولكن حفتر كان يدرك جيدا في قرارة نفسه ان ذلك الحديث الفضاض عن وجود شرعيتين لا معنى له مادام هو الاقوى على الميدا،ن، ومادام خصمه المعترف به دوليا اي السراج لا يستطيع تحريك طائرة أو دبابة أو حتى التنقل بحرية وسهولة داخل العاصمة الليبية نفسها، بدون ارادة الجيش أو الميليشيات وموافقتهما، اي بدون الحاجة لشرعية عسكرية لا يملكها ولا يضمن انحيازها الدائم له.
ولاجل ذلك لم يتورع عن القول في مقابلة اجرتها معه قناة فرنسية تعليقا على تصريح سابق للسراج، ذكر فيه أنه من الحماقة التفكير في دخول طرابلس وأن ذلك ليس سوى «عنترة لا تعني شيئا وهو، أي السراج رجل مهندس وعليه ان يتكلم وفق مجاله، وبناء على اختصاصه بعيدا عن العنترة التي لا يملك منها الا الكلام». قبل ان يضيف فيما يشبه التهديد بأنه «متى سمعنا ان هناك خطرا يدق ابواب طرابلس فنحن لها».
لقد كان واضحا ان البدلة المدنية الانيقة التي دخل بها العسكري قصر الايليزية لم تغير شيئا من طباعه، ولا من تفكيره، ولم تحوله بين ليلة وضحاها الى دبلوماسي متمرس بأحاديث الصالونات يجيد شد الحبال وجذبها في وقت، ثم سحبها وارخاءها في وقت آخر. فكل ما تعلمه ان العبرة تظل بالنهاية في شيء واحد وهو القوة وان كل الاتفاقات التي وقعها أو سيوقعها مع السراج أو مع غرمائه الاخرين لا تساوي حتى الحبر الذي كتبت به، ما دام الميزان العسكري على الارض ما يزال يميل لصالحه مثلما يتصور. ولعله بات مقتنعا الان واكثر من اي وقت مضى بأن الرياح الاقليمية والدولية صارت تميل بقوة لصالحه، وانه لم يعد ممكنا لأي قوة غربية، ترغب في الحفاظ على مصالحها في ليبيا أن تتخطاه أو تتجاهله، فيما تعده من خطط ومشاريع للاعوام المقبلة. ولا شك بان مثله الاعلى في ذلك، زميله المصري الجنرال السيسي الذي وصل قبل اعوام الى اعلى هرم السلطة في بلده متذرعا بانه قام بعملية إنقاذ وطني لا غير. إنه يستخدم التكتيك والاسلوب نفسه، وما يزال يخفي الى الان كل اوراقه ويرفض الكشف عن اي رغبة أو طموح علني في التربع على عرش ليبيا، بل يقول إن كل أمله وطموحه ان «تكون ليبيا دولة آمنة ومستقرة وتعيش حياتها مثل باقي العالم». كما انه لا يبدي بالمقابل ايضا اي ميل أو قبول بأن يخلع بدلته العسكرية ويشارك في انتخابات عامة وشفافة يحدد فيها الليبيون ما اذا كانوا يقبلون به قائدا أو زعيما لهم ام لا. فهو لا يؤمن اصلا بجدوى الانتخابات، رغم انه قبل، في باريس، من حيث المبدأ بأن تنظم في اقرب وقت في بلاده، كما انه لا يبدو بحاجة لشرعية انتخابية، مادام متأكدا من ان إعلانه الحرب على الارهاب يكفي لمنحه اقوى صكوك الشرعية المحلية والدولية واكثرها حجية ونفاذا. ولكن انغماسه وتحركه المحدود داخل المربع المصري الاماراتي فقط، وتجاهله المتعمد احيانا لما يثيره ذلك من حساسية بالنسبة لجارتيه تونس والجزائر بالتحديد، وحتى من تهديد واضح ومباشر لمصالحهما مع بلد يقولان باستمرار إن أمنه واستقراره من أمنهما واستقرارهما، بات يعد مصدر قلق حقيقي في العاصمتين المغاربيتين، خصوصا مع ارتفاع أسهمه وتسابق القوى الغربية على كسب وده وإشراكه المباشر في كل المحادثات التي تعقد للبحث عن حل سياسي للازمة الليبية. ومن المؤكد ان المسؤولين في البلدين شعروا ببعض الحرج من لقاء باريس، الذي كرس نجومية حفتر، متجاهلا ما بذلوه من مساع على امتداد عدة شهور لتقريب فرقاء الأزمة وجمعهم الى طاولة واحدة.
وربما تساءل بعضهم بمرارة عن السبب الذي جعل السراج وحفتر يطيران الى باريس وقبلها الى ابوظبي، ولا يجتمعان مثلما كان مفترضا لا في تونس ولا في الجزائر، رغم ان العاصمتين اقرب لهما جغرافيا على الاقل من اي مكان اخر. والمفارقة هي ان النظام العسكري في الجزائر، الذي من المفترض ان يميل عادة للعسكريين أو لانظمة تقترب أو تشترك معه ولو في الشكل، لا يفضل عسكريا بمثل مواصفات حفتر لحكم ليبيا، بسبب قرب الاخير الزائد من النظام في مصر، مع ما يعنيه ذلك من تبدل متوقع في التوازنات والتحالفات الاقليمية. فليس من مصلحة الجزائر ان يتوسع نفوذ القاهرة ويمتد بعيدا ليقترب من حدودها، وهي لا ترغب بالتالي في أن يفتح حفتر بابا للمس بدورها ونفوذها التقليدي في المغرب، كما انها لا ترى فيه من هذه الزواية بالذات العسكري المناسب لها.
أما التونسيون الذين يرفضون من حيث المبدأ اشراك العسكر في السياسة، فلا يتصورون ان الحل لازمة ليبيا، في عودة عسكري اخر على رأس السلطة. فاشباح القذافي ماتزال ماثلة بقوة امامهم، ومازالوا يذكرون تهديداته وتدخلاته ومؤامراته الطويلة ضدهم. وهم يفضلون بدلا من ذلك، وكما قال وزير خارجيتهم لجريدة «لابراس» الحكومية ان «تنظم في أقرب وقت انتخابات حرة وشفافة في ليبيا، وان يحدد الشعب الليبي ويختار قادته»، وهنا قد لا يكون حفتر هو الشخصية المدنية الانسب في نظرهم للقيام بتلك المهمة.
بقي هل ان البلدين قادران الان بالفعل على تجاوز حفتر؟ أم انهما سيمدان له ايديهم بالنهاية؟ ما نعلمه ان السياسة تحتمل الكثير من المكر والكثير من تحريك البيادق ونقلها في اي وقت.
كاتب وصحافي من تونس
نزار بولحية
“والمفارقة هي ان النظام العسكري في الجزائر، الذي من المفترض ان يميل عادة للعسكريين أو لانظمة تقترب أو تشترك معه ولو في الشكل، لا يفضل عسكريا بمثل مواصفات حفتر لحكم ليبيا،” من خلال هذا الاقتباس يبدو لي ان السيد الكاتب لم يتمكن من ادراك ماهية النظام بالجزائر فهو يصفه بالنظام العسكري وهذا لعمري تبسيط الى اقصى الحدود …فالنظام بالجزائر لا نمطي لايشبه اي نظام عربي فهو نظام بكل مساوئه الظاهرة والمستترة لكنه نظام متجذر وله حمولة تاريخية وهو ليس حكم طبقة او فئة وهو يمتد افقيا وعموديا داخل المجتمع …جوهريا هو يقترب قليلا من النظام التركي قبل الانفتاح …ومن لم يدرك هذه الخصوصية فان تحليلاته تجانب الصواب ويقع في تناقضات صارخة….تاريخيا الجزائر لم تستطع ابدا التناغم مع الانظمة العسكرية فهي لم ترتح ابدا لنظام القذافي ولا لحكم العسكر في اليونان او تركيا او تشيلي او نظام فرانكو باسبانيا وسلزار بالبرتغال او نظام عيدي امين دادا او الجنرال شيهو شغاري في نيجيريا وآخرهم نظام السيسي….لكن بالمقابل حافظت على علاقات ممتازة مع نظام الثورة في تونس وايدت الحكم المدني في نيجيريا ومالي والنيجر وتشيلي ….بل كانت الجزائر الداعم الرئيسي لقرار الاتحاد الافريقي عدم الاعتراف بالانظمة الناتجة عن الانقلابات العسكرية…..قد يقول قائل الجزائر نفسها شهدت انقلابات عسكرية سنة 1965 و 1992 والجواب هو نصف نعم فهذان الانقلابان لم يغيرا البنية الهيكلية الاساسية للنظام لأن في الواقع النظام هو من استخدم القوة العسكرية ليقلب المشهد ويغير المعادلة بل اكاد اقول ليستمر والبون شاسع جدا بين الامرين.
تونس والجزائر لا يثقون في مصر. وحفتر حصان طروادة و بسداجة يلعب بما تبقي من الأمن القومي لبلده من الذي يضمن عدم غزو ليبيا من طرف مصر وقد تدخلت وقصفت من قبل وبنفس التهمة محاربة الإرهاب هل سيصمد اللبيون أمام اقوي جيش في أفريقيا اليوم ليبيا في نضر أوروبا دولة فاشلة ارهقتهم بالمهاجرين وسيجدون الف عدر لمصر إذا خلصتهم. لا توجد ثقة في العرب من كان يصدق انهم سيحاصرون قطرويهاجمون اليمن.
لأن جنرالات الجزائر لهم تاريخ في الدم وقتل شعبهم و تشريد الآلاف ف نفي آلاف في الصحراء و قتل 30000 قرب الثكنات و قتل بوضياف و الانقلاب على الصناديق و لهدا الجنرال لايتق في الجنرال …حلال على الجزائر حرام على حفتر….كل حسابات الجنرالات خاطئة مند انقلاب على بومدين
لا اعتقد أن الجزائر ستبقى بعيدة عن المشهد الى ما لا نهاية خصوصا اذا هدد طرابلس … لانه في هذه الحالة سيكون هذا الحفتور قد اصبح حاكم ليبيا الجديد رغما عنها
فرنسا ومن مشى في ركبها من الدول العربية التي حثت الجامعة العربية على المطالبة بتدخل الناتو-فرنسا- لضرب ليبيا وتدميرها وأخذ ذهبها وأموالها..
أقول تحاول أن تظهر بالدولة المحبة للشعب الليبي الصديق له …مع جنرال تقاعد مع القذافي–
ليبيا التي كان يعيش بها الملايين من المصريين والأفارقة…غير قادرة على إعاشة شعبها الذي كان يأتيه حقه من ريع البترول للبيت بما فيهم حديثي الولادة دون عناء وبحث …
أتركو الشعب الليبي يقر مصيره
أتركو الشعب الليبي يقر مصيره
أتركو الشعب الليبي يقر مصيره
حسبنا الله ونعم الوكيل…كل من ساهم في تدميرها من قريب أوبعيد ستدمر دولته بقدرة القادر القهار….
إلي الأخ الكاتب المقال في الحقيقة لم أعرف انكم تطلقون علي الحكام في الجزائر بالعسكر .اتمني
ان تعطيني باءسم واحد في الوزارة أو في البرلمان هو من الجيش لتوضيح وشكرا