في حركة لم تخطر على البال، قطع الكاتب الذي لم يعرف أنه كان يوما معارضا شرسا أو حتى لطيفا للنظام، جلسة حوار مباشر بثها التلفزيون الرسمي في تونس ساعات قليلة فقط قبل هروب الرئيس السابق بن علي من البلاد، ليقول أمام دهشة المذيع ووجوم وصدمة ضيفة أخرى حضرت معه البرنامج: «سأعلن للشعب التونسي الآن وفاة السيد الرئيس بن علي.
وفاة قد تكون معنوية غير جسدية. إنما بن علي الذي كنتم تعرفونه انتهى وتوفي. وبالمناسبة أقول للشعب التونسي يكفي لقد انهيت مهمتك بارك الله فيك ولتعد إلى مواقعك فالسيد مات». ورغم أن تلك الكلمات بدت للكثيرين وقتها نوعا من المجازفة المجنونة وسمحت لحسن بن عثمان بأن يصبح في الشهور التي تلتها نجما تلفزيونيا لامعا، إلا أن وقعها وأثرها بدأ بالتقلص بمرور الشهور وغياب مؤشرات جدية وفعلية بعدما يقرب من ست سنوات على اختفاء بن علي. على أن شهادة وفاته التي أعلنت على الهواء كانت حقيقية ولم تكن مزورة أو غير أصلية وأن الموت الرمزي والمعنوي الذي قصده، حدث بالفعل ولم يكن سرابا أو فرقعة إعلامية لا تقدم ولا تؤخر. وبغض النظر عن طبيعة الدوافع التي قادت بن عثمان لمثل ذلك التصرف وفيما إذا كانت صحوة الضمير وأصوات الرصاص الذي كان النظام يصبه على المتظاهرين هي التي جعلته ينتفض بتلك الطريقة ويخرج عن سكون وخشبية الخطاب المعتاد داخل وخارج التلفزيون الرسمي؟ أم أن هناك حسابات فردية قادته للبحث بكل السبل عن تحصيل مجد شخصي ولو في اللحظات الاخيرة لسقوط رمز النظام، الأهم في كلامه هو ما قاله في المقاطع الاخيرة من تلك الفقرة الشهيرة من أن مهمة الشعب التونسي انتهت وأن عليه أن يعود إلى مواقعه الأصلية. لقد انجز ما طلب منه ولعب الدور الذي رسم له بدقة ومن قبل أن يسدل الستار ويظهر المشهد الختامي، صدرت أولى الإشارات على أن كل شيء تم وحسم من وراء ظهره ليتضح بعدها أن الموت الرمزي لابن علي الذي اعلن عنه في وقت باكر كان واحدا من أقوى الخدع الاعلامية التي سمحت لبعض السياسيين والاعلاميين في مراحل موالية بتضخيم ادوار والحط من أخرى وإيهام الرأي العام بأن الصفحة طويت نهائيا وإلى غير رجعة.
إن ما أثبتته تجارب غلق الملفات القديمة وقتل الماضي ودفنه على مدى ستين عاما من عمر النظام الجمهوري الذي اختار الرئيس الراحل بورقيبة أن يعلنه عبر المجلس التأسيسي بعد عام تقريبا من إعلان الاستقلال هو فشلها الذريع في تحقيق اهدافها. ومقابل ذلك ظلت فكرة الموت الرمزي للحكام بمجرد الإطاحة بهم من مواقعهم وقبل غيابهم جسديا وفعليا عن الحياة أشبه بالاسطورة التي لم تتحقق لا مع بورقيبة ولا مع بن علي، بالنظر لعدة اعتبارات من بينها غياب تصور واضح ومحدد لاسلوب الانتقال السياسي، ووجود حواجز سيكولوجية سميكة بين النظام والشعب. وربما لم يعد يستحضر الكثير من التونسيين الآن تلك الطريقة المهينة والمذلة التي طرد بها آخر ملوكهم أو باياتهم من السلطة، ثم الروايات الرسمية التي ظهرت بعد ذلك في خطب بورقيبة وبرامج الإذاعة ومناهج التعليم، حول ضعف ووهن وفساد العائلة الحسينية التي حكمت البلاد لعقود وعمالتها وولائها للمستعمر الفرنسي، على حساب حقوق رعاياها ومصالحهم. ومن المؤكد أن فيهم من نسى أو تناسى بفعل عمليات غسل الدماغ التي باشرتها دولة الاستقلال بأن مؤسس الجمهورية كان أياما قليلة قبل الإطاحة بالباي وزيرا أول عنده يحضر إلى قصره ليقبل يده ويؤكد له أنه سيظل وفيا له إلى «أن يأخذ الله أمانته» اي إلى أن يحيل أجله، حسبما نقله أكثر من مصدر. ولكن الولع بالسلطة والطموح الجامح نحوها والرغبة في الانتقام والثأر من عائلة ظل «المجاهد الاكبر» يردد باستمرار انها كانت سبب بلاء التونسيين وشقائهم.
كان الدافع وراء محاولات القتل المعنوي للباي وتلطيخ صورته وصورة أسلافه من خلال إخراجه من قصره بشكل مهين وابقائه منبوذا ومعزولا عن العالم الخارجي لسنوات وتحميله كل المصائب والكوارث التي حصلت في عهد الاستعمار الفرنسي. ورغم أن بعض المصادر ذكرت أن الامين باي وهو اخر بايات تونس كان يفكر باعلان ملكية دستورية شبيهة إلى حد ما بالملكية البريطانية، إلا أن وزيره الاول في ذلك الوقت اراد أن يحسم الامور بنفسه ويكون هو المبادر بالغاء الملكية وانهاء حكم العائلة الحسينية في البلد. كان بورقيبة في العقد الخامس من عمره وكان الباي حينها في عقده السابع، ولعبت عدة ظروف لصالح الزعيم الذي بدا حينها شابا يتقد نشاطا وحماسا، ويجيد واحدا من أهم فنون السياسة الذي فقده سلفه العجوز، وهو التواصل مع الناس. ولكن محاولات بورقيبة ظلت تدور في حلقة مفرغة ولم يهدأ باله ويطمئن نسبيا الا بالوفاة الفعلية مطلع الستينيات لآخر بايات تونس. والسبب هو انه كان يدرك جيدا أن ذاكرة الشعوب لا تمحو ما تلتقطه على مدى عقود بسرعة وأنها لا تحتفظ في الغالب بالرمزيات وكل ما هو مجرد بل بكل ما هو مادي ومحسوس، ولاجل ذلك كانت الوفاة الطبيعية هدية سماوية ثمينة للنظام الجديد، أغلقت بها حقبة من تاريخ تونس أو هكذا كان يتصور بورقيبة. وربما من حسن حظ تونس أن انقلابه على الباي ثم انقلاب بن علي عليه لم يحصلا وسط بحور من الدماء مثلما كان الحال في عدة بلدان عربية اخرى، بل وقعا بطريقة هادئة ومخملية. وفيما وجد الأول الفرصة في التأسيس للجمهورية كان المبرر الذي اعتمده الثاني هو انقاذها من تصرفات عجوز اضر بتاريخه وبهيبة الدولة ووقارها. لقد قال في بيانه الأول «إن الواجب الوطني يفرض علينا اليوم أمام طول شيخوخته واستفحال مرضه أن نعلن اعتمادا على تقرير طبي أنه اصبح عاجزا تماما عن الاضطلاع بمهام رئاسة الجمهورية». وبشر الشعب التونسي بأنه «بلغ من الوعي والنضج ما يسمح لكل ابنائه وفئاته بالمشاركة البناءة في تصريف شؤونه…» وبأنه «لا مجال في عصرنا لرئاسة مدى الحياة ولا لخلافة آلية لا دخل للشعب فيها…» و»لا مجال للظلم والقهر… ولا مكان للفوضى والتسيب ولا سبيل لاستغلال النفوذ أو التساهل في أموال المجموعة ومكاسبها». ولكنه كان يشعر بثقل الثلاثين عاما التي قضاها بورقيبة في السلطة والتي جعلت اسمه مرادفا لتونس ومقترنا بها في نظر الكثيرين في الداخل والخارج. لقد بادر بشيء من الحذر إلى إزالة تماثيله، وحاول وعلى مراحل أن يعدل من مناهج التعليم التي صورته قديسا وملاكا نزل من السماء لينتشل البلد من الجهل والفقر والاستعمار، وأطلق على المشاريع والمرافق الجديدة اسم السابع من نوفمبر بدلا من اسم بورقيبة، وظل يكرر وفاءه للزعيم وأنه قام بازاحته من السلطة إنقاذا للبلد ولتاريخ الزعيم ومجده، وتركه رغم ذلك يمضي اخر ايام عمره في شبه عزلة في بيت بمسقط رأسه بالمنستير. والمفارقة التي حصلت هنا أن الناس عادت لتستحضر بورقيبة وسيرته الرسمية القديمة بمجرد الإطاحة بابن علي، كما انها عادت لتذكر الاخير مع تعقد الازمة واشتدادها رغم كل الشعارات التي رفعت قبل سقوطه واشهرها «خبز وماء وبن علي لا». ومن الواضح مع كل ذلك أن الجنرال الذي حكم تونس لاكثر من عشرين عاما لا يحظى بتعاطف أو شعبية تعادل تلك التي يحظى بها بورقيبة في اوساط المثقفين والنساء ولكن موته الرمزي يظل مؤجلا ومعلقا على جملة شروط تبدو صعبة وعسيرة، وأولها قدرة التجربة الديمقراطية على أن تمنح للتونسيين أملا حقيقيا في المستقبل ثم اشتراكهم جميعا في القتل الرمزي والمعنوي لابن علي بعد أن ظلوا على مدى السنوات الست الاخيرة يرقبون من بعيد عملية القتل المزيف والصوري له من دون أن يشاركوا فيها من قريب أو بعيد. كيف يقتلون حاكمهم المستبد ومتى يموت بن علي ويتخلص التونسيون منه نهائيا والى الابد؟ قد تكون الخطوة الاولى نحو ذلك هي كشف الحقيقة كل الحقيقة عما جرى في عهده وعهد اسلافه حتى تطوى الصفحة بالشكل المناسب وتصبح صرخة حسن بن عثمان في التلفزيون الرسمي ساعات قبل هروب بن علي واحدة من النبوءات القليلة التي صدقت ولو بعد حين.
كاتب وصحافي من تونس
نزار بولحية
هناك جزء مهم من الشعب التونسي يعبد الأصنام فبعد أن هوى صنم بورقيبة التفت العبيد لعبادة صنم بن علي ( الله أحد الله أحد بن علي
ما كيفو حد ) ولمّا سقط صنم بن علي عادوا إلى صنم بورقيبة لأنّهم أحسّوا باليتم وأرادوا إصلاح خطأ ظنّوا أنهم ارتكبوه لمّاقالوا ذات 7نوفمبر
( أف ملاّ غٌمّة تنحّات علينا )
بداية نذكربالحديث الشريف *اذكروا موتاكم بخير *و لكن للتاريخ يقول آباؤنا*أن محمد الأمين باي و عند انقلاب بورقيبة عليه و عند خروجه من القصر الملكي وضع علامة على الباب و قال سيأتي يوم من سيخرج بورقيبة من القصر ذليلا كما أخرجني * و فعلا بعد ثلاثين سنة أتى بن علي و أخرج بورقيبة من قصر قرطاج و بذلك تحقق وعد الباي..و حتى بن علي أطرده الشعب في ثورة 14 جانفي 2011 و بهذا يتضح أن الله يعاقب الانسان بنفس الخطيئة التي ارتكبها و الحمد لله رب العالمين..
انا تونسي ابن ريف الكاف ولدت فى س 1967 فى مكان لا تسكنه الحيوانات وجدت المدرسة و جدت الاكلة و جدت التلقيح و الرعاية الصحية كل ما اعيشه اليوم من رفاه مادى مع مستوى تعليم لكبرى المدارس العليا الفرنسية …اقل شئ افعله هو الانحناء للزعيم الراحل بورقيبة مؤسس الجمهورية و بانى مدرسة الجمهورية نم فى قبرك يا زعيم لك أبناء لا يعرفون الجحود و يرون بالمعروف و سوف ندافع عنك ضد الحاقدين و ناكرى الجميل من المرضى اصحاب القلوب السوداء الذي لوﻻك لاكلهم القمل ….لذالك انا تونسي و ابن الجمهورية …تحيا تونس تحيا الجمهورية و يحيا بورقيبة كما كنا نهتف و سنضل نهتف بذالك
تاريخ الشعوب لا يندثر و الاتعاظ به واجب حتى لا تتكرر الاخطاء
لست من المنادين للتشفي و الحقد
علينا ان ننظر الى المستقبل و بناء مجتمع متوازن له مكانة بين الامم.