لماذا هجرتم بلادكم أيها الخونة!

حجم الخط
35

يا أخوتي المهجّرين، انتبهوا لكل صغيرة وكبيرة توثق معاناتكم وأسباب رحيلكم، فلن تعدموا شانئين ومتفلسفين و»ثوريين» وأبواقا يسألونكم باستنكار: «لماذا تركتم وطنكم؟» ولن تعدموا من يحاولون إثبات «خيانتكم»، مثلما اجتهد كثيرون لإثبات «خيانة» إخوة لكم من قبل! ألم يتهموا الفلسطينيين بأنهم قبضوا ثمن وطنهم! ألا تسمعونهم بعد كل عاصفة غبار مع أي نظام يرددون: «الفلسطينيون باعوا بلادهم لليهود ويريدون دماء أولادنا لتحريرها!»
سيتهمونكم بالعقوق لحليب الأم وحضنها الرؤوم، وأنكم طمعتم بفتات الغرب، وقبلتم المذلة في الغربة على العزة والكرامة والكبرياء في وطنكم!
سيقولون إنكم تركتم وطنكم عندما كان بأمس الحاجة لكم!َ
ألا ترون أن البعض ما زال يسأل الفلسطيني لماذا هجرت وطنك! رغم أن حوالي خمسمئة قرية مسحت عن وجه الأرض وصودرت، ولكثير منها مجازرها ومقابرها الجماعية، وبئرها التي رُدِمت على الأحياء!
نعم ما زال هناك من يقول إن الفلسطينيين باعوا وطنهم، حتى وهو يرى، حتى هذه اللحظة، طرد الفلاحين من أراضيهم وإحراق محاصيلهم وحرق بيوتهم وهدمها ومصادرات أراضيهم وتجريفها بالجرافات العملاقة المدعومة بأحدث جيوش العالم، واقتحام مقدساتهم بالبث المباشر وإحراقها وتخريبها أمام سمع وأبصار العالم والعرب الذين قد يُحرجون ويضطرون لمعاتبة إسرائيل!
أنصحكم بأن تحتفظوا بكل وثيقة وصورة وفيلم فيديو وشهادة مكتوبة وشفوية، لا تقولوا إن العالم يعرف ويرى ويسمع! لا تقولوا عن شيء إنه غير مهم، فقد يكون الأهم!
أكثر ما علق في ذهن طفلة عام النكبة التي صارت عجوزا هي المرآة التي أخذتها معها عندما طردت من بيتها مع أسرتها، ووجه العميل الذي لحق بها عدة كيلو مترات على حصانه في سفح جبل وتحت شمس لاهبة، كي يسلب المرآة عن رأسها ويعيدها إلى غنائمه.
سيأتي انتهازيون، ويسألونكم لماذا لم تبقوا للإصلاح من الداخل! وكأن سرطان العظام يعالج بِمسلسل (جميل وهناء)!!
سيأتيكم خطيب مفوّه ليقول لكم، اذكروا كيف صمدت فيتنام وستالينغراد وقلعة سيباستيبول، اقرأوا كيف أكل المحاصرون طلاء الجدران! فلماذا لم تصمدوا مثلهم!
وسيحكي أحدهم قصة عن هندي عاش على تمرة واحدة لأسبوعين، فلماذا لم تتحملوا الجوع! وسيطلق آخر شعاراته عليكم ويقول: «بلادي وإن جارت عليّ عزيزة،
وأهلي وإن ضنّوا عليّ كرام».
أهلك منشار الحطب على عنقك لأنك رفضت أن تعترف بألوهية بشار الأسد مثلا!
سوف يقول لكم قالب ثلج يشتغل في الأدب: «حقًا لماذا لم تقرعوا الخزان! وسوف تسألكم مقدمة برامج دلّوعة «لماذا لم تخبروا العالم بما جرى! وسوف تُقسم مُكنسة كهربائية تعمل في الصحافة أنه ليس لها علم بهذا الظلم الذي تتحدثون عنه»!
وسيصرخ في وجوهكم واحد فالح جدا: «أنا مع سورية وبس»! وكأنكم كل عمركم تهتفون «أنا مع سويسرا وبس»! وكأنكم حجزتم على متن طائرات فخمة، وتبغددتم خلال رحلة هجرتكم على المضيفة السويسرية التي أحضرت لأطفالكم سجقا أبيض بدلا من السوشي الياباني!
صدقوني لن يفهموا معنى أن تمشي أنت وأسرتك وأطفالك عشرات الكيلومترات على سكة حديد كي لا تضيّع الطريق في بلاد تجهل كل ما فيها! وسيقولون لك إن رجلا يابانيا مشى أربعين ألف كيلو مترا في رحلة حول العالم على قدميه! وإن عجوزا يابانية هي الأخرى تسلقت قمة إفرست! فلماذا لم تتعلموا قوة الإرادة من اليابانيين مثلا!
لن يفهموا قلقكم أمام نظرات محتقرة من جندي فاشي من وراء شريط حدودي وأصبعه على الزناد! سيقولون لكم إن الجندي في بلدك أحن عليك، وإن الدم لن يصير ماءً، علما أن نسبة الماء في دم الإنسان العادي هي خمسة وثمانون بالمئة، والخطر الحقيقي هو أن يكون الجندي في بلدك بلا دم أصلا!
لن يفهموا خوفك من قطّاع طرق بأن يسرقوا مالك ويعتدوا على أسرتك، ولن يفهموا خوفك من تقلب أحوال الطقس، ومن أن خطورة أن تدخل في سهل تغرّز فيه ساقاك وتبتلعك الأوحال، كما حدث لعشرات الأسر الفلسطينية في ليلة ماطرة في مرج ابن عامر في عام النكبة، الرصاص من ورائهم والوحول من فوقهم ومن تحتهم والضباع حولهم تنتظر الوليمة!
لن يتفهموك وأنت تخجل من النظر في عيني زوجتك التي وعدتها بالطمأنينة على عرضها وعلى حياتها وحياة أولادها، وأنت تخشى أن يكون الدليل غادرا وابن حرام!.
سيقول لكم بعض العروبيين..ألا تخشون على أبنائكم أن ينسوا لغة القرآن الكريم! ورسالة الغفران، والمعلقات، ونهج البلاغة، والعقد الفريد، والمتنبي! هل نسيتم أننا نحن الذين أبدعنا أقدم الأبجديات المتكاملة التي عرفها البشر، واسألوا ألواح أوغاريث! يوم كان الجرمان يطهون آباءهم ثم يأكلونهم! فكيف فُتحت شهيتكم لطعامهم!
سيقولون لكم إن كل ما قيل عن جوع ونهب وسلب وغارات على المدنيين وعن اغتصاب وقطع رقاب بالسيف أو بالمنشار الكهربائي ودفن أحياء بالتراب أو بالخرسانة والسيارات المفخخة والقصف العشوائي والإعدام الميداني (حسب المزاج) والغازات السامة، والحصارات الطويلة، والسجون المكتظة بالأحياء والموتى والـ» بين بين»، وعمليات التطهير المذهبي، كله كذب، ولم يكن من هذا شيء!
مهما اجتهدتم، سوف يقصّر خيالكم عمّا يمكن أن تسمعوه… نعم وسوف تفاجأون بأقوام أذلاء أمام الأعداء أشداء عليكم… يسألونكم كما سألوا الفلسطينيين من قبلكم.. لماذا تركتم وطنكم أيها الخونة؟.

سهيل كيوان

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول nadia:

    اتهم الشيخ امين الحسيني بانه ساهم بتضخيم الدعاية ودب الرعب بقلوب السكان العزل في فلسطين بالاهوال التى تنتظرهم اذا هم بقوا في قراهم وبانه عمل لصالح هتلر بان ساعده بالتخلص من اليهود في المانيا وبولندا وارسالهم بالسفن الى فلسطين .. وهذا اسلوب اتبعته ايضا عصابات الصهاينة مثل الهجاناه وشتيرن ببث الرعب في قلوب الفلسطينين بعد ان هاجموا قرية دير ياسين وقاموا بتذبيح عائلات بما فيها النساء الحوامل والاطفال ليهرب الباقون من سكانها ويصفوا للاخرين ما حدث وتتكمل الماساة بنكسة 1967 والنزوح الكبير وها هي اسرائيل تقدم الاغراءات للسكان العرب واحيانا التضيق عليهم بان يتركوا ما تبقى من الضفة ليتسنى لهم جلب المستوطنيين فالضفة لا تتسع لشعبين . بعيدا عن التبريرات علينا ان لا نشجع على تفريغ سوريا من سكانها .الحقيقة ان الكثيرين يتمنوا الهجرة الى الغرب ارض الموعد التى تفيض لبنا وعسلا ماديا وليس هربا من الحرب بل اخذوا الحرب غطاء لهم .

  2. يقول االمهاجر الفقير:

    صدقت وأكثر
    اتمنى ان يأتي اليوم الذي يفهم فيه المتحاربون في سوريا بأن الاعداد الكبيرة للفارين تعني الرفض لكل مشروع لاتكون غايته العدالة والمساواة والمحاسبة للجميع وان مشاريعهم الشخصية والطائفية والقومية والعرقية كرهها الناس وفهمو أن من يدعو لهذه الافكار هم المستفيدون منها وكأن الناس تريد استبدال القمع بقمع من فكر اخر

  3. يقول عائد ـ ألمانيا:

    اخي سهيل انني أقرأ حزنا في كلامك.لا تيأس يا أخي انني والكثيرون من ابناء فلسطين الذين ولداو في الغربة ولم يروا فلسطين ابدا ، نفكر ونجهد انفسنا كل يوم كيف نعود. لاتقلق فحب العودة الى فلسطين لم يمت ابدا فينا . وانت تعرف جيدا كم العدو الصهيوني مدجج بكل انواع الاسلحة الفتاكة و آلة الدعم من كل اشرار الارض تقف معه.لكن حب العودة سيبقى فينا وسنجد يوما طريق لحقنا و عودتنا وسيدفع الغزاة ثمنا باهظا يفوق تصوراتهم والايام القادمة ستكون خير دليل.و انت تعرف اننا تعرف اننا نعيش في عالم مجرم يحكمه قانون الوحوش .مع هذه المسماة بالبشرية لايجدي سوى القتال والقتل

  4. يقول الطلطلي الكريزي العربي:

    الكلام صحيح إن من يغادر وطنه ويتركها للطغاات وقادر على البقاء فهو خائن

  5. يقول dumani:

    بارك الله فيك أيها الكاتب العملاق العروبي حتى النخاع وليخسأ المجرمون والابواق المنحبكجية الذين فقدوا الدم والنخوة في عروقهم.حسبنا الله ونعم الوكيل

  6. يقول د. راشد:

    الاخ سهيل كيوان
    جريمة بشار بن حافظ في تهجير الشعب السوري المسلم وتدمير مدنه و قتل مئات الآلاف منه
    موثقة بالصوت والصورة ووثقها العالم كله حتى غرقهم في عرض البحار موثق بالصور

  7. يقول Samaher:

    بوركت الكاتب سهيل ..ودمت وحرفك نبراسا عاليا تستهل بك كل النفوس ..مقال رائع يحمل في طياته صدى عميق .. ..ليتهم حقا يدركون قبل الهجره بأن ارض الوطن حقا ان لم تُملأ بأهلها وسكانها الذين وإن غادروها لحظيا، كانوا سيعودون لها يوما ستملأ بالغرباء المستوطنين الذين سيملؤون هذه الفراغات التي تركت للأبد، هجرة أو شهادة.وستضحي بعدهم أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض؛ ..عسى ان يطرق اذانهم هذا الصدى لتتنحى عنهم لومة لائم ..ولومة انفسهم حقا قبل ان تأتي لحظة هم فيها غافلون فيسألون …!!! بأي ذنب كفرنا بك لنخونك بالهجر يا وطن ..!!

  8. يقول بت مكى:

    كفيت و وفيت، لقد انتبهت ايها الكاتب الفذ الى امر فى غاية الاهمية نسيه الضحية و المتفرجون على شاشات التلفاز، و كانهم يرون فيلم تراجيدى باخراج هندى. يجب الا ننسى كلنا ما دفع هولاء للخروج. و سبحان الله لقد بدأ القوم باسألتهم الساذجة منذ الان، فاستعدوا ايها الضحايا لظلم اتى.

  9. يقول عمار الحداد العراق:

    اشهد لك ان اكثر الذي قلته صحيح و واقع حقيقي قد مر به المغتربون
    للكن …….
    مادمت انك موقن بان لم تعمل بتكليفك الشرعي تجاه الدين
    وحفظ العرض والمال فلا تبالي
    يا اخي العزيز بما يقول المغفلون
    الله امرنا بلهجره ان لم تصتطيع ان تحفظ دينك ….
    الامر بامعروف والنهي عن المنكر …وما اكثر المنكر في بلاد العرب
    وشكرا
    لعدم وجد الوقت الكافي للرد فاني في العمل الان

  10. يقول حي يقظان:

    ليس ثمة فقط الانتهازيون والخطباء المفوَّهون الذين سيأتون إلى المهاجرين السوريين ويسألونهم لماذا لم يصمدوا مثل أولئك المحاصرين في فيتنام وستالينغراد وقلعة سيباستيبول، ويسألونهم، علاوةً على ذلك، لماذا لم يبقوا في بلادهم لإصلاحها من الداخل! بل ثمة كذلك شعراء «عالميون»

1 2 3

إشترك في قائمتنا البريدية