لماذا يزج النظام بالقوات الأجنبية التابعة له في معارك ريف حلب الشمالي؟

حجم الخط
3

ريف حلب ـ «القدس العربي» بدءاً من معارك فرع المخابرات الجوية وضهرة عبد ربه بالقرب من حي جمعية الزهراء في حلب، مروراً بمعارك حندرات والملاح والجندول، ووصولاً إلى معارك حردتنين ورتيان وباشكوي، يستخدم النظام السوري في أغلب الأوقات جنوداً قادمين من خارج سوريا، معظمهم من لبنان والعراق وإيران، وبعض منهم من أفغانستان أو غيرها من الدول متعددة المذاهب.
في المناطق الشمالية من ريف حلب الملتهب، تشتد المعارك بين مقاتلين تم تحشيدهم طائفياً، أو إغرائهم برواتب عالية تقودهم في غالب الأحيان إلى الموت، وبين مقاتلي شوارع من الجيش الحر غير مدربين سابقاً، إلا أن امتداد القتال لسنوات عدة في سوريا جعل منهم مقاتلين متمرسين بالنسبة لما بين أيديهم من عتاد وسلاح، ولساعات التدريب التي حصلوا عليها والتي تكاد تكون معدومة.
لقد جرب النظام السوري في بدايات الثورة السورية وعند ظهور الفصائل المدنية المقاتلة إرسال قواته غير المدربة إلى تلك المناطق، حيث مني هناك بخسارات فادحة على الدوام، إذ كان يخسر النظام المئات في مقاتليه الذين لم يخوضوا حرباً من قبل، عند كل اقتحام كان ينفذه لإحدى بلدات ريف حلب الشمالي، الأمر الذي جعله يشعر أن عناصره ومقاتليه لن يكونوا على مقدرة جيدة للمواجهة مع من يدافع عن أرضه بشراسة، ولا يخشى الموت في سبيل ذلك، بينما يقاتل جنود الجيش النظامي وهم يخضعون لشعور الخوف وأحياناً الذنب ما يجعلهم في موقف يفتقد إلى الشجاعة، كما يفتقد إلى الإيمان لما يقاتلون من أجله.
لم يكن أمام النظام السوري في هذه الحالة التي فهمها جيداً إلا أن يعتمد على وسائل الإقناع الطائفية، ليشعر الشيعة السوريين أولاً ومن بعدهم الشيعة العرب وحتى الأجانب، أن النزاع هو نزاع ديني، نزاع موت أوحياة، فلا بد من بقاء طائفة واحدة تسيطر على الموقف وليس للموضوع حلول وسط أبداً، بل إنه يحتاج الحسم بالشراسة للوصول إلى ذلك.
آلاف من المقاتلين الشيعة دخلوا مستنقع ريف حلب الشمالي خلال العامين الفائتين إلى جانب قوات النظام، إلا أن المعارك الأخيرة، ومنذ خمسة شهور وحتى اللحظة، لم يشارك فيها جنود يتبعون للجيش النظامي أبداً، وليس السبب افتقاد هذا الجيش للعناصر رغم قلتهم ومقتل وانشقاق عشرات الآلاف منهم، إلا أنه يرسل «الشيعة» فقط لما يعرفه عن إيمانهم بأن قتل السني واجب بل قد يدخل القاتل الجنة، وأن هذا هو جهادهم الحقيقي، فالنظام أرادها حرب إبادة ضد الأهالي في هذه المناطق الثائرة، والتي أذاقته مرارة الهزيمة مراراً، ولا يبحث فقط عن انتصار أو سيطرة، بل رغبته الجامحة بالثأر وقتل كل من ثار ضده وقلب الموازين في محافظة حلب التي كان يعتبرها أحد الكيانات المؤيدة له، ولم يتوقع في البدايات أن يثور أهلها ضده.
وعلى الرغم من كل ما سبق فإن الفصائل متعددة الجنسيات التي تقاتل في الشمال السوري، تتلقى الكثير من الهزائم والخسائر البشرية في المعارك، ومع أنها حققت تقدماً مرحلياً على الأرض خلال الشهور الخمسة الماضية، إلا أن هذا التقدم لم يكن يتناسب مع ما قدمته من أثمان.
ما يجعل الأمر غريباً هو اختلاف تعامل الميليشيات الشيعية مع الأهالي من منطقة إلى أخرى، لدى اقتحامهم بعض قرى الشمال الحلبي، حيث شهدت بلدة سيفات منذ شهور مذابح ومجازر بحق الأهالي، كما شهدت عمليات اغتصاب للنساء والفتيات وإهانات واعتقالات للرجال، بينما لم تسجل هذه الانتهاكات في محاولة الاقتحام الأخيرة في رتيان مثلاً، ورغم أن بعض إعلاميي ريف حلب الشمالي روج لمذابح قد حدثت، إلا أن الحقيقة التي نقلها لنا ناشطون مقربون من أهالي البلدة، أن الانتهاكات التي جرت لا تكاد تذكر في «رتيان» بل حتى الاعتقالات للرجال كانت لساعات فقط للتأكد أنهم ليسوا مقاتلين في الجيش الحر، وبعدها تم الإفراج عنهم، فيما لم يسجل أي اعتداء على النساء.
الإعلامي سامي أبو محمد، تحدث لنا عن أسباب اختلاف التعامل بين قرية وأخرى لدى نجاح الاقتحامات وقال «لم ترتكب قوات النظام أية انتهاكات في رتيان أو حردتنين، بل تم اعتقال بعض الأشخاص لساعات ومن ثم الإفراج عنهم، وأعتقد أن هنالك أسباباً متعددة لذلك الأمر، أولها أنهم لم يمتلكوا الوقت الكافي للقيام بالانتهاكات، فقد شن الثوار هجوماً مضاداً بعد التوغل من قبل الميليشيات بساعات قليلة، ومن الممكن أنه لو توفر الوقت لديهم لقاموا بمختلف الفظائع التي قاموا بها في سيفات».
ويضيف: «هنالك أمر آخر، فقوات النظام بحلب وخاصة أجهزته الأمنية كفـــرع المخـــابرات الجـــوية الذي يشــرف على المعارك ويعتبر غرفة عمليات النظام بحلب، تدرك تماماً من هي القرى والبلدات التي ثارت في البداية وتعرف من عدوها الحقيقي الذي ترغب بالثأر منه، أعتقد أن هنالك تعليمات لهذه الميليشيات بخصوص كل قرية على حده».
يعتقد سامي أن قيادات النظام بحلب ترى في بلدات «عندان، حيان، حريتان، مارع» أعداءها الحقيقيين والذين كانوا سبب الحراك الثوري في محافظة حلب منذ بداياته الأولى، ويرى أن ارتكاب الفظائع في سيفات كان سببه أن معظم السكان هناك هم من أهالي «حيان» النازحين، ولهذا قام عناصر الفصائل الشيعية بما قاموا به، بينما يجد أن القرى التي توغلت فيها هذه الفصائل يوم أمس ليست ذات فاعلية في الحراك المسلح، كما غيرها ولهذا كان التعامل مع الأهالي فيها أقل عنفاً.
ما حدث في ريف حلب الشمالي من معارك مؤخراً أثبت أن صاحب الأرض رغم ضعف إمكاناته العسكرية هو الأقوى، وما حدث يشبه فشل قوات الجيش الحر في اقتحام بلدتي «نبل، الزهراء» المواليتين للنظام مراراً، فمن يمتلك الأرض ويقيم بها وتحتضن بدورها عائلته وأفراد أسرته من الطبيعي أن يقاتل حتى آخر لحظة، ليثبت أن دافع الحياة والأرض أكبر وأقوى من الدافع الطائفي المضاد.

محمد اقبال بلو

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الطالب رشيد المغرب:

    نتأسف لهذا الحال مهما يكن فالأطراف كلها مسلمة توحدها الشهاداتان …..أشعر بالمرارة كلما قرأت عن الوضع السوري نتمنلى حسما قريبا للجيش الحر لعل و عسى يتوقف شلال الدم و الأحقاد

  2. يقول نمر ياسين حريري:

    بشار الاسد يلعب ورقة ستعكس عليه سلبا :
    ــ فالرض في ارضه ووطنه يرى غريبا قادما لمحاربته سيعتبر ذلك غزوا وتحد للكرامة الوطنية .
    ــ ان تحريك بشار للطائفية ليخلق الحافز عند شيعة لبان المقاتلة والتي هي مدربة تدريبا جيدا ولكن بالمقابل سيرفع شعور العداء المذهبي لهؤلاء الغرباء وسيفتح اهالي المنطقة صفحات التاريخ معهم وستكبر قيمة الفقيه ابن تيمية عندهم وسيرتفع مستوى قتالهم الى القداسة والدفاع عن الدين .
    ــهناك قرى شيعية في ضواحى حلب لم يسب ادنى حساب لغدها في هذ

  3. يقول الكروي داود النرويج:

    روى الشيخان عن أبي موسى رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله ليملي للظـالم ، فإذا أخـذه لم يفلته ) ثم قـرأ: ( وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد ) (سورة هود آية 102 .

    الشعب ثار على الظلم لكن الظالم أبى الا القتل والحرق والتدمير

    ولا حول ولا قوة الا بالله

إشترك في قائمتنا البريدية