لهذا السبب أراقوا دماءهم

حجم الخط
9

تعتبر مسيرات العودة التي قام بها المحاصرون في قطاع غزة من أخطر وأرقى أنواع النضال الذي تواجهه قوات الاحتلال. ولهذا يأتي ما قامت به قوات الاحتلال الإسرائيلي من قنص وقتل للناس العُزّل بشكل مقصود، بهدف إحداث صدمة وحالة رد فعل شعبية ناقمة على منظمي المسيرات، مثل ترديد أسطوانة جلوسهم في الفنادق المكيّفة، بينما هم يرسلون أبناء الآخرين إلى الموت، ذلك أن عدم سقوط ضحايا يعتبر نجاحاً لمنظمي المسيرات، ويعني استئناف النضال السياسي السّلمي اللافت لأنظار العالم بهذه الأعداد الهائلة، والذي يعيد الأمور إلى نصابها الصحيح، وهو أمر ترفضه ورفضته إسرائيل دائماً، لأن النضال السلمي لا يتفق مع حشد الطاقات الهائلة المبذولة إسرائيليا وعربياً وأمريكياً، لشيطنة الحركات المقاومة، الرّافضة للاحتلال والصفقات، ولهذا يجب إراقة الدماء، بهدف عدم السماح للضحايا بأن يناضلوا سياسياً، فهم مسلحون ومجرمون يجب قتلهم، حتى وإن كانوا عراة.
هي سياسة تبرّر الجرائم المرتكبة والتي سترتكب في المستقبل، فمسيرة يوم العودة السّلمية التي يعد لها الفلسطينيون في ذكرى النكبة، والتي تعيد الحقيقة واضحة، وهي احتلال كولونيالي مجرم، طَرد وما زال يطرد شعباً من أرضه، وهذا لا يتفق مع رؤية الحسم العسكري للصراع المائل جدًا لصالح إسرائيل.
العدوان على العُزّل في منطقة تسيطر عليها حركة حماس ينسجم تمامًا مع حملة شيطنة الإسلام السياسي التي يقودها الآن محمد بن سلمان، وتتناغم جدًا مع مقولات السيسي الذي أعاد لأيام الـ 99% من الأصوات مجدها، وتتناغم مع كل أولئك الذين باتوا يعلقون فشلهم في النمو الاقتصادي وإدارة بلدانهم، وحتى في مغامراتهم العاطفية على الإسلام السياسي، علما أن السعودية وآلها، هم مخترعو «تنظيم الدولة» (داعش)، والقاعدة، والمجاهدين الأفغان، وكانوا في يوم ما داعمين لحماس، وللإخوان، ولا نعلم أي مفاجآت «جهادية» يخبئون لأمتنا، فقد نصحو يوماً على نداء للجهاد ضد البيزنطيين. فالمهم أن يبقى الاحتلال الإسرائيلي يهوّد الأرض على مهله وبدون ضغوطات، وتبقى الأنظمة راكبة شعوبها إلى يوم الدين، بمباركة أمريكية إسرائيلية علنية أو سرية.
إلا أن الأنظمة شيء والشعوب العربية والإسلامية شيء آخر، فالشعوب ترى في قضية فلسطين قضية مقترنة بالعقيدة ،وخصوصًا ما يتعلق بالقدس والمسجد الأقصى المذكور في القرآن الكريم، والحديث القدسي الشريف عن أهل بيت المقدس وأكناف بيت المقدس. بهذا تتفق كل الشعوب العربية والإسلامية، بما في ذلك شعب بلاد الحجاز والإمارات، فهم مثل بقية الشعوب العربية والإسلامية من المغرب العربي إلى مشرقه، ومن العرب المسلمين، إلى المسلمين من غير العرب، فالشعوب لم تكن ولن تكون بأي حال مع الظلم التاريخي المستمر الذي يكتوي به الشعب الفلسطيني، وما سياسات الحكّام سوى أهواء متقلبة، حسب متطلبات استمرار الحكم، ورغبة السيد الأمريكي وشريكه الإسرائيلي.
الشعوب العربية ترى بفلسطين قطعة من الوطن والتاريخ تواجه خطر الضياع كما حدث للأندلس، ولكن الفرق كبير وجوهري، فالأندلس لم تذكر في القرآن الكريم، والشعوب الأصلية في الأندلس، لم تكن عربية، كما هو حال فلسطين التي يقيم العرب فيها منذ ألوف السنين، وفلسطين جزء من بلاد الشام وجغرافية الوطن العربي منذ عشرات القرون، وهي عربية قبل الإسلام، وقبل المسيحية، وقبل اليهودية، وعندما جاء الإسلام عمّق عروبتها ولم يُلغها. وهذا ينطبق على مصر، كما هو على بلاد الشام، وعلى بقية البلدان العربية، التي عاشت فيها قبائل عربية، قبل الإسلام ثم تشكلت كشعوب فيما بعد.
جريمة هؤلاء العُزّل، أنهم دائماً يوجّهون البوصلة إلى العنوان الصحيح، إلى من يحاصرهم ويتحكّم بمياههم وبالمواد الأساسية لحياتهم، والذي يحرمهم من العمل، ومن التواصل مع العالم الخارجي، وهو الاحتلال الإسرائيلي، ومعه أنظمة عربية يقف على رأسها اليوم، ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. يريدون من الضحايا أن يوجّهوا غضبهم إلى إخوانهم، وخلق المزيد من التشرذم، والاقتتال الداخلي، وإلا فعقابهم الحصار الطويل، والتجويع والحرمان من العمل والغذاء والعلاج، ومن المساعدات الإنسانية.
إلا أن هناك ما يتجاهلونه بغباء، وهو الشعوب العربية والإسلامية، التي لا تترك فرصة إلا وتعبر عن محبتها وتضامنها مع الفلسطينيين، هذه الشعوب لم تقل كلمتها الأخيرة بعد، ولتفعل الأنظمة ما تشاء، فلتنجح بانتخابات ديمقراطية جداً بـ 98.7% من الأصوات، ولتسمح للناس بسماع الموسيقى أو لا تسمح، ولتقمع الشعوب تارة باسم التشدد بالدين وتارة باسم التسامح والانفتاح، ولتستدع القوى الأجنبية لمناصرتها على شعوبها كما تشاء، إلا أن انتفاضات العرب التي بدأت في تونس عام 2011، لم تكن سوى المقدمة والتدريبات لما هو آت، وهو عظيم بلا ريب، والشعوب العربية والإسلامية لم تقل كلمتها الأخيرة بعد.
أخيراً، وللتذكير، عندما يعلن ستة من قادة الشاباك – جهاز الأمن العام – السابقين، في بيان مشترك، إن بيبي نتنياهو بات خطراً على أمن إسرائيل فعلى المتمسكين بأردانه والمنهرقين للتحالف معه أن ينتبهوا، بأن هذا التصريح لم يأت من عبث ولا من فراغ، فهؤلاء يعرفون أيضاً أن القضية الفلسطينية لا ُتحلُّ بطريقة الضربة القاضية، ولا بالفذلكات والرقص على الحبال، ولا بالوشوشات السريّة والمؤامرات، لأن هناك شعوباً لم تمت بعد، ولن تموت، وهذا جانب واحد للاستنتاج الشاباكي حول خطورة نتنياهو، ويحتاج إلى مقالة تفصيلية أخرى، في فرصة لاحقة.
كاتب فلسطيني

لهذا السبب أراقوا دماءهم

سهيل كيوان

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود:

    وحدها الإنتفاضة من توحد الفلسطينيين
    أما المقاومة فمتنوعة الأشكال!
    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول ختام قيس:

    صباح الخير
    سأبدأ من الجملة الاخيرة التي تحمل بين طياتها الكثير ألل وهي ان هناك شعبا لم يمت …
    اعتقد ان النكبة والنكسة وجميع المسميات التي ارادت ان تبيد شعبا فشلت لا بل على العكس طورت اليات صراع ومقاومة جديدة يمكن ،نظمت الجماهير في تنظيمات مثقفة واعية لمن يحدث من حولها ولكن بالطرف المقابل لدينا جماهير استسلمت للواقع ورضخت للحالة السياسية المعقدة واتخذت المضي قدما دون ان تعي للامر اهمية …فالازمة اية كانت اما تصنع حركا ناريا واما تجمد عقولا بشرية.
    لكن مهما حدث الشعوب لا تموت
    نهار جديد

  3. يقول رسيله:

    صباحك سكر استاذ سهيل
    مقالتك غاية في الابداع تمس الجروح النازفة بيراعك فتمطر أملا بأمل آت ، هبة اهل غزه جاءت لتقول للعالم كله أنسيتم ان فلسطين لنا وان مفاتيح عودتنا ما زالت مخبأة في جيوبنا وسنعود إلى حيث هجرنا وشردنا سنرجع الى يافا وعكا وحيفا وتل الزعتر وخبيزه وام الزينات ….. لقد طاردنا بوليسكم السري في كل مكان فسرق رغيفنا واغتصب مصدر عيشنا واجهض امالنا وقتل فينا الشعور بالأمن والأمان،حتى ملجأنا الديني وملاذنا الذي كنا نعلق آمالنا عليه قررتم حذف مكانته وإنهاء صلاحية رسالاته السماوية بأمر من السياف قاطع الرؤوس وسيتم اتخاذه عاصمة لهم ، وهذا بتآمر دولي عربي اسلامي شيطاني واضح وضوح الشمس في كبد السماء كما أشرت كاتبنا ، فلم يبقى أمامنا بعد ان نزفنا قهرا وحرمانا وألما وبعد ان سقطت كل الأقنعة التي إرتداها الممثلون على المسرح الا ان نقدم أرواحنا فداء للعودة والحرية.

    الكبير محمود درويش يقول سقط القناع.. عن القناع.. عن القناع..
    سقط القناع ..
    لا إخوة لك يا أخي،,,لاأصدقاء !
    يا صديقي،,,لا قلاع !
    لا الماء عندك،لا الدواء , لا السماء, ولا الدماء ..
    ولا الشراع ولاالأمام ولا الوراء..
    حاصر حصارك .. .لا مفرُّ !
    سقطت ذراعك فالتقطها !
    واضرِبْ عدوك..لا مفر ..
    وسَقَطْتُ قربك،فالتقطني !
    واضرب عدوك بي،فأنت الآن :
    حرٌّ
    حرٌّ
    وحرُّ
    سلم فكرك كاتبنا الذي يعري حقائقنا ويفصل عنها شوائبها لتبدو جلية واضحة لكل باحث عنها ، فانت بوصلتنا حين تثور الأمواج ويهيج البحر وتضيع السبل أيها الثوري المتحضر .

  4. يقول رسيله:

    صباحك سكر استاذ سهيل
    مقالتك غاية في الابداع تمس الجروح النازفة بيراعك فتمطر أملا بأمل آت ، هبة اهل غزه جاءت لتقول للعالم كله أنسيتم ان فلسطين لنا وان مفاتيح عودتنا ما زالت مخبأة في جيوبنا وسنعود إلى حيث هجرنا وشردنا سنرجع الى يافا وعكا وحيفا وخبيزه وام الزينات ….. لقد طاردنا بوليسكم السري في كل مكان فسرق رغيفنا واغتصب مصدر عيشنا واجهض امالنا وقتل فينا الشعور بالأمن والأمان،حتى ملجأنا الديني وملاذنا الذي كنا نعلق آمالنا عليه قررتم حذف مكانته وإنهاء صلاحية رسالاته السماوية بأمر من السياف قاطع الرؤوس وسيتم اتخاذه عاصمة لهم ، وهذا بتآمر دولي عربي اسلامي شيطاني واضح وضوح الشمس في كبد السماء كما أشرت كاتبنا ، فلم يبقى أمامنا بعد ان نزفنا قهرا وحرمانا وألما وبعد ان سقطت كل الأقنعة التي إرتداها الممثلون على المسرح الا ان نقدم أرواحنا فداء للعودة والحرية.

    الكبير محمود درويش يقول سقط القناع.. عن القناع.. عن القناع..
    سقط القناع ..
    لا إخوة لك يا أخي،,,لاأصدقاء !
    يا صديقي،,,لا قلاع !
    لا الماء عندك،لا الدواء , لا السماء, ولا الدماء ..
    ولا الشراع ولاالأمام ولا الوراء..
    حاصر حصارك .. .لا مفرُّ !
    سقطت ذراعك فالتقطها !
    واضرِبْ عدوك..لا مفر ..
    وسَقَطْتُ قربك،فالتقطني !
    واضرب عدوك بي،فأنت الآن :
    حرٌّ
    حرٌّ
    وحرُّ
    سلم فكرك كاتبنا الذي يعري حقائقنا ويفصل عنها شوائبها لتبدو جلية واضحة لكل باحث عنها ، فانت بوصلتنا حين تثور الأمواج ويهيج البحر وتضيع السبل أيها الثوري المتحضر .

  5. يقول زاهي منصور فلسطين:

    احييك على المقال
    الشعب الفلسطيني يبدع في اساليب نضاله ويحرج المحتل مقالك رائع ومبدع كعادتك يعطيك الف عافيه استاذ سهيل

  6. يقول ابن الجاحظ:

    ” أن انتفاضات العرب التي بدأت في تونس عام 2011، لم تكن سوى المقدمة والتدريبات لما هو آت، وهو عظيم بلا ريب، والشعوب العربية والإسلامية لم تقل كلمتها الأخيرة بعد. ” حقيقة لا غبار عليها….
    ” أخيراً، وللتذكير، عندما يعلن ستة من قادة الشاباك – جهاز الأمن العام – السابقين، في بيان مشترك، إن بيبي نتنياهو بات خطراً على أمن إسرائيل ” حقيقة أخرى لا غبار عليها…..

  7. يقول خليل ابورزق:

    بدأت اول هجرة واسعة لليهود الى فلسطين في عام 1883 و احتج الاهالي ضدها و انشأ اليهود ثلاث مستوطنات على نهر الزرقاء و جبال السلط في 1890 احرقها الاهالي و طاردوهم الى طبريا.
    في هذه الفترة من 1883 الى 2018 سقطت امبراطوريات و ظهرت امبراطوريات اخرى. بل ان معظم دول العالم اليوم لم تكن موجودة من قرن او نصف قرن. و تغيرت حدود و اختفت شعوب و تكونت امم أخرى. و لكن القضية الفلسطينية وحدها التي بقيت حية طول هذه المدة على الرغم من قوة العدو و تآمر اعتى القوة ضد هذا الشعب الصغير الضعيف. السر هو المقاومة. المقاومة التي تبقي الحق قائما. و تجبر الاخ و الصديق و حتى العدو اعتبار الحق و الاختيار بين الاصطفاف مع الحق و العدل و الشرف او مع المصلحة اللاخلاقية القذرة.. وكأنها الصراع الابدي بين الخير و الشر

  8. يقول سامح //الأردن:

    *نصر الله أهلنا في (غزة)
    وعموم (فلسطين ).
    حسبنا الله ونعم الوكيل
    في كل حاكم منبطح مستسلم
    للصهاينة المجرمين.
    سلام

  9. يقول عفاف وتد جت:

    الشعوب لا ولن تموت …
    لا شيء يمكنه محو شعب كامل أو ازالته ومن يظن ذلك فهو غبي
    ذكرتني بتعليق من احد المواطنين في غزة حيث توجه الى محمد بن سليمان وقال له:
    لا مشكلة خذ اليهود عندك واسكنهم واعطيهم مكانا عندكم انتا وارضك اولى فيهم ما دمت تؤمن بحقهم … هذا الراعي …
    كل شيء مخطط له كما ذكرت
    كل شيء له أسباب انا واثقة
    لكنا نؤمن برب اقوى واعظم
    ولن نيأس يوما من قصاصه
    رحم الله الشهداء وغفر لنا تقصيرنا
    شكرا لك لأنك أنت
    لانك صادق ولا يخط يراعك الا الصدق والحقيقة دون مكياج او مجاملات وهذا ما يميزك
    دمت لنا كاتبنا الرائع

إشترك في قائمتنا البريدية