بيروت – «القدس العربي»: استراحت كاميرا المخرج والكاتب لوسيان بورجيلي من عناء التنقل بين مواقع تصوير كثيرة ومتنوعة بين خارجي وداخلي. وحطت عدسته على طاولة «غداء العيد» الغنية بأطايب المأكولات اللبنانية، وبأفكار وآراء الجالسين حولها وحضورهم المرح أو الجدي، أو النكد المخفي، أو المراهق المشاكس.
طاولة جمعت تناقضات وتآلفات وتناحرات، وصولاً للحظة حاسمة وغير متوقعة، قالت بأن ناراً تكمن بشكل طبيعي تحت رماد كل طاولة غداء أو عشاء. ليس لأي بيئة تضم أقارب وأصهارا وأبناء أن تتناغم كلياً، وفي أي مكان من العالم. السبب المباشر الذي فجر ذاك اللقاء العائلي الجميل ترك خلفه سؤالاً كبيراً؟ ما هو دور الاثر السياسي والمالي الذي يكمن وراءه؟ وهل لـ «هفوة نسيان» أن تفجر عائلة كانت تتحابب قبل لحظات؟ هل نحن كمجتمع واقعون تحت رحمة الزهايمر؟
وفي سياق السيرة الذاتية لـ «غداء العيد، فهو اجتماع عائلي تقليدي ضم مختلف الأجيال بضيافة ربة المنزل جوزفين وزوجها البشوش على غداء عيد الفصح. مقبلات، وأطباق تُضاف إلى الطاولة بمساعدة عاملة أثيوبية، والجميع يأكل ببشاشة وكاسات النبيذ تتضارب بصحة الجميع ودوام سعادتهم. يتبادلون أطراف الحديث الذي يشبه تماماً المجتمع اللبناني، سواء كان من طيف طائفي وسياسي واحد، أو متنوع. وإلى هذا الاجتماع العائلي الرحب تدخل لأول مرة ليلى صديقة الإبن سيرج، فتحل على الرحب والسعة.
هو «غداء» طبيعي لا تكلف فيه تتنقل أحاديث المشاركين فيه بين سيرة الماء والكهرباء والإنتخابات المقبلة على اللبنانيين في أيار مايو. مروراً بمواقف متناثرة عن حرية الفرد والمجتمع. ودبي الحاضرة على الدوام في حياة العائلة اللبنانية، مضافاً إليها البحث عن الأمان والكرامة بعد الفوز بتأشيرة هجرة إلى كندا، «ليش هالبلد بينعاش في»؟ جوزفين المرأة المضيافة مستاءة من «الأبونا جورج ولووو قال.. الموارنة أصل المسيحية»؟ يفتح «غداء العيد» على مسار إنساني بامتياز من خلال العلاقات الأسرية، ويشير إلى عادات وتقاليد العائلات في الأعياد.
أهمية دور ربة الأسرة التي مثلتها «جوزفين» في جمع العائلة ولم شملها في المناسبات، وغير ذلك. لكنه في الوقت نفسه قدّم صورة مصغرة عن لبنان بعد الحرب الأهلية. لبنان بعد العدوان الإسرائيلي سنة 2006. وربما كذلك بعض الصور عن لبنان آخر اخترعته مجموعة من الشباب المنفتح في مرحلة لاحقة. أما العنصرية على مستويات لبنانية لبنانية فأثرها ظاهر. وعلى مستوى الاخر من أصحاب البشرة المختلفة فعنه حدث ولا حرج.
في التجربة الأولى، التي خاضها لوسيان بورجيلي حقق تميزاً على أكثر من صعيد. إنها حركة الكاميرا المحمولة الرشيقة. تلك الكاميرا التي دخلت بيت خلاء مهمل ومعطل اضطرت شخصية من الفيلم لإستعماله. هذا الحمّام بحد ذاته استغرق حيزاً من مسار الفيلم. ربما لمزيد من التأكيد أننا بمواجهة سينما الواقع.
كذلك سجل بورجيلي في خانته الخاصة أنه ابتكر حوارات، جالت من المحلي إلى العربي والعالمي والشخصي، كاسرة كافة محاولات الملل بالتسلسل، وعلى مدى ساعة ونصف. وله يُحسب أيضاً قدرته المطلقة على إدماج كافة ابطال الفيلم في تنافر أو تآلف، وضمن إيقاعات مدوزنة تماماً.
«غداء العيد» في عرضه الخاص الأول في سينما متروبوليس – صوفيل كان ختام مهرجان السينما الأوروبية في دورته الـ24. قدمت الفيلم رانيا مروة معلنة أهميته لجهة شخصياته غير المحترفة، والتي لم تعرف الكاميرا من قبل. وعرّفت بلوسيان بورجيلي المعروف كمسرحي، وله افلاماً قصيرة عدّة، وناشط في الحراك المدني.
بدوره شكر بورجيلي الحضور لمشاركته العرض الأول لفيلمه الروائي الأول في لبنان. لكن لبورجيلي طريق غير سالكة تماماً مع مكتب الرقابة على المواد الفنية في لبنان، إذ أن مسرحيتين من كتابته لم تنالا رخصة العرض. ولهذا سجل غياباً طال. كما وأن الفرحة بـ»غداء العيد» غير مكتملة. فالفيلم «مقطوش» يحسب لوسيان. ليس هذا وحسب بل أن «الرقابة منعت الإشارة لقطشه، فقط هنا سنقول ذلك»؟ وبدورنا نؤكد على السرية، فلن يعرف بذلك المشاهدون الذين سيقصدون الصالات اللبنانية بدءاً من مطلع آذار/ مارس المقبل.