الناصرة – «القدس العربي» : لليوم الثاني على التوالي تثير إدانة المحكمة العسكرية لجندي الاحتلال الإسرائيلي ليؤر أزاريا بالقتل العمد للشاب الفلسطيني عبد الفتاح الشريف ضجة واسعة ومحاولات استثمار سياسي وكسب نقاط وسط عمليات تراشق بين مؤيد معارض للمحاكمة طالت الوزراء أيضا. وانضم رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو لعشرات الوزراء والنواب الداعين للعفو عن أزاريا دون أن يبدي أي دعم للمحكمة وللقضاة ممن تعرضوا التحريض للقتل بالإعلام ومنتديات التواصل الاجتماعي. وبعد ساعات من قرار إدانة أزاريا طالب نتنياهو بمنحه العفو قبل النطق بالحكم، مستجيبا لمطالب المطالبين بإطلاق سراحه، ومتجاهلا هتافاتهم الشرسة التي كانت تدعو لقتل رئيس أركان الجيش غادي إزينكوت وتصفية القاضية في المحكمة العسكرية.
تراشق وزاري
والى جانب الحملة الشعبية الواسعة في منتديات التواصل الاجتماعي من أجل الإفراج عن أزاريا والدعوة لاغتيال القضاة استغلت الأحزاب الإسرائيلية هذه القضية لتسجيل النقاط ،مما تسبب بتراشق بين عدة سياسيين بين من يدعو لضبط النفس والنظر لمصلحة الجيش وإسرائيل وصورتهما في العالم وبين من سارع للدعوة للعفو عن الجندي القاتل فور إدانته بالقتل غير العمد. وبلغ التراشق ذروته بالاتهامات المتبادلة بين وزير التعليم رئيس حزب «البيت اليهودي نفتالي بينيت وبين وزير الأمن أفيغدور ليبرمان. وبخلاف مواقف سابقة يوم كان في المعارضة وأعرب فيها عن تأييده المطلق للجندي القاتل دعا ليبرمان أمس للتريث وهاجم الوزير بينيت الذي دعاه لاستغلال صلاحياته كوزير أمن للعفو عن أزاريا. وقال ليبرمان لإذاعة الجيش أمس إنه يتوقع من الوزراء ضبط النفس أو السكوت وتمكين الجهاز الأمني معالجة المسألة بهدوء ومسؤولية وبرجاحة عقل، ملمحا بذلك الى ضرورة اختيار الطريقة والتوقيت لضمان عدم دخول الجندي القاتل للسجن. وتابع «اعتقد أنه يجدر بوزير التعليم أن يعرف على الأقل القراءة والكتابة ويفهم نص القانون الواضح بهذا الخصوص وكافة التصريحات المؤيدة لأزاريا هي شعارات تهدف خدمة مطلقيها لا خدمة مصلحة الجندي. لكل منا رأي في موضوع المحكمة ولا أحد منا يريد الهرب من الواقع لكننا ملزمون قبول قرار القضاة».
وردّ نفتالي على قدح ليبرمان بالمثل فقال للإذاعة ذاتها أمس إنه في مواضيع قتالية تتعلق بساحات الوغى لا يقبل بنصائح من ليبرمان. وتابع « سمعت أن ليبرمان طلب إرسالي لتعلم القراءة والكتابة وأنا اقترح عليه أن يبدأ تعلم العدّ، حتى 48 ساعة على سبيل المثال».
وأثارت هذه القضية جدلا واسعا بين أوساط المحللين الإسرائيليين اصطف كثيرون منهم لجانب الجيش مؤيدين محاكمة وإدانة الجندي بالقتل غير العمد. وفي صحيفة «هآرتس» حمل معلقها السياسي براك رفيد، على نتنياهو وقال إن اعتباراته وحساباته كلها انتخابية وشعبوية. ويشير رفيد إلى أنه مر أكثر من خمس ساعات منذ لحظة إدانة الجندي وحتى نشر بيان رئيس الحكومة، قبل دقائق معدودة من موعد النشرات الإخبارية المركزية في القنوات التلفزيونية. وكان بيانه، بحسب رفيد، عبارة عن حلقة أخرى من سلسلة التحلل من أي صفة رسمية أساسية اتبعها نتنياهو منذ بداية القضية، وهي استمرار مباشر لعملية المراوغة المنتهجة من قبله، منذ المكالمة الهاتفية السخيفة التي أجراها مع والد الجندي، والتصريحات للقناة الثانية، قبل عدة شهور التي وصفت بأنها مثيرة للسخط والغضب، وقارن فيها بين والدي الجندي القاتل، وبين ذوي الجنود الذين قتلوا في الحروب. ويؤكد رفيد أن نتنياهو وبسبب الخوف من التعقيبات والاستطلاعات والهروب باتجاه اليمين ومجاراة نفتالي بينيت، فإنه عزز الرواية الكاذبة التي ينشرها مؤيدو الجندي القاتل منذ عشرة شهور، ومفادها أن «القيادة العسكرية ألقت بـ «ابن الجميع « للكلاب.
إلى ذلك، لفت رفيد إلى موقف وزير الأمن السابق، موشي يعالون الذي عزل من منصبه، حيث وفر الغطاء لضباط الجيش ورفض التراجع أمام المتطرفين الذين، بحسبه، «يحاولون تحويل الجيش إلى جيش عصابات. وأشار إلى أن يعالون هاجم نتنياهو، ووزير الأمن الجديد ليبرمان، والوزير بينيت، وقال إنهم كذبوا على عائلة أزاريا وعلى الجمهور الإسرائيلي، واستغلوا الحادثة لاحتياجات.
الانشغال باستجماع الأصوات وانضم أمس الوزير الأسبق دان مريدور ليعلون الذي اتهم نتنياهو مباشرة بالانشغال باستجماع الأصوات بدلا من إسماع صوته الواضح لحماية المنظومة الأخلاقية للجيش ولمنع محاكمته في محكمة الجنايات الدولية. وكان مريدور من الأصوات الإسرائيلية النادرة التي قالت بوضوح إن المحكمة خففت الحكم على أزاريا بتحاشيها اتهامه بالقتل مكتفية بتهمة التسبب بموته.
وعلى خلفية كل ذلك أكدت القائمة المشتركة وبحق أن دعوات العفو عن الجندي القاتل، إليئور أزاريا، تصريح رسمي ومؤسساتي لإعدام الفلسطينيين من قبل جنود وقادة جيش إسرائيليين. وأشارت إلى أن نتنياهو وبينت وأمثالهما يقفون في جبهة واحدة عندما يتعلق الأمر في حياة وكرامة وأملاك وأرض الفلسطينيين. وأضافت «أن دعوات العفو عن الجندي القاتل هي محاولة شعبوية ورخيصة من قبل سياسيين في الائتلاف الحكومي والمعارضة، هدفها استرضاء اليمين المتطرف، الذي يعارض إدانة الجندي بالقتل غير العمد، لكسب دعمه وتأييده».
وأبدت «المشتركة» أسفها لاتحاد عناصر في المعارضة مع نتنياهو الذي خضع للتحقيق الجنائي ثانية أمس وتتنافس معه على نفس الصوت الفاشي. وخلصت للقول»هذا دليل واحد لجرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل، ومن لم يمثل للمحاكمة عليها هنا سيمثل في النهاية في محكمة الجنايات الدولية في لاهاي». وهذه المواقف الإسرائيلية الرسمية المؤيدة للجندي الذي أعدم الشريف في الميدان تعني منح الرخصة لقتل المزيد من الفلسطينيين بالضغط السريع على زناد النار عليهم. إسرائيل2017 من هذه الناحية لم تتغير. وتذكر حملة التطبيل والتزمير للعفو عن الجندي القاتل بالمحاكمة الصورية لمرتكبي مجزرة كفر قاسم قبل 60 عاما وبقتلة الشابين من عائلة أبو جاموس وهما أسيران مكبلان من قبل رجال الأمن عام 1984 ضمن الفضيحة التي عرفت بقضية الحافلة 300 وفيها أيضا تمت محاكمة المتورطين بالقتل والعفو عنهم دون يوم اعتقال واحد.
يشار هنا الى أن عملية قتل عبد الفتاح الشريف تثير ضجة واسعة في إسرائيل رغم أنها ليست المرة الأولى وسبقتها في العامين الأخيرين عشرات عمليات إعدام ميدانية لناشطين فلسطينيين بعضهم فتيان وأطفال بفارق واحد بسيط أنه لم يتم توثيقها بكاميرا بعكس حالة الشريف. وهذه العقلية لا تستثني فلسطينيي الداخل رغم أنهم مواطنون في إسرائيل إذ قتلت قوات الأمن منذ عام 2000 حوالى 60 شابا عربيا دون تبرير، تم توثيق بعضها بالكاميرا ومع ذلك لم يقاض المجرمون كما تبين في قتل الشاب حمدان من بلدة كفركنا قبل عامين. وحتى الآن ما زالت الشرطة الإسرائيلية تتعامل مع المواطنين العرب (17%) كأعداء وعبر فوهة الأمن، كما سبق وأكدت لجنة التحقيق قتل 13 متظاهرا فلسطينيا من الداخل في هبة القدس والأقصى عام 2000. ويبقى العفو عن من يشارك بالقتل أو التسبب بالموت حكرا على اليهود فقط، ففي مدينة شفاعمرو أدين خمسة شبان فلسطينيين وسجنوا لفترات متفاوتة بعد إدانتهم بالقتل غير العمد للإرهابي اليهودي نتان زادا الذي قتل على يد أهالي المدينة دفاعا عن النفس بعدما دخلها وفتح النار على راكبي حافلة وقتل وجرح 15 شخصا.
وديع عواودة