إحدى العبارات الأكثر تداولا في السياسة الدولية والإقليمية «رفض التدخل الخارجي». تصدر هذه العبارة باستمرار من الحكومات الأكثر فشلا وعجزاً عن إدارة شؤونها وحل مشاكلها. وفي أكثر الدول حاجة إلى التدخل الخارجي من أجل الاستمرار. أمثلة: ليبيا، اليمن، سوريا، العراق، مصر وحتى السلطة الفلسطينية.
في ليبيا تصر أطراف النزاع، خصوصا حكومة الوفاق بقيادة فايز السراج وجيش الشرق بقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر، على رفض التدخل الخارجي. لكن العقل السويّ يرفض تصور ليبيا اليوم من دون تدخلات ووساطات أجنبية، ومن دون شبكة من التناقضات يغذيها الخارج بأكثر من طريقة.
التدخل الخارجي ليس دائما شراً. هناك حكومات لا يمكن ائتمانها على شعوبها، وعجزها بيّن بحيث يصبح التدخل الأجنبي طوق نجاة. كل ما في الأمر أن الألسنة تعودت على النطق بما يرفض هذا «التدخل»، والأذهان وُجِّهت باتجاه أنه شر أكيد.
ليبيا التي يرفض القائمون على الفتنة فيها التدخل الخارجي تستفز العدد الأكبر من الأطراف الأجنبية حتى باتت تنافس سوريا والمعضلة الفلسطينية. هؤلاء كلهم لهم موقف وكلمة مباشرة مما يجري في ليبيا اليوم، ويحرصون على أن يكونوا على مسافة قريبة من المفاوضات والوساطات: المغرب، الجزائر، تونس، مصر، دولة الإمارات، إيطاليا، فرنسا، بريطانيا، روسيا، الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
ومثل المعضلتين الفلسطينية والسورية، تمكنت ليبيا من تقسيم المجتمع الدولي حولها. ما يجعل الأمور أكثر تعقيدا وتداخلا في ليبيا أنها مصدر لأكثر من انشغال، لعل أبرزها الإرهاب ومخاطر انتشاره، ثم الهجرة المتدفقة باتجاه أوروبا، وأيضا الموقف من الإسلاميين وهم طرف أساسي في المصيبة الليبية اليوم.
وعندما تكون مصالح الأطراف المعنية مختلفة أو غير متجانسة، يصبح صعبا، وأحيانا من ضروب المستحيل، التوصل إلى حل يلبي كل التناقضات ويصمد على الأرض.
التداخل في ليبيا أدى إلى غربلة المواقف بشكل صنّف الجزائر وتونس في صف، والآخرون في صف ثان، حتى وإن كان هذا التقسيم لا يُذكَر بصراحة. تونس الحكومة فضلت البقاء وراء الستار وفوّضت زعيم إسلامييها راشد الغنوشي لأنه يحظى بثقة ما بين أطراف النزاع، أو بعضها. يمكن اعتبار هذا التصرف ذكيا من الحكومة التونسية لأنه لن يحمِّلها عبء الفشل إن حدث، وسيُبعدها عن احتمالات العداء مع أطراف النزاع إن تم التوصل إلى حل لا يرضي هذا أو ذاك.
أما الجزائر فاختارت أن تلقي بثقلها الرسمي لأن السلطة فيها، انطلاقا من إرث في الوساطات الدولية والإقليمية، ترفض تفويض دورها لأحد في مثل هذه الأزمات، وترفض أن يقاسمها طرف ما مجد النجاح عندما يتحقق. ناهيك عن أنها لا تملك إسلاميين (أو غيرهم) تثق فيهم وتمنحهم صلاحية التصرف في ملف كهذا.
الدور التونسي هذا يجد مرجعيته في تجربة الحكم وتقاسم السلطة في تونس بعد 2011. والدور الجزائري يستمد مرجعيته من نجاح ـ منذ أوائل تسعينيات القرن الماضي ـ في تحييد الإسلاميين، الإخوان بالذات، وضمان ألا يكونوا جزءاً من المشكلة. يتضمن ذلك منحهم مشاركة شكلية ـ وهمية ـ في الحكم وصناعة القرار.
فرص هذا «المحور» في إخماد الحريق الليبي ضئيلة، لأن المعسكر الآخر أقوى حجما ونفوذا، وعلى طرف نقيض: مصر تتحرك مدفوعة بمصالحها الاستراتيجية ودورها الإقليمي المفقود، لكن أيضا بحقد كبير على الإسلامييين ممثلين في الإخوان. الإشكال أن مصر وضعت كل بيضها في سلة خليفة حفتر على الرغم من تمرده على الشرعية الدولية واتفاق الصخيرات الذي رعته الأمم المتحدة. الإمارات يحركها الدافع المصري الأخير، وتتحرك عن طريق وكلاء على رأسهم القاهرة.
الحكومات الأوروبية، باستثناء إيطاليا لظروف تاريخية، تجد من السهل والأريح لها التعويل على مصر، بحكم وزنها التقليدي وتجاربها الإقليمية في الماضي. اتباع موقف مصري موجود ومقبول إلى حد ما، أفضل للأوروبيين من بلورة موقف جديد من العدم.
لكن الرؤية الإيطالية تقاطعت مع الرؤية المصرية هذه المرة على الرغم مما قد يبدو ظاهريا من اختلاف. والرؤيتان غير بعيدتين عن الأمريكية. الرؤية الإيطالية قطعت خطوة إلى الأمام، وهي تحاول، منذ الأسبوع الماضي، جلب الدب الروسي إلى الملعب الليبي من وجهة نظر قريبة من مصر. وذلك من شأنه أن يزيد الصف الجزائري ـ التونسي عزلة وضعفا لأن الروس يعتبرون حفتر القائد الفعلي للجيش الليبي (غير الموجود) ويعاملونه كوزير دفاع في وجود حكومة قامت على اتفاقات رعتها الأمم المتحدة ويصفها المجتمع الدولي بالشرعية!
وسط هذه المعمعة الصعبة يبدو الموقفان التونسي والجزائري الأكثر واقعية وقبولا. وبلغة الربح والخسارة يبدو حفتر الرابح الأول، والسراج والفصائل الإسلامية في مواقف تتراوح بين الضعف والحرج.
لكن الأزمة الليبية ليست بهذه السهولة والتصنيف، وإلا لحُلَّت منذ زمن بعيد. يبدو أننا أمام مناورات ظرفية وحلول ترقيعية سرعان ما ستبرز عيوبها.
٭ كاتب صحافي جزائري
توفيق رباحي
كان أمال اللبيين بعد الإطاحة بالقدافي الحصول على دولة مدنية ديموقراطية يتساوى فيها كل اللبيين ، لكن ما يقع في ليبيا الأن هو ما وقع في مصر ، العسكر يريد الرجوع والإنقلاب على الشرعية التي تمخضت بعد شد وجدب ، المصريون والجزائريون أنظمة عسكرية ومن المنطقي أن تدعم حفتر ، كما أن ايطاليا تحن للعهد البائد حفاضا على مصالحها القديمة ليس إلا في نظرة ضيقة للأمور ، والمشهد المرسوم حاليا هو بدية ثنائية قطبية يراهن كل قطب فيها على الفوز ، فمنطق الشرق الليبي لا يشبه منطق غربه ، وحدة ليبيا يجب أن تكون خط أحمر ، اما شعار منع التدخل الأجنبي ما هو إلا غطاء للتدخل الذي بدأ فعلا ، لكن ما يجب ان تنتبه له دول المنطقة وخصوصا المحاذية جغرافيا أن النار الليبية ستحرق الجميع ، نتمنى للشعب الليبي الأبي نهاية هذه الفتنة التي تصنع صنعا ..