الجزائر ـ «القدس العربي»: تعرف الأوساط الشبابية والجماهير الرياضية الجزائرية، هوسا غير مسبوق بنادي ليستر، الذي ينشط في الدوري الانكليزي الممتاز «البريميرليغ»، ويلعب له مهاجمان من «محاربي الصحراء»، بشكل حول هذا النادي إلى فريق جزائري بالتبني.
وانطلق هذا الهوس خلال الموسم الكروي 2015/ 2016، حيث برز اللاعب الجزائري رياض محرز، مع هذا النادي، وتطور أداؤه بشكل لافت وفاز بلقب الدوري معه ونال جائزة أفضل لاعب في «البريميرليغ».
وازداد تبنى الجماهير الكروية الجزائرية لهذا النادي بعد انضمام لاعب جزائري ثان لهذا الفريق، وهو المهاجم الدولي إسلام سليماني، الذي شكل مع مواطنه ثنائيا رائعا. وتجلت أول مظاهر هذا «الهوس الجزائري» بنادي ليستر، من خلال الصفحة الرسمية للفريق على شبكة التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، التي تعرضت لـ»غزو» جزائري غير مسبوق، حيث تحصي نحو 6.5 مليون معجب، عشرات الآلاف منهم جزائريون. ويترك الجزائريون يوميا المئات من التعليقات على ما تنشره الصفحة الرسمية للنادي، سوءا بالعربية أو باللهجة المحلية أو الفرنسية وحتى بالإنكليزية. وأوضح الموقع الإخباري الجزائري باللغة الفرنسية «كل شيء عن الجزائر»، في 3 مايو/ أيار 2016، أن «بطل الدوري الانكليزي الممتاز لديه عشاق ومتابعون في الجزائر أكثر من انكلترا كلها». وأشار الموقع إلى أن «عددهم يفوق من نصف مليون مشجع في الجزائر». ووفق الموقع ذاته فإن «صفحة ليستر على الفيسبوك، عرفت زيادة بـ 540 % خلال الموسم المنقضي». وأضاف: «هذا مرده تواجد اللاعب محرز، في صفوف هذا النادي». وتبرز مظاهر هذا الهوس أيضا في الإقبال الجماهيري الكبير على مباريات هذا النادي، سواء في البطولة أو في دوري أبطال أوروبا، حيث تغص المقاهي بالمتفرجين، ولم يعد يقتصر الأمر على الشباب بل امتد حتى إلى الأطفال والكهول والشيوخ وحتى الجنس اللطيف.
وتجلى هذا الهوس بنادي ليستر في الجزائر، قبيل مباراة الأخيرة في دوري أبطال أوروبا ضد نادي كوبنهاغن الدنماركي مطلع الشهر الجاري، في أحد المقاهي جنوب العاصمة، وهي ظاهرة تجدها في أغلب الأحياء الشعبية بالعاصمة ولا يمكن مشاهدتها خلال إجراء مباريات الدوري المحلي. وامتلأ مقهى بالحي الشعبي «شراربة»، ببلدية الكاليتوس جنوب العاصمة الجزائر، بنحو ساعة قبيل انطلاق المقابلة. وغصت القاعة الضيقة للمقهى بالمتفرجين، ومنهم من لم يجد مكانا للجلوس واضطر لمتابعة اللقاء واقفا، وعمت المكان سحابة من الدخان كون المقهي لا يمنع المدخنين. وفي هذا السياق أوضح حسام، وهو شاب لم يبلغ العشرين من العمر، أن المقهى صار يعج بالمتفجرين في كل أسبوع. وقال: «المقهى يمتلئ قبل أن تمتلئ مدرجات ملعب كينغ باور، الخاص بليستر». وأضاف: «التشجيع يملأ المقهى وخصوصا عندما تكون الكرة لدى محرز أو سليماني». وتابع: «هذا الحشد بصدد انتظار هذا الموعد المهم». ويقول محمد الصيد، وهو شاب أعزب يبلغ من العمر 34 سنة، ويقيم بمحافظة جيجل الساحلية شرقي البلاد، ويعمل كمسير مطعم، أنه صار مدمنا على متابعة مباريات ليستر، في كل جولة سواء في الدوري الانكليزي أو في دوري أبطال أوروبا. وذكر أن «تشجيع النادي زاد منذ فوزه ببطولة الدرجة الاولى وصعوده إلى الدرجة الممتازة». وأضاف: «يعجبني كظاهرة كروية علمتنا أنه لا مستحيل في كرة القدم». وأردف: «السبب الرئيسي تواجد الجزائري رياض محرز… نشعر أنه يمثلنا كجزائريين في أكبر الدوريات العالمية قوة». ووفق محمد الصيد، فإن «هذه المتابعة مردها أيضا تواجد محرز، وانضمام زميله في المنتخب إسلام سليماني». وأوضح محمد، أنه «صار ينتظر يومي السبت أو الأحد دائما لمتابعة مباريات ليستر». وأضاف: «اهتمامي بالنادي صار مزدوجا هذا الموسم بسبب مشاركته في دوري أبطال أوروبا أيضا». ويرى الصحفي بيومية النصر (حكومية) حميد بن مرابط، أن «هذه الظاهرة خاصة بالمشجع الجزائري الذي يعشق الفريق الوطني إلى حد الجنون». وقال: «هذه ظاهرة زادت أكثر بعد ملحمة أم درمان بالسودان في 2009 (تأهل المنتحب لمونديال جنوب إفريقيا على حساب مصر) بعد 24 سنة غياب عن هذا العرس الكروي الدولي».
ووفق ذات المتحدث فإن «حب المنتخب أصبح مرتبطا بحب اللاعبين المحترفين». وأضاف: «بالتالي فأي إنجاز للاعبين تعتبره الجماهير إنجازا للمنتخب وللكرة الجزائرية». ويعتقد ابن مرابط، أن اللاعب رياض محرز، وبعد أن قاد ليستر لتحقيق بطولة الدوري لأول مرة في تاريخه، ونيله لقب أحسن لاعب في «البريميرليغ»، تحول لبطل ومصدر فخر للكرة الجزائرية وجماهيرها.
أما سعيد توفيق، أستاذ علم الاجتماع بجامعة تيارت (300 كلم غرب العاصمة الجزائر)، فيرى أن ارتباط الجزائريين بالكرة قديم، والدليل أن المنتخب الجزائري تشكل قبل استقلال البلاد (فريق حزب جبهة التحرير الوطني 1958). وأشار توفيق، إلى أن هذا الهوس بناد انكليزي «يعتبر قضية انتماء لهذا الجيل، لأن رياض محرز، وإسلام سليماني، يمثلان ثقافة وروح جيل معين». ويعتقد أن «الشاب في العشرينات من العمر الذي لم يتسن له أن يكون نجما محليا، يتبنى هؤلاء اللاعبين كبديل لتلك النجومية والإبداعية التي يميل إليها الشاب». وعلق بالقول: «هذه ظاهرة ليست جديدة». وأضاف توفيق، أن «الإعلام ساهم في انتشار هذه الظاهرة وهذا الهوس أكثر وخصوصا شبكات التواصل الاجتماعي». كما أرجع الباحث الجزائري، تنامي هذا الاهتمام لدى الشباب بنادي ليستر الانكليزي إلى نجومية ونجاحات المنتخب الوطني التي غابت منذ سنوات، في الوقت الذي تألق فيه لاعبو المنتخب مع أنديتهم. وقال توفيق: «المنتخب الوطني عاد للظهور عالميا منذ 2009». وأضاف: «صرنا نشهد خروجا جماهيريا في كل مباراة للمنتخب». وتابع: «صار هناك تعطش كبير للنخبة الوطنية ولاعبيها».