ليلة القبض على «المعارضة الإلكترونية» في الأردن: «حوصلة» السلطة «تضيق» ومقاطعة السلع ثقافة جديدة تنمو والضرائب تقل والأذرع الأمنية تتحرك بـ «انفعال»

عمان ـ «القدس العربي»: لا يمكن بصورة محددة ترسيم الذهنية التي تحركت في أوساط القرار الأردني ووجهت رسالة عقابية شديدة اللهجة لكل ناشط يحاول الغرق مجددا في القضايا المحلية، من طراز المقاطعة والمبالغة أو الإفراط بالدعوة للإصلاح.
الحكومة تعلن خطتها الاقتصادية الخشنة لتعويض عجز في الميزانية يصل لنصف مليار دولار على الأقل، بينما تتحرك ذراعها الأمنية لالتقاط النشطاء الذين يرفعون سقف الاعتراض حتى ولو بطريقة وصفها وزير الاتصال الناطق الرسمي بالبداية بأنها «حضارية».
الموقف يبدو مشوشا للغاية والبرلماني والنقابي المخضرم يوسف القرنة يستذكر مع «القدس العربي» القواعد التي كانت دوما مألوفة وملعوبة حيث يتعزز الانفتاح السياسي وتصبر السلطات أكثر ويحتمل سقف النقد بهدف التفريغ عندما يحصل ضغط اقتصادي على المواطن.
لسبب او لآخر قررت حكومة الرئيس هاني الملقي باعتبارها صاحبة الولاية العامة الضرب بقسوة على الوترين معا، اتجاه اقتصادي خشن وشرس على الجمهور ان يحتمله وضرب مكثف على بعض الأوتار عندما يرتفع سقف النشطاء.
طبعا في الحالة الإدارية الأردنية لا يمكن تفكيك مثل هذا التناقض في رسالة مزدوجة ولا تحديد الجهة التي تنتج هذه الازدواجية خصوصا بعدما توسعت ظاهرة الاعتقالات مجددا وعاد النشاط لجبهة المحاكم الاستثنائية وأظهرت السلطات للجميع رسالتها الأهم وفكرتها: يد القانون أو الدولة طويلة وتستطيع الوصول لمن «يعارض» بسقف مختلف ومتجدد حتى عبر وسائط التواصل.
هنا حصريا حصلت مداهمات إلكترونية بالجملة حيث اعتقل اولا الناشط الإلكتروني الذي اخترع صفحة المقاطعة الشعبية بعدما تجاوز عدد المشتركين فيها المليون أردني فارتبكت الحكومة.
عندما نفذ الاعتقال إياه كانت الحجة بسيطة، فالشاب الذي تسبب بإزعاج أصحاب الشركات والمصالح وتجاوب الجمهور معه استعمل عبارة لا يرغب بها الأردنيون عندما تحدث عن «ثورة بعد المقاطعة» فكان الاعتقال مبررا، بمعنى ثمة سبب تقوله السلطة ولا يرضي الناس ويستوجب الخضوع للقانون والقضاء.
لاحقا تم إيقاف أربعة نشطاء لهم دور في حملة مقاطعة المحروقات وقبل الجميع اعتقل 19 شخصا بعضهم حظي بالماضي بمناصب رفيعة بتهمة تقويض نظام الحكم على هامش ما سمي اجتماع الإصلاح او الموت، وهو اجتماع تم تصويره بالكامل وتخلله حسب مصدر وزاري ابلغ «القدس العربي» عبارات «شتامة» لا تليق بمعارضين ونشطاء وموظفين في الدولة ولا يمكن إغفالها.
يؤكد معارضون بان «حوصلة السلطة» تضيق في الأردن حيث عدة مؤسسات رسمية وأمنية تراقب وأحيانا تعتقل ولعدة أسباب وحيث لا مجال للمغامرة بعد الأن بعودة اي نشاط تحريضي او له علاقة بحالات الاسترخاء.
قد يحصل ذلك لعدة أسباب وسط ظروف يقول رسميون انها تملي عدم السماح بأي انفلات ليس فقط بسبب الضائقة المالية الاقتصادية ولكن بسبب البيئة الإقليمية والدولية المغرقة في الحساسية وهو ما يلمح له وزراء في حكومة الملقي بين الحين والآخر.
لعل هذه الحجة تبدو «معقولة» بالنسبة حتى لدوائر في المعارضة التقليدية خصوصا إذا لم تبالغ السلطة في الاعتقالات.
ومن المهم الإشارة إلى أن هذه البيئة التي تراقب كل صغيرة وكبيرة برزت بعد أحداث الكرك الأخيرة حيث يجمع الأردنيون في السلطة والشارع على مواجهة الإرهاب وبكل الأدوات ومنعه من التأثير في المناخ العام، وحيث أخفقت السلطات في الحد من تأثير وسائط التواصل على تغطية الأحداث وترويج الاحتقان الاجتماعي.
لكن التقاط ثم معاقبة نشطاء في السياق المدني يحاولون ترويج ثقافة المقاطعة للسلع والخدمات التي ترتفع قد لا يحتاج لكل هذا التوسع في الاعتقالات والتوقيفات وقد يعكس ما يلاحظه برلماني من وزن خالد رمضان وهو يتحدث عن «الرعب الرسمي» والعودة لمربع ثقافة الإنكار.
ما لا يفهمه المقاطعون ان الخشونة الحكومية ضد رموزهم على الشبكة مؤشر حيوي على نجاحهم في إحداث بعض التأثير.
وما لا يعرفونه ان العقلية البوليسية للحكومة ما زالت تعتبر مسألة «مقاطعة السلع والخدمات» تعبيرا عن «ثقافة جديدة» لا تعرفها المؤسسة الأمنية ولم يسبق لها أن اختبرتها حيث الخوف متاح دوما من المستجد غير المجرب، الأمر الذي يفسر الانفعال خصوصا في الاعتقالات.
وما لا يعرفه نشطاء مقاطعة الأسعار العالية الذين لا يخالفون القانون عمليا ان الحكومة لا تقف فقط تحت وطأة الجديد المرعب لكنها ايضا تواجه ضغطا عنيفا من أصحاب الشركات والمصالح الكبرى الذين يضغطون بشدة ويحذرون من إنهيار أعمالهم، وبالتالي وقف توريداتهم للضريبة والخزينة إذا ما حققت حملات المقاطعة اي نجاحات.
عليه الحكومة بين مطرقتين، الصمت على المبالغات الأمنية والاعتقالات وما يسحبه ذلك عليها من «سوء سمعة» واختبار هوسي لخطتها باتجاه وقف العجز المالي في الميزانية وهو عامل تؤثر به بكفاءة حالة البيع والشراء والسوق التي تتأثر بدورها بالإيقاعات التي تفرضها على الشبكة حملات المقاطعة.
حتى اللحظة تعالج السلطات هذا المأزق المزدوج بحوصلة تضيق وبقدر من الانفعال برمجته ليلة القبض على شبكة الإنترنت التي تروج للمقاطعة.
ومرة أخرى يكتشف الأردنيون جميعا بأن الذهنية الأمنية قد لا تخدم الهدف ولا تعالج الإشكال لأن المقاطعة اصلا أصبحت اضطرارية بسبب تآكل الدخول وارتفاع التضخم وتقلص القدرة الشرائية للدينار.
ويكتشفون بأن الحنين يتواصل لـ «مطبخ مركزي للقرار» يصمد في انتاج وصفات فعالة بين الأزمات.

ليلة القبض على «المعارضة الإلكترونية» في الأردن: «حوصلة» السلطة «تضيق» ومقاطعة السلع ثقافة جديدة تنمو والضرائب تقل والأذرع الأمنية تتحرك بـ «انفعال»

بسام البدارين

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    فهمنا وقف سلاح المقاطعة مع الصهاينة
    ولكن
    لماذا وقف سلاح المقاطعة مع الفاسدين والمحتكرين ؟
    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول سامح //الاردن:

    *على الحكومة التركيز على محاربة(الفساد)
    وعلى (الناشطين) تقنين النقد .
    *حمى الله الأردن الغالي من الأشرار
    والفاسدين.
    سلام

  3. يقول محمد عوض الطعامنه:

    كلنا نعتقد أنّ مقاطعة شراء السلع وتجميع من يساعدوا في مقاطعتها أمور عادية يلجاء اليها الناس لمحاربة الغلاء والضغط على المنتجين والموردين وتجار هذه السلع ، ولكن ان تنحرف هذه الدعوة عن غاياتها واغراضها الحقيقية الى دعوة على التحريض والمحاربة وترديد الشعارات المعادية لأمن واستقرار البلد فتصبح كمن يضع السم بالدسم ، في وقت نشاهد ما يعانيه وطننا الحبيب من جراحات تستحق من الشعب الذي يحب هذا الوطن ويفديه بالمهج والأرواح أن يتفهم قدراته المادية المتواضعه وموارده الشحيحة ويعترف بمحاولات وجهود المسؤولين الجبارة لإصلاح الخلل . دعونا نخضع ونصدع لمعالجة اساليبنا في الإنفاق ونتنكب عن تلك العادات والطرائق التي تعودنا عليها ، نحن لسنا بحاجة الى استيراد كل هذه السيارات الجديدة والقديمة التي تكاد شوارع مدننا تختنق بها ، ونحن لا نموت لو امتنعنا عن استيراد الكماليات والمسكرات ومظاهر البذخ من آثاث وتحف تستنزف اثمانها جيوبنا ، ….. كما يجب علينا ان نعيد النظر بوجود هذا الجيش الكبير من العمالة الوافدة التي هي الأخرى تستنزف عملتنا الصعبة والتي يمكن ان نعود انفسنا ان نحل محلها بشجاعة نمحو ونطمس ثقافة العيب بأن نشمر عن سواعد الجد ونبني وطننا بالإعتماد على انفسنا . وللحديث بقية .

    1. يقول عبدالله من الاردن:

      الاخ محمد الطعامنه
      الكل يرفض ما قد يسيء للوطن ولكن ما تقوم به الحكومه يسيء للوطن .
      ان نجح الناس في المقاطعه فان كبار التجار والمستوردين سيلجأون حتما لتخفيض الاسعار للحفاظ على مصالحهم
      وهذا ما يحدث دائما وفي كل البلاد اللتي يقاطع مواطنوها سلعة ما ولكنني لم اسمع عن اي دوله في العالم قامت
      باعتقال ناشطي المقاطعه .
      أن لمركز القرار في الاردن ان ينضج وان يستغني عن العقليه الامنيه اللتي تحكم امور البلد لان نهاياتها سيئه
      وكتب التاريخ امامكم اكبر شاهد

إشترك في قائمتنا البريدية