لينيكر… والنزاهة المضللة!

حجم الخط
0

غاري لينيكر نجم كروي انكليزي سابق ومقدم برامج رياضية، له آراء غير ذاتية، تكون غالباً ملقنة ومدروسة، فلم يكن غريباً ان يطلق تصريحات الآن اعتبر خلالها انه يشعر بالقيء والبهتان من مزاعم فساد الفيفا، واصماً القرار باقامة مونديال كأس العالم 2022 في قطر بانه «سخيف».
ربما تظل تصريحات لينيكر امتداداً للحملة الانكليزية الشرسة التي في قلب أهدافها اسقاط رئيس الفيفا جوزيف بلاتر، ووسيلتها استغلال حملة مونديال «قطر 2022». فرغم ان لينيكر الذي كان عضواً في الحملة الانكليزية لاستضافة مونديال 2018، يجهل حقيقة ما يجري خلال حملات التصويت، فهو أما عن سذاجة أو عن تعمد بدفع من مرؤوسيه، أعتبر انه في الليلة السابقة لاختيار هوية الفائزين لاستضافة مونديالي 2018 و2022، حيث كان ديفيد بيكهام يرافقه حينها ضمن الحملة الانكليزية، ويقول انه كان يسعى لجني الدعم من أعضاء اللجنة التنفيذية في الفيفا، وكان معه أيضاً رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون والأمير ويليام، وهو أيضاً رئيس الاتحاد الانكليزي، فانه أخبر بيكهام: «يبدو اننا الوحيدون هنا الذين نسعى الى الحظي بتأييد بهذه الطريقة (التحدث الى الأعضاء)… أشتم رائحة كريهة… أعتقد ان الأمر متفق عليه».
أوافق لينيكر الرأي بان الفيفا مليء بالفساد، وأنه فعلاً لم تعد الأمور تحسم بالتحدث، لكن ما أختلف معه هو انه حتى الاتحاد الانكليزي مضطلع بـ»الفساد» أو بمحاولة إغواء عدد من الأعضاء الـ24 أصحاب الكلمة النهائية في آخر المطاف، وهنا مربط الفرس، حيث صنع بلاتر أرضاً خصبة للفساد، فلم سيقتنع العضو الأفريقي أو الكاريبي ان انكلترا هي الأفضل لاستضافة حدث هائل سيدر عليها مئات الملايين اذا لم تغره بغير الكلمات البراقة والمنمقة؟ وبالتالي فان جميع الحملات المتنافسة بدون استثناء، ومنها الانكليزية، قدمت «هدايا» ومنحا لاغراء المصوتين، لكن الفارق ان قدرات بعض الحملات أكبر وأثرى وأغنى من حملات أخرى.
لينيكر عمق في التعبير عن اشمئزازه من مدى حجم الفساد داخل الفيفا، ومن منح قطر شرف استضافة مونديال 2022، واعتبر ان «الجميع كان يعلم حرارة الطقس في قطر في فصل الصيف». رغم انه لم يتطرق الى الملف الروسي، الذي نجح في الحظي بمونديال 2018 أيضاً بفضل «منح» و»هدايا» وأكاد أجزم ان لو نجحت انكلترا في الفوز باستضافة 2018، لما رأى لينيكر أي نوع من الفساد، علماً انني كنت قريباً جداً في العام 2000 من حملة الملف الانكليزي لاستضافة مونديال 2006، وكنت ضمن مجموعة الصحافيين الأجانب الذين فتحت لهم أبواب المسؤولين الانكليز، ضمن حملة لاستمالة الصحافة التي تملك دولها أعضاء من اللجنة التنفيذية، وبعد قرار الاختيار الذي وقع على المانيا، بدأت تخرج بعض «الفضائح» أو المعاتبات الانكليزية على الحملة الفاشلة، فبعد هذا الاخفاق تساءل كثيرون عن نجاعة اهدار المال العام من دافعي الضرائب على هدايا ومنح لأعضاء اللجنة التنفيذية، ومنها الوعود بتعليم أبنائهم وتطبيب مرضاهم ومنح تأشيرات زيارة لأقاربهم، فهل هذا يعتبر نوعاً من الهدايا والمنح التي يحرمها الفيفا؟
بالتأكيد نعم، فقانون الفيفا غير المعمول به ينص على انه يمنع على كل عضو في اللجنة التنفيذية قبول أي هدية أو منحة، أو ان يستفيد بشكل مباشر أو غير مباشر من حملات الدول المرشحة، رغم ان الداهية الترينيدادي جاك وارنر برع في الإلتفاف حول ذلك، فرغم تبرع بعض المرشحين بمئات الالوف والملايين من الدولارات الى تطوير الملاعب في بلدان الأعضاء، الا ان غالبيتها ذهبت الى جيوب السادة الأعضاء، بل ان فضائح كثيرة خرجت الى العلن عن مجوهرات ومنازل وأملاك سجلت بأسمائهم عقب كل جولة تصويت لاختيار المستضيف لنهائيات المونديال. فالفكرة تكمن في أن ينتقي الأعضاء الـ24 أفضل دولة لاستضافة المونديال من وجهة نظر كروية بحتة، تكون قراراتها مستندة في المقام الأول الى مصلحة عاشق اللعبة والمشجع الكروي، وليس المصلحة الشخصية.
اذاً المشكلة تكمن بوضوح في الآلية لاختيار الفائز بين المرشحين، والأمر لا يتعلق أبداً بنزاهة أو صدق أو احترام العضو، لان الأمر تعدى ذلك الى آلية أشبه بقانون مخف غير مكتوب، يحاول العضو، خصوصاً اذا كان يتبع اتحادا فقيراً، في انجاز أفضل صفقة ممكنة مع المرشحين، فهل هذا خطأ؟
نعم بالتأكيد، لكن اذا كان رب البيت بالدف ضاربا، فشيمة أهله «الرقص» وهذا ما صنعه الدكتاتور بلاتر، واذا كانت هناك محاسبة عن فساد، فأعتقد ان الملف القطري يجب ألا يكون وحيداً، فتجب محاسبة الملف الالماني (2006) والروسي (2018) والاسترالي والامريكي والانكليزي وغيرها، التي قدمت الهدايا والهبات لكنها لم تكن كافية في بعض الاحيان لسد جشع الأعضاء، تلاميذ جوزيف سيب بلاتر.
KhaldounElcheik@

خلدون الشيخ

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية