إسطنبول ـ «القدس العربي»: أكدت مصادر مقربة من الرئاسة التركية في تصريحات خاصة لـ«القدس العربي» وجود استعدادات سياسية وعسكرية فعلية من أجل القيام بعملية عسكرية كبيرة ضد تنظيم العمال الكردستاني في مدينة سنجار شمالي العراق، وذلك مع الإشارات المتزايدة التي أطلقها الرئيس رجب طيب أردوغان، خلال الأيام الأخيرة، عن نية بلاده تنفيذ عمليات عسكرية جديدة في سوريا والعراق.
وأوضح المصدر الذي رفض الكشف عن اسمه أن القرار السياسي «شبه نهائي» وأن الخطط العسكرية قد وضعت وتجري استعدادت واسعة في هذا الإطار، لافتاً إلى أن «خطر تواجد الإرهابيين في سنجار يتزايد ولم يعد هناك مجال لمزيد من التأخير»، مضيفاً: «يمكن أن تجري العملية خلال الفترة المقبلة وإن لزم الأمر يمكن أن تبدأ قبيل موعد الاستفتاء» حول التعديلات الدستورية وتحويل نظام الحكم إلى رئاسي والمقرر في السادس عشر من الشهر الحالي.
وتأتي هذه الأنباء بعد أيام من الإنهاء المفاجئ لعملية «درع الفرات» التي أطلقها الجيش التركي في شمالي سوريا وتمكنت من طرد مسلحي تنظيم الدولة من الشريط الحدودي بين تركيا وسوريا، ومدن جرابلس ودابق والباب السورية.
والخميس، نشرت صحيفة «يني شفق» المقربة من الحزب الحاكم في البلاد عن تفاصيل ما قالت إنها عملية عسكرية جديدة سوف يطلقها الجيش التركي ضد المتمردين الأكراد في مدينة سنجار العراقية، وتهدف بالدرجة الأولى إلى طرد المسلحين من هذه المدينة التي تبعد عن الحدود التركية قرابة 100 كيلومتر.
وحسب الصحيفة، فإن العملية الجديدة ستكون تحت اسم «درع دجلة» على غرار «درع الفرات» وهو الاسم الذي أطلق على العملية العسكرية السابقة في سوريا، لافةً إلى أن مئات الدبابات والعربات العسكرية ومنصات المدفعية سوف تشارك في العملية.
وأوضحت أن الترجيحات تشير إلى أن العملية الجديدة سوف تبداً نهاية الشهر الحالي أو الشهر المقبل، وستؤدي إلى قطع الاتصال بين سنجار وجبال قنديل.
وخلال الأشهر الأخيرة حذرت تركيا من قيام تنظيم «بي كا كا» المصنف دولياً على لائحة الإرهاب، مدينة سنجار العراقية إلى «جبال قنديل أخرى»، وذلك في إشارة إلى المناطق التي يتمركز فيها مسلحو التنظيم شمالي العراق ويتخذونها قواعد للتديب وتخزين الأسلحة ومنطلق لشن الهجمات ضد الجيش والشرطة التركية داخل البلاد.
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وفي لقاء تلفزيوني له، مساء الثلاثاء، قال إن «المرحلة الأولى من عملية درع الفرات العسكرية انتهت، وستكون هناك مرحلة ثانية وثالثة على صعيد سوريا والعراق»، لافتاً إلى أن «العمليتين العسكريتين لم يحدد اسم لهما».
وفي أبرز إشارة إلى هذه الأنباء، شدد أردوغان على أن العمليات المقبلة «ليست محصورة على صعيد سوريا فحسب، بل تشمل العراق أيضاً»، وأضاف: «كما هو معلوم في العراق هناك مسألتا تلعفر وسنجار(شمال)، حيث أن هناك أبناء جلدتنا (التركمان)، وفي مدينة الموصل أيضاً». وتابع: «الوضع سيء للغاية في سنجار، ففيها 2500 من عناصر بي كا كا، وهناك محاولات لجعلها قنديل ثانية».
وقبل يومين، أجرى رئيس هيئة الأركان العامة للجيش التركي، خلوصي أكار، وقادة قوات الجيش التركي، زيارة إلى القوات العاملة في ولاية شرناق أقصى جنوب شرقي تركيا، وهي أقرب نقطة حدودية بين تركيا والعراق، حيث رافقه قادة القوات البرية والجوية والبحرية وقائد الجيش الثاني.
وحسب مصادر متعددة، بات المتمردون الأكراد المرتبطون بتنظيم العمال الكردستاني يسيطرون على مناطق واسعة من مدينة سنجار وعملوا على بناء قواعد عسكرية ومواقع تدريب، كما عملو على تحصين المدينة وبناء الخنادق حولها وهو ما أثار غضب تركيا التي تعتبر ذلك «تهديداً خطيراً» لأمنها القومي.
وتشن الطائرات الحربية التركية غارات شبه يومية على مواقع للعمال الكردستاني في جبال قنديل ومناطق أخرى شمالي العراق لكنها لم تتعمق داخل الأراضي العراقية لتصل إلى سنجار، وقال بيان للجيش التركي، الخميس، إنه تمكن من تحييد 16 إرهابيًا في غارات جوية استهدفت أهدافًا تابعة لمنظمة «بي كا كا» جنوب شرقي البلاد وشمالي العراق.
ومن غير المعروف إن كانت ـ العملية المفترضة- ستتم بعلم الحكومة العراقية أم لا، لا سيما وأن تواجد الجيش التركي في قاعدة بعشيقة شمالي العراق تسبب في أزمة حادة بين البلدين كادت أن تؤدي إلى مواجهة مسلحة وسط تهديدات للحكومة العراقية بإماكنة مهاجمة القوات التركية التي اعتبرتها «قوات احتلال».
كما أنه لم يتم الكشف عن الموقف الأمريكي من الخطط التركية الجديدة، حيث وقفت واشنطن إلى جانب الحكومة العراقية في أزمة معسكر بعشيقة وعارضت توسيع الجيش التركي لعملياته ضد الوحدات الكردية في شمالي سوريا.
لكن السفير الأمريكي في العراق دوغلاس سيليمان أعرب، الاثنين، عن قلق بلاده من وجود منظمة «بي كا كا» في قضاء سنجار، مشيراً إلى أنه جرى بحث المسألة مع حكومة بغداد، وقال: «الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي وتركيا يعتبرون (بي كا كا) منظمة إرهابية، وهذه المنظمة كانت قبل ثلاثين سنة في المنطقة الحدودية بين العراق وتركيا ونحن قلقون ومنزعجون من وجودهم في سنجار».
وقبل أيام، لفت وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو إلى أنه «تطرق في مباحثاته بأنقرة مع نظيره الأمريكي ريكس تيلرسون إلى قضية مكافحة «بي كا كا» في سنجار»، لافتاً إلى أن «تيلرسون أكد له أن واشنطن تمتلك خططاً لإخراج (بي كا كا) من سنجار بالتعاون مع تركيا».
ويعتبر دعم الوحدات الكردية في سوريا من أبرز نقاط الخلاف بين أنقرة وواشنطن، حيث تقول الحكومة التركية إن مسلحي العمال الكردستاني يحصلون على كميات كبيرة من الأسلحة والمعدات العسكرية التي تقدمها وزارة الدفاع الأمريكية للوحدات الكردية في سوريا تصل إلى المتمردين الأكراد في العراق وداخل أراضيها ويستهدمون هذه الأسلحة في شن هجمات ضد القوات التركية.
إسماعيل جمال