متخمون من أخبار الموت في بلادنا، متخمون من الوجع المنفلت في المكان، متخمون من الصراخ والبكاء والنواح، متخمون من الغبار والهجرة إلى الهجرة، وكأننا نعيش في سنوات الجوع ووباء الطاعون، ولكن في كل العبث الذي نعيشه، غزة كانت هي المدرسة والدرس، لن أحكي عن كل هذا الألم المثخن بالألم، فيوميات العدوان مثخنة بأوجاع الناس وخوفهم وموتهم، وسيظل هذا العدوان علامة فارقة في أيام أوجاعهم، ومن الصعب حصر ما حصل في غزة في استنتاج واحد أو درس واحد أو عظة واحدة.
أثناء العدوان، كل لحظة في غزة تمر كانت تُـظهر مدى همجية وحقد الاحتلال الذي ذهب إلى أبعد مدى في القتل والجريمة والمجزرة، فلم تشفع أمام رصاصه ومدافعه وطائراته مدرسة ولا أطفال ولا نساء ولا شيوخ، وكأن الموت ينهي الإنسان ويقتل القضية الفلسطينية، وفي الوقت نفسه كانت كل لحظة من يوميات هذا العدوان مليئة بالكبرياء الذي عمده أهل غزة بدماء أبنائهم، وما تراجعوا قيد أنملة عن دعم المقاومة وتشكيل ظهير لها، صرخوا من وجعهم، ولكنهم صرخوا أكثر من خذلان إخوتهم لهم وخيبتهم فيهم، وخط الغزيون خلال العدوان بحسراتهم وألمهم درس الكرامة، وكان للصمود درس، وللإصرار درس، وللوجع درس، وللشجاعة والبطولة دروس، في زمن كان كل شيء في الحياة بعيدا عنهم إلا الموت، الذي كان وحده لصيقا بيومياتهم وقلوبهم، أخذ أهل غزة يعلموننا درساً وراء درس.
فغزة بصمودها علمت الفلسطينيين أن جذوة مقاومة الاحتلال بكل فلسطين لم تنطفئ، وأعادت للشعب الفلسطيني روحه التي تاهت في ترهات المفاوضات، وأحيت اللحمة الوطنية بين هذا الشعب بكافة فصائله وفئاته ومناطقه. وعربياً، كانت غزة بمثابة النور الذي يعيد للثورة شكلها وللمقاومة طهرها، ولطلب الحرية ألقه. ولكن ماذا تعلم العالم المتحضر من غزة حين كانت تركض الأجساد المذهولة بموتها والمسجاة على خشبة الريح نحو القبور، هل فقأت هذه الأجساد عيون العالم وأيقظت ضمير من أدار ظهره؟ وهل اغتيال الصغار الذين فغروا أفواه الموت قبل أن تجف حبالهم السرية علق وشم الجريمة على جبين الاحتلال؟ ماذا تعلمت حكومات الغرب من الوجع المتناثر في المكان والغيلان العنصرية المنفلتة، ماذا تعلم العالم من شجاعة الغزيين وصمودهم؟
كثيرة هي الدروس، ولكن ربما درس الشجاعة لشعب لا يملك إلا الإرادة في الحرية والحياة هو من أهم الدروس، فلا يمكن الحديث عن العدوان على غزة من دون الحديث عن العمليات التي قامت بها المقاومة ضد الاحتلال، ولا يمكن اغفال الخطط العسكرية المعقدة أو التدريبات، أو شجاعة وإقدام رجال المقاومة على قلة إمكانياتهم، وربما كانت عملية «ناحال عوز»، ولأنه تم تصويرها، هي من أكبر الصدمات التي تلقاها جيش مدرب ومدجج بشتى أنواع الأسلحة، بل يقوم بابتكار الأسلحة وتجريبها على الفلسطينيين، ومن ثم يقوم ببيعها لدول العالم.
فعملية «ناحال عوز» تم وصفها من قبل الإعلام الإسرائيلي بأنها «فضيحة قومية»، وإذا ما نظرنا إليها بدقة أكثر نرى أنها تفضي إلى مجموعة من الاستنتاجات، أهمها أن الأنفاق كانت محفورة بانتظار ساعة الصفر لمفاجأة عناصر جيش الاحتلال في المحرس، وأن عنصر المفاجأة لعب دوراً مهماً في شل حركة جنود الاحتلال، وأن السلاح الأكبر الذي كان بين أيدي المقاومين هو الشجاعة، حيث كان باستطاعة الجندي قنصهم وإفشال العملية، ولكن عنصر المفاجأة أربكه وشل حركته، فهذه العملية من لحظة حفر النفق إلى لحظة الهجوم على البرج العسكري، هي عملية نوعية بكافة المقاييس، وربما يستطيع المحللون العسكريون كشف جوانب أخرى لهذه العملية لا يمكن للأشخاص العاديين أن يلاحظوها.
وفي البعد الرمزي لهذه العملية، أثبت المقاومون أنهم أصحاب المكان، ولحظة خروجهم من النفق لم تكن إلا لحظة ولادة من رحم أمهم الأرض، وأعتقد أن أي جيش في العالم سيسعى للحصول على خبرات هؤلاء الرجال الذين تسلحوا بانتمائهم للأرض وشجاعتهم، فهل تعلم الغرب من هذه الشجاعة وهذا الإصرار وهذا الإقدام بأن هذا الشعب وبهذه الإرادة لا بد سينتصر؟ للأسف، إن جيوشاً من أقوى جيوش العالم لم يتعلموا من هذه الشجاعة درساً، بل على العكس، فأثناء متابعة ردود الأفعال الدولية على ما جرى في غزة، وعلى الرغم من هذه العملية «الفضيحة القومية» لإسرائيل، نجد أن ألمانيا سترسل قريباً إلى إسرائيل ما يقارب الـ250 جندياً في المرحلة الأولى لتبادل معلومات مع الجيش الإسرائيلي، ولإقامة تدريبات على أرض الواقع تحاكي حرب غزة، «وذلك للاطلاع على التقنيات القتالية المستخدمة للجيش الإسرائيلي، وبالأخص في ما يسمى القتال داخل المدن المكتظة، أو قتال من بيت لبيت، كما تمت تسميته، بالإضافة إلى كيفية مكافحة قوات قتالية معادية تستخدم الأنفاق وما هي الآليات والتقنيات المتبعة في رصد وكشف الأنفاق وتدميرها». مع أن من جملة ما فشلت فيه إسرائيل في عدوانها على غزة هو دخول المدن، حيث وقفت دباباتها على تخومها بدون أن تستطيع التوغل بها، والأنكى من هذا أن العدوان الذي قام بذريعة تدمير أنفاق المقاومة والقضاء عليها لم ينجح في تحقيق أهدافه، صحيح نجح في قتل المدنيين بواسطة الطائرات والسفن الحربية على شواطئ غزة، والدبابات على تخوم القطاع، صحيح ارتكب المجازر والموبقات من قتل وتشريد وهدم للبيوت، ولكنه لم يحارب في المدن، ولم يستطع القضاء على المقاومة.
غريب هذا الخبر! ماذا تريد ألمانيا أن تتعلم من إسرائيل بعد هذا العدوان؟ فعلى يدي هذا الجيش تم قتل ما يقارب الألفي فلسطيني، منهم أكثر من 400 طفل و243 امرأة و87 مسناً، فهل تريد ألمانيا أن تتعلم كيف تقتل ولا يهتز لمؤسسات العالم الدولية جفن، وكيف تخرس الأمم المتحدة، ومجلس الأمن رغم وضوح الجريمة؟
تم قصف المدارس التابعة للأونروا بمن فيها من لاجئين، فماذا تريد ألمانيا رافعة حقوق الإنسان أن تتعلم؟ هل تريد أن تتعلم كيف تقتل القتيل وتسير في جنازته؟ تم قصف غزة بأسلحة محظورة دولياً، فهل تريد ألمانيا أن تعلم جيشها كيف يتم تسميم الهواء؟ تم تهديم المنازل على رؤوس سكانها، وقتل من استطاع الخروج، تم ارتكاب المجازر وهدم المساجد، فهل تريد ألمانيا أن تدرب جيشها على أسهل الطرق لارتكاب المجازر بحق البشرية؟ تم قتل الصحافيين ورجال الإسعاف بشكل ممنهج وبدم بارد على يد جيش الاحتلال، فهل تريد ألمانيا أن تتعلم كيف تخرس صوت الحقيقة في زمن الهواء المفتوح؟
لا أعرف ماذا تريد ألمانيا أن يتعلم جنودها من هذا العدوان، ربما تريد بقرارها هذا أن تقدم الدعم وترفع معنويات جيش خرج من عدوانه على غزة مقهورا، أو ربما تريد أن تطبطب على كتف جنرالات الحرب المسربلين بالجريمة، ربما تريد أن تعطي درساً في النفاق العالمي الذي يصفق للقاتل في جبنه ويلوم الضحية على موتها!
غزة علمتنا الكثير، ويبدو أن العالم الذي يتباهى بحقوق الإنسان والحيوان والنبات والهواء كذلك، مازال يعلمنا الكثير، يعلمنا أن لا نثق به ولا بمبادئه التي لا تسري علينا مادمنا خارج إطار مصالحه.
٭ كاتبة فلسطينية
سعاد قطناني
أعتقد أنه فاتك شيئ مهم يا أستاذه سعاد
وهو ماذا تستطيع ألمانيا أن تقدمه للاسرائيليين
فعند الألمان تكنيلوجيا متقدمة في مجال الخنادق والأنفاق
ففي الحرب العالمية الثانية قد اخترقوا خط خنادق ماجينو بفرنسا
ان الغرب متوحد في مساعدة اسرائيل حتى لا يعود اليهم اليهود
ولا حول ولا قوة الا بالله
Germany persecuted the Jews like the the Israelis are persecuting the Palestinians .
Birds of a feather flock together and there is nothing new under the sun .
تريد أن تتعلم أم المساعدة في حل المشكلة ؟ ألمانيا الرسمية وصهاينتها علي وجة الخصوص من أشد المؤيديين لإسرائيل لأساب عدة , من بينها أن يبقي اليهود بعيدا عنها وهي مستعدة لتقديم المال والسلاح والتكنولوجيا من أجل ذلك .
بسم الله الرحمان الرحيم.
انا الماني الجنسية , فلسطيني الاصل , واعيش في المانيا منذ عشرات السنين , فلم اعهد طول هذه المدة اني قابلت شخصآ المانيآ يكنُ حبآ لليهود الصهاينه , بل
بالعكس ان كراهيتهم للصهاينه اخذت طابعآ غير طبيعي وخصوصآ في السنوات الاخيرة كما انه لدي اصدقاء يهود يكرهون اسرائيل والصهيونية . واكثر ما تكره الشعوب الأوروبية هو رجوع اليهود الى
اوروبا , وهم على اتم ألأستعداد لان يعطوهم كل شيء , سواء كان تأيدآ أو أموالا او سلاحآ وحتى المحاربة معهم في الصفوف الاولى وهذا حصل في حرب ال67 وال 73 , عندما حارب جنود الناتو
الى جانبهم بعد رسم نجمة داود على طائراتهم وكانوا في اول الصفوف . المهم ان لايرجعوا لى أوروبا , لأنهم ذاقوا منهم ألأمريَن من غُش ونصب وقتل الاطفال من أجل طقوس دينيه عند اليهود وتسميم آبار المياه في حالة عدم تفاهم مع حكام وملوك العصور الوسطى . حتى اجبِروا على المعيشة في حارات خاصة بهم مثل ( غيتو ) ولحد يومنا هذا قد لا توجد مدينة في اوروبا الا وبها حاره اليهود او زقاق اليهود . وكان هذا حتى يتمكن حكام وملوك ذلك الوقت التحكم بهم ومراقبتهم .
حرب الانفاق علم عسكري جديد اوجده ابطال غزة … حرب الانفاق هي حرب فلسطينية و ليست اسرائيلية اثبتت جدواها و قوتها سوف تدرس في كل الكليات العسكرية العالمية و ليس في المانيا فقط ….و الشعوب المظلومة ستأخذها عبرة و نموذجا تدافع به عن نفسها ضد المحتليين كائنا من كانوا ….