منذ قرابة اثنتي عشرة سنة جمعت أمريكا حولها العديد من الدول وقادتها خلفها لمحاربة العراق بحجة امتلاكه اسلحة دمار شامل وإن هذه الاسلحة تشكل خطرا على العالم اجمع ، فشنت مع تحالفها حربا شاملة على العراق ، فقتلت وجرحت وشردت الملايين ودمرت وخربت كل اشكال الوجود في هذا البلد وحولته الى ارض خربة يفتقر لأبسط مقومات الحياة واحتلته بآلتها العسكرية احتلالا مباشرا ، وفي الخاتمة لم تجد في العراق أي اسلحة دمار شامل ولا حتى اسلحة دمار جزئي . بعد هذه الاعوام والسنين ها هي أمريكا تعيد مسلسلها من جديد فأعلنت عن انشاء حلف دولي لمواجهة خطر تنظيم داعش والذي صورته بأنه خطر محدق بالجميع فلا بد من البدء بالقتال والحرب على هذا التنظيم فتبعها الأحلاف والاتباع وانساق خلفها الكثير من الدول ومنها العربية واظهر الجميع أن المسألة تكمن في ارهاب وانحراف داعش عن جادة الصواب ! .
إن حركة داعش والتي اعلنت اقامتها لدولة الخلافة لم تصل في الواقع العملي الى دولة بالمفهوم الحقيقي للدول ، وهي في الواقع لم تصل الى قدرة وقوة تحتاج لتحالف دولي بهذا الزخم ، وهي وإن قامت ببعض الافعال التي صنفت ارهابية فإنها لم تقم بجزء يسير قياسا لما حصل ويحصل من دول ومن بعض التنظيمات من مذابح وفظائع تقشعر منها الابدان ولم تجيش لهذه الدول والتنظيمات الجيوش ولم تشكل لها الاحلاف ، فما الذي يدور ؟ ! .
إن أمريكا والتي تبحث بإستمرار عن عدو خارجي بعد زوال العدو الشيوعي للبقاء في الفضاء الدولي تسبح وتسير حسب مصالحها معنية بإيجاد المبررات وإن كانت لا تحتاج اليها في الحقيقة !، فهي منذ ذلك الحين وهي تتصرف كشرطي عالمي يملك الصلاحية المطلقة في ادارة العالم فترقب أي حركة في العالم وتتخوف من خروج نظام عالمي جديد يزاحمها في تفردها الدولي , اضف لذلك رؤيتها في أن لها الحق في خيرات وثروات الآخرين وهذا هو محور السياسة الامريكية التي تقوم على المبدأ الرأسمالي الذي يهدف للاستئثار بخيرات الأمم .
في الحقيقة داعش لم تصل لمرحلة إحداث خطر على أمريكا وسياستها الدولية ولا الاقليمية لكن وراء الاكمة ما وراءها . فأمريكا بحلفها هذا لا تقصد تنظيم داعش منفردا بل تستهدف كل التيارات والحركات الإسلامية التي تأبى التبعية لسياستها وترفض السير في مخططاتها لا سيما على الاراضي السورية . والحاصل في حربها هذه تدمير لثروة الأمة وازهاق لإرواح المدنيين ونشر لهيمنتها على المنطقة ، فإستراتيجية الإمساك بالمنطقة ومن حولها إمساكا تريده أمريكا لا انفكاك بعده ، استراتيجية قد تستغرق سنوات وليست اشهرا كما صرح بذلك العديد من القادة الامريكيين ، وكل ذلك لنهب ذهب المنطقة الاسود وتيسير تدفقه الى مخازن أمريكا ، وأن تحول دون خروج قوة من اهل المنطقة تقف في وجه سياستها وتسعى للاستقلال الحقيقي الذي ينهي النفوذ الغربي في المنطقة ، وما مكافحة الإرهاب الا غطاء نسجته أمريكا لتخفي ما تحته .
صحيح إن لتنظيم داعش اخطأ ولكن هذه الاخطاء يجب أن تصحح وتعالج بأيدي وعقول ابناء المسلمين ولا يسمح لأصحاب المصالح من الدول بسط نفوذهم وهيمنتهم على المنطقة بحجة محاربة هذا التنظيم .
عطية الجبارين