ماذا خسر العرب بخروج بريطانيا؟

حجم الخط
7

لا يُدرك الكثير من العرب والمسلمين أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سوف يكبدهم خسائر فادحة، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي، وهذا ينسحب على العرب كدول ومواطنين في بلدانهم، أو على البريطانيين العرب الذين باتوا يشكلون كتلة انتخابية مهمة في المملكة المتحدة، وأصبحوا – إلى جانب المسلمين- ذوي وزن لا يمكن التغاضي عنه في أي عملية انتخابية.
ومن المهم الالتفات الى أنَّ احصاءات ما بعد الاستفتاء تشير الى أن أكثر من 30٪ من مسلمي بريطانيا صوتوا لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي، وليس البقاء، ما يعني أن نصف مليون صوت على الأقل من العرب والمسلمين ذهبت لصالح الحملة الداعية للخروج من الاتحاد، على اعتبار أنه يوجد في بريطانيا نحو 2.5 مليون مسلم، وأن نسبة كبيرة منهم لا يحق لهم التصويت بحكم السن القانوني، ونسبة أخرى لم يكترث بالاستفتاء ولم يُدل بصوته، ما يعني أننا تقديراً نتحدث عن نصف مليون صوت.
بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يتأثر العرب على المستوى السياسي وعلى المستوى الاقتصادي، وربما على مستويات أخرى أكبر وأبعد، ويتكبد العرب خسائر حقيقية من جراء هذا الخروج، خاصة على الصعيد الاقتصادي الذي لم يخطر ربما ببال الكثيرين.
أولاً: على المستوى السياسي، يمثل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي انتصاراً ساحقاً لليمين المتطرف، بل هو أهم انتصار انتخابي يُسجله اليمين في تاريخ أوروبا، كما أننا أمام أهم ضربة يتلقاها اليسار والمعتدلون ومناصرو القضايا العربية، والدليل على ذلك أن حزب العمال البريطاني شهد زلزالاً سياسياً في اليوم التالي للاستفتاء عندما استقال 12 من وزراء حكومة الظل، تاركين زعيم الحزب جيرمي كوربن وحيداً، ومهددين مستقبله السياسي، وهو الرجل المناصر لفلسطين والمناهض لحرب العراق والمؤيد للقضايا العربية والمتعاطف مع اللاجئين السوريين.
ثانياً: على المستوى الاقتصادي فإن بريطانيا هي اهم مركز استثماري واقتصادي للعرب عموماً، ولدول الخليج على وجه الخصوص، خاصة صناديق الاستثمارات السيادية التي تلعب بمليارات الدولارات في أسواق لندن، وهذه الصناديق تتعامل مع بريطانيا على أنها بوابة السوق الأوروبية، وأنها ذات نظام سياسي واقتصادي مستقر، وبالتالي فإن الأموال فيها تواجه مخاطرة أقل من أي مكان في العالم، فيما جاء استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي ليوجه ضربة قاسية لهذه الأموال وهذه الصناديق الاستثمارية.
ولمن لا يعرف فان الصناديق السيادية الخليجية تمثل مصدراً للدخل المالي لا تقل أهمية عن النفط والغاز، فأبوظبي مثلاً تمتلك أكبر صندوق سيادي في العالم (حجمه 773 مليار دولار)، وكذلك السعودية (675 مليار دولار) وقطر والكويت لدى كل منهم واحد من أكبر صناديق الاستثمارات في العالم، وهي صناديق مليارية عملاقة تدر على البلاد دخلاً مالياً مهماً، وزادت أهميته مؤخراً بهبوط أسعار النفط، وصولاً الى أن السعودية باتت تخطط للاعتماد على الاستثمار بدلاً من النفط في السنوات المقبلة.
والأمثلة على خسائر الاستثمارات الخليجية من خروج بريطانيا كثيرة وعديدة، فشركة الخطوط الجوية البريطانية خسرت ربع قيمتها السوقية في الساعات الأولى التي تلت الاستفتاء (أكثر من ملياري جنيه استرليني)، ليتبين أنَّ أكبر حامل لأسهمها هو الخطوط الجوية القطرية (15٪ من الأسهم)، أي أن دولة قطر خسرت في يوم واحد وشركة واحدة أكثر من 300 مليون جنيه استرليني.
ثالثاً: تسببت نتائج الاستفتاء بهبوط حاد في أسعار النفط تجاوز الـ6٪، وسط توقعات بأن تواصل الأسعار هبوطها بسبب الخروج الذي سيؤدي الى ركود اقتصادي محتمل في القارة الأوروبية بأكملها، وهو ما يمكن أن يعيد الأسعار الى مستويات بداية العام (حوالي الـ30 دولاراً)، الأمر الذي يعني تراجع إيرادات النفط بالنسبة لدول الخليج مرة أخرى بعد تعافيها في الاسابيع الأخيرة، وهو ما قد يؤدي الى مزيد من تقليصات الانفاق العام في دول الخليج، ويؤثر على العالم العربي بأكمله (علينا أن لا ننسى أن السعودية صاحبة أكبر وأهم اقتصاد عربي، وهي أكبر منتج للنفط في العالم).
رابعاً: على المستوى الانساني، فان نتائج الاستفتاء قد تؤدي الى تردي أوضاع اللاجئين السوريين الذين تدفقوا على أوروبا هاربين من الحرب، وقد تؤدي الى تزعزع أوضاع غيرهم من المهاجرين العرب، وإن كان من المهم هنا الاشارة الى أن أزمة المهاجرين التي تعاني منها بريطانيا لا علاقة لها بالعرب ولا بالسوريين الذي يتدفقـــــون بشكل أساس على ألمانيا، إنما في بريطانيا الحديث عن الهجرة من داخل دول الاتحاد الأوروبي، وتحـــــديداً من الدول التي انضمت مؤخراً الى الاتحاد ويتدفق مواطنوها على بريطانيا للاستفادة من أوضاعها الجيدة نسبياً مقارنة بغيرها.
خلاصة القول، إن العرب خسروا وسوف يخسرون كثيراً بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وليس صحيحاً أنهم في منآى عن تداعيات هذا الزلزال السياسي والاقتصادي، وأن تخسر بورصة لندن في يوم واحد 125 مليار جنيه استرليني (170 مليار دولار) فهذا يستدعي أن نفتح سؤالاً مهماً وكبيراً مفاده: كم من مليارات العرب تبخر في هذه المعمعة؟

٭ كاتب فلسطيني

ماذا خسر العرب بخروج بريطانيا؟

محمد عايش

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    لم يخسر إلا الغني يا أستاذ عايش ! يستاهلوا – لماذا لم يستثمروا بالبلاد العربية والإسلامية ؟
    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول م . حسن .:

    الإستثمار مخاطر وفرص . الخسائر دفترية خوفا من مخاطر وتداعيات خروج المملكة المتحدة من الإتحاد الأوروبي , وهو ما سيتكشف خلال الأسابيع القادمة , وفي ذات الوقت تخلق التطورات فرصا أفضل لإستثمارات جديدة .

  3. يقول طارق من تونس:

    المغرب العربي لن يخسر الكثير، علاقة بلدانه ضعيفة جدا مع بريطانيا.

  4. يقول محمد صلاح:

    هذه فرصة عظيمة الصناديق الاستثمارية العربية لتحقيق أرباح عند تقلبات السوق
    كل رجال المال الكبار يضاعفون اموالهم من انهيار البورصات وعودتها للصعود من أمثال وارن بافيت وجورج ساويرس وغيرهم
    والفرصة متاحة حاليا لمن يرغب من العرب للربح للمدى البعيد وخاصة بسبب ضعف الجنية الاسترليني وهو شراء العقارات فى لندن

  5. يقول م . حسن .:

    أفضل مجالات الإستثمار في تكنولوجيا الإنتاج , والمعرفة بمجالاتها المتعددة . المعرفة قوة .

  6. يقول احمد الجبالي:

    في المقابل هنالك ما يمكن ان يصب في صالح العرب من حيث ان خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سوف ينتج عنه تفكك المملكة المتحدة الى دول صغيرة لا وزن لها على الساحة الدولية الامر الذي سيفقد الولايات المتحدة الامريكية أحد أقوى الحلفاء في حروبها ضد العرب والمسلمين ولا ننسى كذلك ان إنجلترا لن تتمكن عندها من الاحتفاظ بمقعد بريطانيا الدائم في مجلس الأمن وبهذا تفقد “إسرائيل” مدافعاً شرساً عن حروبها العدوانية والمتكررة على قطاع غزة

  7. يقول ابو اياد:

    منذ الازل لم تأت المصائب لبلادنا الا من خلال سياسات الدولة البريطانية ضد العرب والمسلمين
    فهي التي وطنت اليهود في فلسطين
    وما وعد بلفور عنكم ببعيد
    وتخسر دول الخليج ما تخسر على الاقل تقلص دعمها للدولة العبرية وينحسر تعاونها معها
    ضد دول عربية اخرى
    اما اللاجيء السوري والعربي فله الله في حله وترحاله
    الى حيث القت حملها ام قشعم فلا يضيرنا من بريطانيا شيء

إشترك في قائمتنا البريدية