تحتفل الحركة الأمازيغية في الجزائر، بالربيع الأمازيغي في 20 أبريل من كل سنة. وهو ما يعني أن الأمازيغية كحركة شعبية مطلبية، تملك حوالي اربعين سنة من العمر (1980) إذا انطلقنا من هذا التاريخ. لكن إذا انطلقنا من مرحلة أقدم، مثل نهاية الأربعينيات التي عرفت محطة الأزمة البربرية (1949) أو بداية الثلاثينيات التي تفضل التأريخ (الاحتفال بمئوية استعمار الجزائر 1930) بها بعض القراءات، فإننا سنجد أنفسنا أمام عمق تاريخي أكبر.
عمق تاريخي ينطبق على الحالة الأمازيغية في منطقة القبائل تحديدا، وليس على كل المناطق الناطقة بالأمازيغية في الجزائر، كمنطقة الأوراس أو بني ميزاب أو الطوارق في أقصى الجنوب، الذين لم يلتحقوا بالمطلب الأمازيغي إلا في ثمانينيات القرن الماضي، بشكل محتشم، في بعض الأحيان، عن طريق وسائل فنية وثقافية في المقام الأول (الأغنية /الشعر، الخ).
هذا التميز القبائلي داخل المشهد الأمازيغي الوطني وحتى المغاربي، لابد له من تفسير، معطيات سوسيو ـ ثقافية كثيرة، يمكن أن تساعدنا على فهم لماذا بادر أبناء منطقة القبائل بطرح المطلب الامازيغي بالشكل الذي عرف به تاريخيا؟ زيادة على الحجم الديموغرافي الكبير لأبناء منطقة القبائل، لابد من التركيز على قربهم من العاصمة وهجرتهم الكثيفة داخل وخارج البلد، بالإضافة إلى استفادتهم المبكرة من التعليم العصري في المدرسة الفرنسية والوطنية لاحقا. شروط لم تتوفر لأبناء المناطق الامازيغية الأخرى، لكي تؤهلهم إلى احتلال مواقع الريادة في قافلة المطلب الامازيغي الذي منحته منطقة القبائل الكثير من صفاتها وخصائصها.
فقد سيطر على سبيل المثال المثقف القبائلي العصري، بحمولته الثقافية والفكرية على الطرح الامازيغي، هو الذي هاجر إلى فرنسا وتعلم لغتها ونهل من حياتها الفكرية، التي جعلته أقرب إلى الاطروحات العلمانية. تعلق الأمر بالعامل الأمي أو شبه الأمي الذي كون نواة البرجوازية القبائلية لاحقا، أو الطالب الجامعي الذي انضم إلى النخبة الوطنية بعد الاستقلال، وسيطر بشكل واضح على مواقع السلطة.
هذا الوضع جعل الكثيرين يختزلون المطلب الأمازيغي وطنيا في منطقة القبائل ومناضلها العلماني، صاحب العلاقة المتوترة مع اللغة العربية والدين الإسلامي. ولم يوسعوا رؤيتهم لمشاهدة التنوع الوطني والمغاربي، الذي يملكه الحامل الاجتماعي الأمازيغي. فالمناضل الأمازيغي المزابي أو الشاوي، على سبيل المثال، لا يعادي العربية ولا الإسلام، لدرجة تجعلنا نقول إن الحل المزابي للمسألة اللغوية تحديدا، قد يكون الحل الأكثر توازنا وعقلانية، وقد يكون حلا لمستقبل الامازيغية في كل المنطقة المغاربية. فالمزابي يتحدث بسلاسة العربية، مع محيطه المعرب، والفرنسية مع سكان المدن من الفئات الوسطى، التي انتقل للتجارة فيها، لكنه يصر على الحديث بلغته الأمازيغية ضمن محيط عائلته ولا يتعامل بغيرها.
مقدمة طويلة كانت ضرورية للقول إن الربيع الأمازيغي عندما يعود هذه السنة، سيجد أن المطلب قد حقق الكثير من المنجزات في الجزائر، على غرار الاعتراف الرمزي بالناير عيدا وطنيا، ودسترة الامازيغية لغة وتدريسها الوطني، والأهم من ذلك ربما الانفراج الذي يميز الطرح الأمازيغي وطنيا وإقليميا. فالمتابع للحياة الفكرية والسياسية للجزائر، سيكتشف أن هناك قبولا كبيرا بالمطلب الأمازيغي، ليس على المستوى الرسمي والنخب الحاكمة فقط، كما عبرت عنه الإجراءات الرسمية الأخيرة، بل شعبيا كذلك. رغم بعض التشنج الذي ما زال قائما لدى بعض الأوساط الفيسبوكية. أكثر من تشنج سيجده الربيع الأمازيغي في منطقة القبائل، على شكل حركة تطالب بانفصال المنطقة و»وتحريرها من الاستعمار الجزائري» كرد فعل للنجاحات الكثيرة التي حققها المطلب الأمازيغي، والتي تخيف جزءا من أصحاب القضية القدماء، الذين انتكسوا إلى ما قبل الوطني، كما هو حاصل في أكثر من منطقة في العالم.
الأهم من ذلك سيجد الربيع الامازيغي أن هناك أجيالا جديدة وراء المطلب الامازيغي، ليس في منطقة القبائل التي تحملت الوزر الكبير، بل حتى في مناطق أخرى، تريد أن تنافس القبائلي الذي «احتكر» تاريخيا بالمطالبة، ومنحها جزءا كبيرا من خصائصه، لنكون في المقابل امام أجيال كبيرة في السن وفي النضال تعيش حالة إعياء فعلي، بعد أن ناضلت وحققت الكثير، لكن توجد في حالة ارتباك ولا تعرف بما تطالب به الآن، وكيف تتعامل مع محيطها المؤسساتي والفكري الجديد، بعد تحقيقها لهذه الانتصارات. أجيال مناضلة، مطلوب منها قراءة المشهد الجديد بكل تفاصيله، نقاط قوته ونقاط ضعفه، حتى لا تخطئ التقدير في هذه المحطة الجيلية الحساسة، التي يتأهب فيها جيل جديد أكثر تنوعا في تبني القضية والدفاع عنها وطنيا وإقليميا، من مناطق أوسع من منطقة القبائل التي كان لها السبق التاريخي. فحالة الصعود التي يعيشها المطلب الأمازيغي يجب ألا تجعل هذه النخب المدافعة عن المطالب استسهال التحديات المطروحة ليس «التقنية» فقط، كقضية تدريس الأمازيغية وحروف كتابتها، وما يتطلبه من مجهود علمي وفكري جبار، لم يقم به الأمازيغ حتى الآن في كل بلدانهم. وهو ما يؤكد أن الجزائر لا تواجه تحديات سياسية فقط، فمشاكلنا الأكبر، هي كذلك قضايا فكرية واجتماعية، لابد من التطرق لها في هذا الجو الجديد، الذي بدأ فيه المطلب الامازيغي، يجد طريقه نحو القبول وبداية الحل. على غرار قضية الحريات بمنظورها الأشمل، بما فيها الحريات الدينية من داخل وخارج الإسلام، التي بدأت تطرحها بعض الفئات الشابة بجرأة في الجزائر، كنتيجة لبروز الفرد «الأنا «، ابن التحولات التي قادتها الدولة الوطنية منذ الاستقلال، التي كان انتشار التعليم على رأسها. قضية المرأة هي الأخرى من القضايا التي تنتظر الجزائريين، فهي مازالت أمامهم وليست وراءهم، كما قد توحي بعض مظاهر التقدم التي أحرزتها المرأة الجزائرية. التي تملك مؤهلات المرأة التونسية نفسها، لكنها لا تملك حرياتها وحقوقها.
المنظومة التعليمية بكل التخبط الذي يعرفه تسييرها ومحتواها المتخلف، المعادي لذكاء أطفالنا، هي الأخرى من الورشات الكبرى التي تنتظر الجزائريين، هم الذين فشلوا في التطرق لها كمعضلة عويصة يختلفون كثيرا حولها، عندما كان الوضع المالي للبلد يسمح بذلك، طول فترة حكم الرئيس الحالي. بالطبع هناك مسألة الحريات السياسية التي من دونها لا يمكن أن نقوم بالحوار بيننا كجزائريين لطرح كل هذه القضايا والتفكير في حلول مقبولة لها. فالحرية وحدها هي التي تسمح لنا أن نستقبل الربيع الامازيغي هذه السنة ونحن في بداية الطريق الصحيح، للتصالح مع أنفسنا.
كاتب جزائري
ناصر جابي
الأمازيغ والعرب من أصل واحد وهو اليمن ! ولا حول ولا قوة الا بالله
هناك من لم يترك علما إلا و أجهز عليه … سبحان اللهم … :)