العرب لا يختلفون في الجوهر عن أي شعب آخر على هذه الأرض. وما يريدونه ليس معقداً، لكنه في الوقت نفسه يبدو مستحيلاً. يريدون الحرية وهو مطلب شرعي لأنه لا شعب طبيعياً يقبل بأن تسرق منه حريته. المشكلة الوحيدة هي أنهم يريدونها بمقاساتهم الذاتية، وتشبههم ولا يريدون بذل أي جهد من أجل اكتسابها. يريدونها كما يشتهونها، تضيق وتتسع بحسب، لا الحاجة الاجتماعية، ولكن المزاج وما يخدم الذات الحاكمة أو المتسلطة.
العرب يريدون العدالة، لا ضير في ذلك، بل هي ضرورة بشرية طبيعية، لكن يريدونها مع الاحتفاظ بمجتمع القنانة وبلا قوانين أمية، وكأن القانون الحامي مزعج لأنه يمكن أن ينقلب ضدهم، أو على الأقل هكذا يتصورن. يريدون عدالة إلهية وبشرية، لكنهم يدوسون القوانين صبحاً ومساءً، من المسؤول الذي يظلم ويأكل حق الغير، إلى سائق السيارة الذي لا يتوقف عند الإشارة الحمراء، إلى الشغالة التي تغش في أوقات العمل. مشكلة الأمراض الاجتماعية أنها عندما تمس جسداً مريضاً تأكله كلياً بمعاونة كل الشرائح الاجتماعية.
ويحلم المواطن العربي بمجتمع نظيف ويتمناه بقوة، لكنه يعمل بكل الوسائل على إفساده بالنهب المستشري، والفساد، كل بحسب السلم الاجتماعي الذي ينتمي إليه. أكثر من هذا كله. يريدون حباً حراً ليتمكنوا من العيش والاستمتاع بالحياة، ويحبذون زوجة مقيدة بالتقاليد القاتلة وكأن المرأة الحرة تزعجهم، وعاشقة حرة إلى الأقاصي وكأن الذهن مزدوج التكوين بين التحليق نحو السماوات والجاذبية الأرضية. لأن المرأة الحرة في النهاية، تموت بسرعة في مجتمع غير حر.
إذا تأملنا القوانين العربية تجاه المرأة، سنجد بدون جهد كبير، أنها ما تزال تحكمها علاقات اقطاعية، تنحت دوراً بائساً للمرأة في المجتمع. لنا في قوانين الذي خُطّ لتكبيل المرأة، الدليل القاطع على أن حالة التخلف التي يعاني منها العالم العربي أصبحت للأسف قوة معطلة لأي تطور. ما يزال الرجل العربي يعرف حقه جيداً ويتزوج أربع نساء، وربما سرياً، ما ملكت إيمانه وينسى أن مسألة التعددية الزوجية، حتى على المستوى الديني، تقع على حافة التحريم. أكبر كسر لأنا المرأة النفسي، أن ترى فراش زوجها تتقاسمه معها نساء أخريات، في المساحة البيتية نفسها. هناك قوانين عربية تعاقب بشدة تصل حتى السجن، الرجل الذي يعتدي على زوجته. لا بد أن نقول إن ذلك خطوة مهمة. لكن ماذا لو قمنا بعمل إحصائي وتساءلنا: هل قلّت الاعتداءات منذ صدور القانون؟ كم امرأة قدمت شكوى ضد زوجها؟ وكم زوح سجن بالخصوص وان الجرائد تتجشأ بالاعتداءات؟ ما تزال المرأة معتدياً عليها. تتعلم وتتكون ثقافياً، وفجأة عندما تنفتح أمامها أبواب تكوين أوسع، تحدد وظيفتنا بدورها في البيت لتصبح جزءاً من الأثاث العام، مع الزمن، تتحول إلى أداة إنجاب فقط، وتغيب حياتها الخاصة في دوائر البيت والصعوبات النفسية والحياتية.
نحتاج إلى بناء إنسان آخر يحفظ الحياة في أعالي عنفوانها. نريد مدرسة يكبر فيها أبناؤنا ويتعلمون ويكونون متفوقين، لكننا نرفض أن تتغير هذه المدرسة وأن يتم إصلاحها عميقاً. وكلما نودي بتجديدها وتطويرها، أقامت المجموعات ذات المصالح الخفية أو المعلنة، الدنيا ولم تقعدها.
في النهاية، نجد أنفسنا نركض نحو المؤسسات الأجنبية لأبنائنا. في هذا السياق، أكبر شيء فقده العربي ولا يمكن تعويضه، هو الثقة في نفسه التي خسرها نهائياً وعوضها بالخطاب والنفخ الفارغ.
ماذا يريد العرب أيضاً من الآخر؟
يريد العرب من الغرب سياسة عادلة تنصفهم وتنصف تاريخهم وقضاياهم، وتدافع عن صورتهم لكنهم أول من ينسف الصورة مانحاً كل وسائل المسخ للآخر. هو أول أول من يتآمر مع الغرب الاستعماري نفسه ضد حبيبه أو جاره، بل ويمنح الاخر المتربص كل وسائل التدمير والتمزيق. ما تزال الأطماع العربية ضد بعضها البعض قائمة وتندر بحروي تتكون بهدوء في سكينة الخوف. سوريا لم تقبل أبدا بحدودها مع لبنان وفق مقتضى الحدود التي خلفها الاستعمار. المغرب لم يحسم أمر حدوده مع موريتانيا إلا إلا في السنوات الأخيرة وفي والجزائر اصبحت المسألة مخزن بارود. العراق مع أكراده أين تبدأ حدودهم وأين تنتهي. ويمكن أن نقيس على ذلك. كل مخازن بارود تنتظر من يشعل ويمكن الغرس الاستعماري نفسه أن يوقضها. لا صورة للعربي إلى ما يصنعه هو عن نفسه وما ينجزه عنه الآخرون. يريد العرب أن يكونوا مجتمعاً متآخياً تلتقي فيه كل الديانات والأعراق والطوائف، لكن يحرضون أنفسهم ضد أنفسهم. كل العرب.
ولنا في العراق النموذج الواضح في التقاتل التحتي شيعي سني كردي. بل أخطر ما حدث في السنوات الأخيرة هو تمزق النسيج العربي، ومقابله تفريغ كلي للأرض العربية من مسيحييها الذين كانوا يخلقون توازناً حياً ويسهمون في عقلنة المجتمع. والغرب في مشاريعه التي ما تزال غامضة، يسير نحو هذه الممارسة من تجفيف التعددية الدينية مثلما حدث مع يهود الشرق بعد الاستقلالات الوطنية وهزيمة 1967 وقانون كريميو التي مزق النسيج الجزائري الذي جنس يهود الجزائر فرنسيا. العرب يريدون السلام. لا شك في ذلك وهي رغبة تكاد تكون جينية عند كل إنسان ظلم طويلاً. أوقف العرب حربهم التاريخية ضد إسرائيل، بعد اختلال التوازنات العسكرية وهيمنة دولة الاحتلال، في كل شيء بما في ذلك امتلاك النووي الذي جعل العرب قوة مشلولة.
شيء واحد أفلح العرب فيه، في السنوات الأخيرة هو تدمير بعضهم البعض بالتواطؤات أو بالحروب الكلاسيكية المفتوحة. وهو ما سيؤدي حتماً إلى حالة الإفناء الذاتي والتراجع عشرات السنين إلى الوراء. نريد ان يكون لنا تاريخ حي ولكننا نعمل على تدميره بقوة. من هنا، فالمستقبل مفتوح على مخاطر جمة وصراعات لا حصر لها ولا أفق أيضاً ولا أدري إذا كان هناك حل في الأفق؟
المتأمل للصراعات العربية البينية، وفي ظل جامعة عربية مشلولة، وصورة عربية دولية، في المخيال الأوروبي، عن العربي، لم يشهدها التاريخ من قبل، لا يمكن لهذا الانهيار الجزئي إلا أن يصبح كلياً كيفما كانت المظاهر، ومن هنا مخاطره.
واسيني الأعرج
استاذي المحترم شكرا لهذه القراءة الموضوعية.
* يا اخ ( واسيني ) حياك الله .
* انت فتحت الجروح يا طيب ولم تواسينا ؟؟؟
* المشاكل ( الاجتماعية ) والمصائب ف العالم ( العربي )
لا حصر لها والمطلوب حلولا ( واقعية ) بجانب التحليل والتنظير وشكرا
سلام
الاستاذ واسيني…حيّاك الله وبيّاك…..لقد أحسنت التشخيص…نأمل في مقال تال أن ترشد الى العلاج…تحياتي.
القاه في اليم مكتوفا وقال له اياك اياك ان تبتل بالماء
المطالب و العيوب التي ذكرها الكاتب الكريم طبيعية جدا وهي نتيجة تراكم اوضاع عديدة اسوأ ما فيها انها افقدتنا النخب.
لا يصلح القوم فوضى لا سراة لهم و لا سراة اذا جهالهم سادوا
طبعا لدينا عدد من النخب و لكنها اقل مما يلزم و تعمل مثل محرك صغير لقطار كبير سيصاب بالعطل و يحتاج الى صيانة اكثر من فائدته
الحل الوحيد للخلاص من كل هذه الامراض التي ذُكرت يكمُن في إستأصال
الكيان الصهيوني من قلب الجَسَد العربي والاسلامي فلسطين الى الابد! والا فان
هذا المرض السرطاني الخبيث سينتشر الى كل أجزاء الجَسَد وبعدها يصعب
استأصاله! الذي سيؤدي الى نهاية الجسد العربي بلا محالة. لأن الكيان الصهيوني كان وما زال وسيبقى سبب كل المصايب التي حلت بنا!
العرب جمدوا نموهم الحضاري بأيديهم قبيل النهضة الأوروبية التي استنزفت الفكر العربي فلسفيا وعلميا وحضاريا ولم تقم قائمة العرب من البحر الى البحر (ولن تقوم) حتى يغيروا عقليتهم جذريا من (أ) الى (ي)!
العرب قوة لاتقهر والفكر العربي اصله التسامح وما هذا الزخم الحاصل الان دليل على ان الفكر العربي يبحث عن مكانه السوي بعدما غيب بعوامل عدة تجند لها الجميع منها من تغنى بحرية المراة العربية حتى افسدوها واخرجوها عن طبيعتها وهناك من ايد الاستبداد حتى اكله والاخر تغنى بالقوميات حتى اشتعلت حروب والحقيقة ان العرب ولدوا احرار ويعشقون الحرية الحرية التي لا تعتدي ولا ترضى بالدنية كما قال بن باديس رحمه الله المجد لله ثم المجد للعرب من انجبوا لبني الانسان خير نبي
الأخ واسيني،
منذ أيام، كتبتُ تعقيبًا على مقال غادة السمان «كلنا عملاء لإسرائيل!» (ق ع، 18 آذار 2016) ما يلي:
لماذا يقتل العرب بعضهم بعضًا نيابةً عن أعدائهم؟
هذا القتل الذاتي مرض نفسي-اجتماعي من أمراض التخلُّف والبدائية، مرض انتحاري جماعي قديم قدم الجنس البشري نفسه، مرض قطيعي خطير لم يتخلَّص منه حتى أكلة اللحم البشري الذين ما زالوا يتواجدون في أصقاع مختلفة من هذه الأرض. إذ يتجلى السلوك «الطبيعي» لهؤلاء «البشر» البدائيين من خلال نزعة أو نزعات التهامية شديدة تعتريهم نحو قوم من الأقوام العدوَّة على وجه التحديد. فإذا لم يتمكن هؤلاء «البشر» البدائيون من تحقيق هذه الرغبة أو الرغبات الجامحة بأي من الوسائل الاصطيادية المتوفرة لديهم، فإنهم في الأخير يلجؤون إلى التهام بعضهم بعضًا على طريقة أو مبدأ «الأبعدون أولى بالمعروف»، بمعنى أنهم يشرعون في التهام الصديق الأكثر بعدًا إلى أن يصلوا إلى الصديق الأقل بعدًا أو حتى إلى الصديق الأكثر قربًا (إن لم يتوفر من هو أبعد منه)، وهلمَّ جرًّا.
وأما السَّببُ الجوهريُّ لهذا المرض النفسي-الاجتماعي البدائي فهو، ببساطة شديدة، التأخُّر الخمولي والفتوري بكلِّ أشكاله، كتأخُّر القارئ أو القارئة عن مجرَّدِ قراءةِ الخبر المعنيّ بعد مُضي عدد من الأيام أو عدد من الأسابيع أو عدد من الشهور أو حتى عدد من السنوات على حدوث هذا الخبر. فما بالكم في تأخُّر كاتبة مخضرمة مشهورة عن مجرَّدِ الكتابةِ عن فيلمٍ يعود بتاريخه إلى ما قبل أكثر من ربع قرن (1990)، سواءً كان هذا الفيلمُ بدايةً سينمائيةً ممكنةً لتيارٍ يحترم العربي والمسلم أم لم يكن؟؟؟!!!