لا نريد لأحد أن يخدع نفسه، ولا أن يصور الأحداث المؤسفة في «الوراق» كجملة اعتراضية عابرة، فقد حذرنا كثيرا من انزلاق البلد إلى انفجارات اجتماعية متفرقة، ومن الغضب الكامن في نفوس الناس، الذي قد تفجره شرارة تصرفات سيئة واردة جدا، وتحوله إلى مشاهد محزنة، وعلى نحو ما جرى أخيرا في «جزيرة الوراق» بنيل القاهرة، وأدى إلى قتل مواطن وإصابة العشرات من الأهال ورجال الشرطة.
وحسنا أن السلطات المعنية قررت التوقف، وإعادة النظر، ولجأت إلى قدر من التهدئة مع أهالي جزيرة «الوراق»، وهم ليسوا سواء في موقفهم القانوني، فأغلبهم يقيم على الجزيرة النيلية أبا عن جد، ولديهم أسانيد ملكية وحيازة متقادمة منذ عشرات السنين، في ما الأقلية بينهم في وضع شاذ، واغتصب فعلا أراض مملوكة للدولة وهيئاتها، ولابد من تصحيح الوضع، وإزالة التعديات المرتكبة من الكبار والنافذين بالذات، وتقنين أوضاع الآخرين في الزراعات والمباني، واستيفاء الحق العام، والإعلان المباشر الشفاف عن أي مشروعات تطوير أو استثمار تنويها الدولة.
وحتى في حدود وضع الجزر النيلية، وعددها كما يقال رسميا 118 جزيرة، فالقصة أوسع كثيرا من مشاكل جزيرة الوراق، ونحن بصدد 32 ألف فدان في الجزر كلها، وأشهرها في نيل القاهرة بالذات، وحيث تتزايد الاغراءات ومطامع المستثمرين المتلمظين، فقد جرت أزمات شبيهة في السنوات الأخيرة لحكم المخلوع مبارك، خاصة في جزيرة «القرصاية»، الأصغر كثيرا من جزيرة الوراق، وتواترت صدامات مع الأهالي الساكنين والمزارعين، وجرى اللجوء إلى القضاء، الذى أنصف الأهالي، وألزم الدولة بتقنين أوضاعهم على نحو شامل في «القرصاية»، تماما كما في جزيرة «الذهب» المجاورة، وفي «الوراق» نفسها، التى شهدت صدامات سبقت، وكانت محلا مختارا لتصوير أعمال سينمائية شهيرة، دارت ثيمتها الرئيسية في دراما الصدام الثلاثى بين الأهالي والسلطة مع ظلها الزاحف من المستثمرين الحيتان.
ولا أحد يريد التقليل من ضرورة فرض هيبة الدولة، وعلى أن تكون هذه الهيبة في محلها، حامية لصحيح القانون، متوخية للعدالة والإنصاف، وبغير صدام أهوج مع أغلبية المصريين فوق الجزر أو خارج النيل، فالأغلبية لا تجد ملاذا ولا قوتا غير ما فعلت، حتى لو لم تكن اتبعت الإجراءات الصحيحة قانونا عن جهل أو عن عجز، فالمطلوب هو التصحيح لا الهدم، ولا اللجوء إلى تشريد الناس، وليس لهم من حطام الدنيا سوى بيوتهم الفقيرة، التى هي أوطانهم، ومن حقهم أن يستشعروا ظلما، أو أن يستشيطوا غضبا، إذا داهمتهم البلدوزرات على غير توقع ولا إنذار ولا استحقاق، فقد لا يجدون في النهاية قبورا غير بيوتهم، ويفضلون الدفن تحت أنقاضها، و»ياروح ما بعدك روح»، وعلى الطريقة التى تصرف بها أهالي «القرصاية» زمن المخلوع مبارك، أو الطريقة التى بدا عليها غضب أهالي «الوراق» في الصدام الأخير، وليس مطلوبا باليقين، أن تتفاقم هذه الحالة الثأرية، فهيبة الدولة لا تكون بغير هيبة أهاليها، وضمان أن تسرى الإجراءات على نحو صحيح، يحترم توازن الحقوق، ويغري باتباع القانون إذا طال الكبار أولا، ودون جعل قوة الأمن في خدمة استثمارات مريبة غامضة، قد تريد إخلاء الجزر من أهلها الفقراء، وجعلها ملاعب غولف ومنتجعات وفنادق ترفيه، فتطوير الجزر لصالح أهلها شيء مطلوب، ونزع ملكياتهم المتقادمة شئ مستحيل، اللهم إلا إذا كان البعض ـ لا قدر الله ـ يريد للدماء أن تتدفق في مجرى النيل.
والقصة في النهاية أوسع من الجزر، وأكبر من مطامع غامضة في قطع أراض مميزة في قلب النيل نفسه، أو على حوافه الزاهية بالأضواء المتلألئة فوق المياه، ففي «مثلث ماسبيرو» على النيل مثال آخر، وقصة صدام مستتر متصلة لسنوات، جوهرها أن عناصر متنفذة، تريد القيام بدور «المشهلاتي»، وتستكثر على الناس العاديين نعمة الإقامة في هذه الأماكن المميزة، وتريد وضع قوة الدولة في خدمة الحيتان، وبدعوى إقامة منتجعات وفنادق ومساكن فاخرة، وتكرار ما جرى على شاطئ البحر في شاطئ النيل، فقد جرت «خصخصة» شواطئ مصر على البحر الأبيض المتوسط، ولم يعد هناك سوى القليل جدا مما قد تصح تسميته بالشواطئ العامة، المتاحة لسواد الناس من الفقراء والطبقات الوسطى، وصارت غالبية الشواطئ في واحد من وضعين، إما ملكا مقتطعا بالجبر لهيئات متنفذة، أو حكرا لمليونيرات ومليارديرات الزمن الرديء، وإلى حد أنك تستطيع قراءة وضع مصر الاجتماعي من شواطئها، ففي مصر طبقة لا تزيد عن واحد بالمئة من عدد السكان، تستحوذ على نصف إجمالي ثروة وموارد المصريين، وكونت ثرواتها غالبا بطرق داست أعناق القانون، واستعانت بتداخلات السلطة والثروة والإعلام، وشفطت شواطئ البلد بعد ابتلاع غالب أرضها، وأنفقت تريليونات الجنيهات المنهوبة على أماكن ترفيه وشاليهات، لا تذهب إليها غالبا سوى أسابيع في صيف كل سنة، ووصل ثمن الشالية الواحد إلى قرابة الخمسين مليون جنيه (أي قرابة ثلاثة ملايين دولار)، وتبدد موارد البلد في مجالات لا تضيف طاقة إنتاجية من أي نوع، ولا تولد فرص عمل لملايين العاطلين، فلا ينشئ أحدهم مصنعا، بل يكتفي بوضع طاقة الدولة في خدمته، وعلى نحو ما يبدو فاقعا بطول وعرض مصر، من منتجعات الساحل الشمالي إلى منتجعات شرم الشيخ، التي تمد لها طرقا حديثة متطورة، تستنزف مئات المليارات من موارد الدولة المنهكة، يقال لنا إنها لخدمة الاستثمار والمستثمرين، بينما لا استثمارا يضاف، بل «استحمارا» يقيم، ولا مستثمرين منتجين، بل «مستحمرين» ومترفين.
المطلوب إذن، أن يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، وأن تجري التفرقة بين خدمة الحيتان وخدمة المصريين في عمومهم، وأن يجري استخدام قوة الدولة في محلها، لا أن تطيش الأيادي، ويجري استسهال العصف بالفقراء، وتجاهل آبار الغضب الطافحة على أفواه الناس، وإعادة ما كان، وهو مستحيل المرور بسلام، فاستعادة ما كان من ظلم، لا يترتب عليه سوى العودة إلى صدام لا تحتمله ظروف مصر المنهكة، فقوة القمع العارية لم تعد تخيف المصريين، خاصة بعد تجارب الخروج والثورة على أسفلت الشارع والميادين، والقوة المتسلحة بالعدل وحدها هي التى تقنع الناس، وتجفف آبار الغضب في حلوقهم، وهو ما يستلزم إعادة نظر شاملة في اختيارات السياسة والاقتصاد، تفكك الاحتقان السياسي بإخلاء سبيل عشرات الآلاف من المحتجزين في غير قضايا واتهامات العنف والإرهاب، وبقانون عفو عام يصدر عن رأس الدولة، وإعادة تنظيم هياكل وعمل قوات الأمن، وجعلها أكثر رشاقة وكفاءة واستباقية في الحرب ضد جماعات الإرهاب، وإلزامها بصحيح القانون، ووقف التعويل على أجهزة الأمن وحدها، فقد يكون ضمان الأمن مطلوبا باليقين، وهو ما لا ينازع فيه أحد، لكن جهاز الأمن وحده، لا يبني نظاما ولا يضمن استقرارا، فالدستور هو جوهر النظام السياسي المستقر، وهو معطل في أغلب أحكامه اليوم، خصوصا مع أجواء التنفير من السياسة، وإغلاق المجال العام، وجعل السياسة مجرد امتداد أمني، والتغول على الحريات العامة، وتصور أن يد القمع وحدها تضمن دوام الحال، والاستهانة بمشاعر الغالبية العظمى من المصريين، وجعلهم وقودا لاختيارات اقتصاد منحازة للأغنياء بغلظة، والتردد في مواصلة أشواط تصفــــية امبراطورية الفســـاد، واستعادة موارد الدولة المنهوبة، فقد أعلنت الرئاسة عن حملة لاسترداد أراضي الدولة المنهوبة، وتحركت الأجهزة المعنية للتنفيذ في حملة الأســـبوعين الأخيرين من مايو 2017، وقيل للناس إن ما جرى استرداده هائل، وإن الأراضي الزراعية المنهوبة بلغت في جملتها مليونا و931 ألف فدان، أي ما يقارب المليوني فدان، وإن أراضي البناء المنهوبة بلغت 165 مليون متر مربع، ورغم أن الأرقام تبدو أقل مما جرى في الواقع المنظور، إلا أنها تبدو ضخمة جدا، ومقابلها المالي بأسعار اليوم يكفي لسداد إجمالي ديون مصر الداخلية والخارجية، والمطلوب: استردادها فورا، وتحصيل الثمن من كبار النهابين، وليس الاستمرار في حرق غالب المصريين بأفران الغلاء، أو الاستقواء على «الغلابة» وحدهم في الوراق وغيرها، ومراكمة المظالم بحق الناس .
٭ كاتب مصري
عبد الحليم قنديل
الحكم العسكري الدموي الفاشي منذ 1952 من وراء صناعة طبقة الواحد في المائة من المتنفذين والحيتان. وقد جاء الانقلاب الأخير لينزع من الناس حقهم في حكم أنفسهم بالعدل والشورى والنظاقة الخلقية والاكتفاء الذاتي في الطعام والدواء والسلاح، وليثبت الحكم العسكري الذي بدأ قبل خمس وستين سنة قبيحة وكئيبة وبائسة. فاللهم فرج كرب المظلومين، وعليك بالظالمين وأعوانهم، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
واضح ان المقال بمثابة جرس إنذار للسفاح وعصابة العساكر الحرامية ( عصابة خير بياعين الأرض! ) أن اتقوا شر الحليم إذا غضب ! اتقوا غضبة الشعب عندما يتعلق الأمر بأبسط الحقوق مثل الحق فى الحياة و ان السيل قد بلغ الزُّبى وأن قلوب المصريون قد وصلت الى حناجرهم ، ولكنهم ( اى عصابة العساكر ) فى غيهم يعمهون ! يحاول بعضُهم بكل ما أوتى من قوة ان ينقذ للنظام مغتصب السلطة والثروة ما يمكن إنقاذة ! ولكن من الواضح ان الله سلط على السفاح وعصابتة عمى القلب و البصيرة فهم لا يعقلون ولا يفقهون ولا يسمعون ولا يبصرون !
يوم امس كانت الذكرى السنوية الخامسة والستين ليوم فارق فى تاريخ مصر والعرب يوم امس كان ذكرى إنقلاب عصابة الضباط الأشرار وإغتصابهم للسلطة ! يوم امس كان ذكرى اليوم الذى ودعت مصر بعدة الحكم المدنى الرشيد! يوم امس كانت ذكرى اليوم الذى اصبحت مصر بعدة محكومة بوكيل المستعمر بعد ان رحل المستعمر! يوم امس كان ذكرى بداية النكبات والنكسات والوكسات ! يوم امس كانت ذكرى بداية الإنهيار التعليمى والصحى والإجتماعى والإقتصادى والثقافى والفنى والرياضى والأخلاقى ! يوم امس كانت ذكرى الانقلاب الذى اسس لكل الإنقلابات العسكرية التى اتت من بعدة فى عالمنا العربى المنكوب !
يوم امس كان يوم البيادة !!!
يسقط حكم البيادة !
انما اهاك من كان قبلكم انهم اذا سرق القوى يركوه و اذا سرق الضعيف اقاموا عليه الحد
و نسى الكاتب ان يقول ان حكم الاحوان و الدكتور مرسى هم من اسكنوا الناس هذه الجزر
ما هو الحل فى رأيى الدكتور عبدالحليم قنديل ؟