القاهرة ــ «القدس العربي»: يُقام حاليا في القاهرة معرض للفنان «حامد سالم» على قاعة «راتب صديق» في أتيليه القاهرة، بعنوان «تعبيرية المرأة وعلاقتها بالرمز». يستعرض في مُجمل لوحاته علاقة المرأة المصرية برموزها الشعبية والمقدسة. من ناحية أخرى يُقام معرض آخر للتصوير الضوئي بمشاركة الفنانين «نشوى علي» و»أحمد بيرو» تحت عنوان «التنورة» في مركز البلد الثقافي في التحرير، وهو لقطات لفن «التنورة» وأصحاب هذا الفن التراثي، والذي وإن كانت بدايته في تركيا، إلا أنه أتخذ أبجديات جديدة من خلال الثقافة الشعبية المصرية. وقد يبدو للوهلة الأولى أنه لا علاقة بين المعرضين، إلا أن التزامن الصدفوي في ميعاديهما، أوحى بطريقة ما بعلاقة خفية ــ غير مقصودة ــ ما بين جسد المرأة والدائرة الأزلية للصوفية، وحركتها في رقصة التنورة، التي تشكل التقاء البداية والنهاية معا في النقطة نفسها. ولا نجد سوى قول الإمام الأكبر الشيخ (ابن عربي) «كل ما لا يؤنث لا يعوّل عليه».
نساء حامد سالم
من خلال ألوان حارة يُسيطر عليها الأحمر والأخضر ومشتقاتهما تبدو نساء الفنان حامد سالم، متداخلات مع رموزهن الشعبية والإحتفالية، رغم وجوههن الجامدة والحادة الملامح والتفاصيل، والتي تشبه إلى حدٍ كبير وجوه نساء الجنوب المصري، حيث قوة ملامح الوجه ونظرة العين الواثقة. ورغم انحناءات التفاصيل الأنثوية التي تتميز بها اللوحات، إلا أن الأجساد تتقاسمها الرموز الطقوسية، وكأنها جزء من هذا الجسد لا ينفصل عنه، كثيمة «الأسماك» المُتكررة في أغلب اللوحات، كمعادل لصدر المرأة على سبيل المثال. إضافة إلى القرط «الحَلَق» الكبير التراثي، والمفتاح المُعلّق سواء في رقبة المرأة أو أذنها، كتعويذة قديمة «مفتاح الحياة الفرعوني» ولكن في شكل حداثي يكسر إيقاع اللوحة عن قصد. من ناحية أخرى تختفي هذه التفاصيل تماماً في لوحة تشبه لوحات دفن الموتى الفرعونية، حيث تنتصب الآلهة القديمة عند رأس وقدم الشخصية في اللوحة، وهنا تتيه التفاصيل وتكاد تختفي الوجوه، نزولاً عن جلالة الحدث الدرامي/الحكائي في اللوحة، فالأمر يبدو أشبه باللطشات اللونية التي بالكاد تجسد حالة الشخصية في هذه اللحظة. اللوحة الوحيدة التي يحتل فيها الوجه المساحة الأكبر منها تمثل بدورها حالة من الفرح تتشاركها امرأتان، تقومان بإطلاق الأغاريد، كما يحدث عند خالات الفرح في الفئات الشعبية.
الجدير ذكره أن الفنان حامد سالم حاصل على درجة الدكتوراه تخصص تصوير، كلية التربية بجامعة المنيا، ويعمل أستاذا مساعدا بقسم الرسم والتصوير، في الكلية والجامعة نفسها.
دائرة الصوفية الأبدية
تعتبر رقصة التنورة من الرموز المباشرة التي تجسد الحالة الصوفية في الفن، وعن طريق عدة لقطات مُختارة بعناية التقطها كل من الفنانين «نشوى علي» و»أحمد بيرو» ليُجسدا حالة راقص التنورة في لحظة توحده مع هذا الفن وفلسفته، سواء في الحركة وتثبيتها عن طريق الفوتوغرافيا، التي توحي بإمتداد الحركة وإستمرارها خارج إطار الصورة الثابتة في الزمن، إضافة إلى الآلات المُصاحبة للراقصين وفريق المُنشدين والعازفين بالدفوف المرافقين لهم، حالة كاملة من التماهي بين الموسيقى والحركة وجسد الراقص.
ومن خلال التعريف بالمعرض أضاف الفنانان عدة معلومات عن طبيعة وفلسفة وتاريخ رقصة التنورة المصرية، من حيث كونها رقصة تركية الأصل، كانت مُقتصرة على تنورة وحيدة يلف بها الراقص نفسه، إلا أن المصريين أضافوا لها من روحهم وطقوسهم الشعبية كالدفوف والفانوس، ليصبح فن التنورة المصري فناً استعراضياً في تكامل محسوب. أما فلسفة هذه الرقصة والمُستمدة من الصوفية الإسلامية، وتكاد تكون تجسيداً فنياً وفلسفياً لها، حيث تصبح حركة الراقص معادلاً لحركة الكون الدائرية، التي تبدا وتنتهي عند النقطة نفسها، كما أن دوران الراقص الأساسي الذي يقف في منتصف دائرة أخرى يحيط بها الراقصون، فكأنه المركز الذي يدور حوله باقي الكائنات الأخرى في حركة مُشابهة، وفي درجة الإيقاع نفسها، كحالة منظِمة لحركة الكون ككل. فالدورات المتتالية تدل على تعاقب الفصول الأربعة، وتقدم الزمن وعودته كما كان، وكأن الإنسان يُسقِط عامل الزمن من حسابه، ليصبح مُتجدداً ومُتحرراً من أثقال الجسد، وصولاً إلى حالة الصفاء النفسي والروحي. كما أن الراقص عندما يرفع يده اليُمنى للأعلى وينزل اليُسرى للأسفل، فهو يعقد صلة أبدية بين الأرض والسماء، آملاً في التحرر والصعود.
وفي النهاية نرى أن الأمر لا يعدو كونه تفسيراً فلسفياً لطبيعة هذه الرقصة، لكنها في الواقع أصبحت حالة فلكلورية، لا تجذب سوى السائح والمُتمسّح بغرائب الفن الصوفي، كموضة أكثر منها حالة صفاء عقلي وروحي، كما حالات الإنشاد الديني وكل مظاهر الفن المرتبطة بالدين، أو التي تستمد منه ــ شكلاً ــ طبيعتها الفنية. فالحالة الصوفية حالة خاصة، وتجربة روحية يخوضها صاحب الحال بمفرده، ووفق إختبارات قاسية تمر بها روحه، سواء أفصح عن هذه التجارب أو أخفاها، دون التعلّق بمظاهر الحالة فقط.
محمد عبد الرحيم