لندن ـ «القدس العربي»: يسعى ليفربول بكل الطرق الممكنة وغير الممكنة للحفاظ على جوهرته الثمينة فيليب كوتينيو، من طمع العملاق الكتالوني برشلونة، الذي لا يكل ولا يمل، من الضغط على الإدارة الإنكليزية، على أمل الظفر ببديل نيمار في «كامب نو» قبل أن يُسدل الستار على الميركاتو الصيفي، مع آخر ساعات أغسطس/ آب الجاري.
الشيء المُلاحظ، أنه منذ لحظة إعلان نجاح صفقة القرن، بانتقال قطعة البلوغرانا الثابتة إلى «حديقة الأمراء»، مقابل تسديد قيمة فسخ عقده، التي تُقدر بنحو 222 مليون يورو، بدأت وسائل الإعلام تُلقي الضوء على الأسماء المُرشحة لخلافة نيمار في الإقليم المُتمرد على إسبانيا، البعض تحدث عن إمكانية ذهاب صاروخ بوروسيا دورتموند عثمان ديمبيلي، والبعض الآخر رشح قنبلة موناكو المتفجرة كيليان مبابي، وأسماء أخرى مثل إيدين هازارد وأنخيل دي ماريا، لكن الاسم الأبرز والأكثر وضوحا يبقى المواطن المحلي لمن يبحث عنه فالفيردي وبارتوميو.
ما أشبه اليوم بالبارحة
هكذا يقول المثل المُتداول بين البشر، وإذا أردنا استنتاج ما يحدث مع كوتينيو الآن، علينا العودة بالذاكرة إلى الوراء قليلاً، وتحديدا لموسم 2013-2014، آنذاك ارتكب السفاح لويس سواريز جريمة نكراء، بعض مدافع تشلسي برانيسلاف إيفانوفيتش على الملأ، وعلى إثرها عُوقب بالإيقاف 10 مباريات محلية في بلاد الضباب، لكن ما كان واضحا، أنه كان يرغب في الرحيل عن النادي في صيف 2013، حتى مدرب آرسنال آرسين فينغر، حاول استغلال الفرصة، بالتقدم بالعرض التاريخي، بدفع جنيه إسترليني إضافة إلى قيمة فسخ عقد المهاجم مع حمر الميرسيسايد. ورغم أن سواريز أظهر ترحيبه بفكرة ارتداء قميص المدفعجية، إلا أن إدارة النادي عرفت كيف تحتوي الأزمة، بالتسلح بقوانين الاتحاد الإنكليزي، التي تمنع أي لاعب من التفاوض مع نادٍ آخر، إلا بإذن من ناديه حتى الثانية الأخيرة في عقده، وهو ما أجبر كشاف النجوم على الانسحاب من الصفقة، كي لا يقع تحت طائلة القانون، أيضا اللاعب، أخذ خطوة إلى الوراء، وتعامل بذكاء مع تهديدات النادي، بإظهار الطاعة والولاء، بشكل وهمي، بالتوقيع على عقد طويل الأمد. ومن المفارقات العجيبة بين قصة السفاح سواريز وكوتينيو، أن كلا الحدثين، جاء في موسم مونديالي، ففي صيف 2013، اضطر الدولي الأوروغواني للتغلب على مشكلته في أسرع وقت ممكن، حتى يكون في أفضل حالاته قبل مونديال البرازيل 2014، والآن، يُعاد السيناريو بشكل كربوني، لكن مع كوتينيو.
ماذا تقول الصحافة البرازيلية؟
عندما نستمع لتصريحات مدرب ليفربول عن مستقبل كوتينيو، نستنتج من حديثه، أن كوتينيو باقٍ على أقل تقدير حتى منتصف العام المُقبل، والغريب، أن هذا بالتزامن مع تقارير شبه مؤكدة، عن تقدم اللاعب بطلب رسمي لمدربه وللإدارة، للسماح له بتحقيق حلمه الكبير، بالذهاب للعب بجوار زميل الأمس لويس سواريز والعالمي الاستثنائي ليونيل ميسي، قبل أن يدخل مرحلة الشيخوخة.
طبيعي أن يُكافح ويُقاتل كلوب على لاعبه بهذه الطريقة، نتحدث عن لاعب سجل 13 هدفا وقدم سبع تمريرات حاسمة، من مشاركته في 31 مباراة، منها 29 ضمن التشكيلة الأساسية، وغيابه، كان بداعي الإصابة التي أبعدته أكثر من شهر ونصف الشهر في بداية 2017، غير أنه قام بـ70 مراوغة ناجحة، من 130 محاولة، ولديه 38 تصويبة بين القائمين والعارضة و31 خارج الإطار، لكن عندما نقرأ أو نتابع نبض الشارع البرازيلي، الذي تُظهر وسائل الإعلام هناك، نشعر أن الوضع مُغاير تماما. وتتفق أغلب التقارير في بلاد السامبا، على أن سفيرهم اللامع في بلاد مهد كرة القدم، لم تعد لديه رغبة حقيقية في استكمال مشواره مع حُمر الميرسيسايد، من باب أنه ضاق به الحال، من غياب الألقاب بعد انتهاء عامه الرابع في شمال غربي إنكلترا، حتى أن بعض الصحف تدعي أن اللاعب أبلغ كلوب أكثر من مرة، أنه يريد الرحيل، لكن حتى وقت كتابة هذه السطور، يُمكن القول أنه لا جديد يُذكر ولا قديم يُعاد، بل أن الجديد، أنه عاد إلى التدريبات في صورة الحصان العائد مع الفارس وهو يجر أذيال الخيبة بعد الهزيمة. ومن شاهد الصور التي تداولتها وسائل الإعلام البريطانية لعودة كوتينيو للتدريبات، وتحديدا وهو يقود السيارة في طريقه إلى النادي، لاحظ جيدا ملامح وجهه الحزينة جدا، وهذا بالكاد، يؤكد صحة الأنباء الواردة من البرازيل، ومع ذلك، السيناريو الأقرب حتى الآن، هو أن اللاعب سيبقى مع ليفربول بنفس الطريقة التي اتبعتها الإدارة مع السفاح، وإلا سيكون مصيره الجلوس على مقاعد البدلاء، وخسارة فرصة تمثيل السامبا في مونديال روسيا!
ما سر تعلق كوتينيو ببرشلونة
إلى هذه الدرجة؟
بعيدا، عن أنه البديل المثالي لنيمار لقدرته على شغل الدور الفارغ الآن على أكمل وجه، لتقارب أسلوب لعب الاثنين، فهو في الأساس برازيلي الجنسية، وهذا في حد ذاته، يجعله يُفكر بشكل لا إرادي في عملاق الليغا برشلونة، الذي لديه قاعدة جماهيرية عريضة في البلد اللاتيني، وهذا كلام يقوله المركز البرازيلي للإحصاء، بتأييد مُطلق للبارسا، وصلت نسبته لـ69٪ من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و29 عاما، ثم ريال مدريد في المركز الثاني ومانشستر يونايتد في المركز الثالث، كأكثر الأندية الأجنبية شعبية في البلاد. أيضا أكبر المتاجر المتخصصة في بيع الملابس الرياضية في البرازيل «سينتاورو»، أكدت أن قميص برشلونة يُعتبر ثالث القمصان رواجا بعد فلامنغو وكورينثيانز. لكن المُدهش أن المسؤول السابق في الاتحاد البرازيلي إراسمو دامياني، كشف بعمق أكثر أسباب تمتع برشلونة بوجه خاص وأندية الليغا بوجه عام بشعبية في وطنه، بقوله: «كما نعرف، الدوري الإنكليزي كانت أبوابه مُغلقة على اللاعبين البرازيليين لفترة طويلة، وهذا بسبب تصاريح العمل في المملكة، وبالتالي لا يُمكن لأحد أن يلوم كوتينيو على حلم برشلونة، صحيح ليفربول علامة تجارية معروفة، لكنه لم يَعد كمانشستر يونايتد على سبيل المثال، والجميع هنا يعرف، أن كوتينيو إذا انتقل إلى برشلونة، ستزداد دائرة الضوء عليه، وستكون فرصته أكبر مع المنتخب». كما ربط القاعدة الجماهيرية الهائلة للبارسا، بأساطير البرازيل الذين مروا عبر «كامب نو» كروماريو ورونالدو وريفالدو ونيمار، ما ساهم في تشكيل ما يُسمى «اليوغا بونيتو»، أي أن روح البرازيل متمثلة في كتالونيا، وأيضا، لم يستبعد أن يسير فيرمينو وغابرييل جيسوس على النهج ذاته، إذا حافظ كلٍ منهما على النسق الحالي.
حرب ما وراء الكواليس
ما يُثير قلق جماهير ليفربول في الوقت الراهن، ما قاله محامي كوتينيو، المتخصص في القانون الرياضي الدولي، ماركوس موتا، فهو تقريبا رفع راية التحدي في وجه رئيس النادي الإنكليزي، بقوله: «تقدمنا بطلب لمغادرة النادي، لقد قضى كوتينيو وقتا رائعا مع ليفربول على مدار السنوات القليلة الماضية، لكنه الآن يريد المضي قدما، كرة القدم لعبة تجارية، وكل الأندية تستثمر في اللاعبين، ونحن لدينا فرصة لا تُعوض». أسطورة ليفربول ستيفن جيرارد، بصم على كلام محامي اللاعب، قائلاً: «برشلونة هو أساس المشكلة، لأنه يقول لممثلي كوتينيو أننا الآن متاحون وإذا لم يأت اليوم، فلن نعود لطلبه مرة أخرى، وهذا الضغط، هو السبب الرئيسي وراء رد فعل اللاعب الأخيرة، وكما نعرف جميعا، أن كل الأطفال القادمين من أمريكا اللاتينية، يبقى حلمهم الكبير هو اللعب لبرشلونة أو ريال مدريد».
الخلاصة
إذا خسر ليفربول هذه المعركة، ستكون ضربة قوية لكلوب بعد ارتفاع سقف الطموح، بالعودة إلى دوري الأبطال، ومحاولة المنافسة على لقب البريميرليغ الغائب منذ أكثر من عقدين ونصف العقد من الزمان، غير أنها ستُعيد إلى الأذهان ما حدث مع تشابي ألونسو وخافيير ماسكيرانو ولويس سواريز، الذين تعاملوا مع ليفربول على أنه محطة قبل الانتقال لأحد عملاقي الليغا، وسواء انتقل الموهوب البرازيلي أو استمر مع الريدز، فعلى الإدارة الأمريكية المستحوذة على قلعة «أنفيلد» البحث عن كشاف مواهب لاتيني، لا يقل خبرة عن باولو هينرك، الذي خطفه مانشستر يونايتد مطلع العام الجاري. وقد يبدو أن هناك طفرة في ليفربول على مستوى اللاعبين اللاتينيين، وبالأخص البرازيليين، بعد نجاحات كوتينيو وفيرمينو ولوكاس ليفا، قبل رحيله، وبدرجة أقل فابيو أوريليو، لكن النادي لا يملك أعين خبيرة في مختلف أنحاء قارة سحرة كرة القدم، مثل مانشستر يونايتد وتشلسي والمان سيتي، وإن قررت الإدارة إعادة النظر في ملف المواهب اللاتينية، ستحدث الطفرة الحقيقية، التي ستصب في مصلحة النادي في المستقبل، بمبالغ طفيفة، لا تُقارن مع المبلغ الذي دفعه النادي لشراء فيرمينو من هوفنهايم الصيف قبل الماضي، أو المبلغ المُنتظر دفعه في بديل صاحب الـ25 عاما… إذا حقق حلم طفولته.
عادل منصور