المعروف أن مبادرة السلام العربية، كانت قد طرحت من قبل الأمير عبد الله ولي العهد السعودي آنذاك، في مؤتمر القمة العربية الذي عقد في بيروت في العام 2002. وعلى الرغم من تحفظات بعض الدول، إلا أن المبادرة أخذت مع الزمن تلقى قبولا عربيا، في ظل استمرار بعض التحفظات، في حين إن الجانب الإسرائيلي لم يأخذ المبادرة بالجدية المطلوبة، وعلقت بعض أوساطه بأنها تحتاج إلى تعديلات جوهرية، وطبعا فإن الجانبين الأمريكي والأوروبي، انتظرا ما يمكن أن تتخذه إسرائيل من خطوات في مجال التعامل مع هذه المبادرة.
مضى على طرح المبادرة نحو 14 عاما، وحدثت خلال هذه الأعوام تطورات عديدة، وبقي الأمر مجمدا إلى أن هبت على المبادرة بعض الرياح الروسية، أثناء الزيارة الأخيرة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لموسكو، وهي الثانية خلال شهرين، وهذا يعني أن هناك مواضيع مشتركة تم ويتم بحثها. واستنتاجا من زيارة نتنياهو، فإن أجهزة الإعلام أوردت موقفين متناقضين يتعلقان بالمبادرة العربية للسلام، إذ ذكر أن نتنياهو صرح أثناء لقائه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنه لا يؤيد المبادرة كاملة، في حين أن وزير الخارجية الروسي لافروف أعلن بأن الجهات الإسرائيلية تؤيدها، والغريب أنه قيل في الإعلام أن تأييد المبادرة كان بكاملها!.
من المفاجآت التي واكبت زيارة نتنياهو لموسكو، – وهو وزير الخارجية أيضا ـ أن وزير الخارجية للسلطة الفلسطينية الدكتور رياض المالكي وصل العاصمة الروسية أيضا أثناء وجود نتنياهو فيها، وقد أعلن أن الأمر لا يتعدى مصادفة غير مرتبة! فما الذي تم بحثه ومناقشته في هذا اللقاء الثلاثي الذي لم يؤكد حصوله أحد! ليخرج وزير الخارجية الروسي فيعلن أن إسرائيل توافق على المبادرة العربية كاملة من دون الإعلان عن آليات ومواعيد للتنفيذ، في حين أن المصادر الإسرائيلية لم تعلن ذلك بوضوح، وبقي الأمر ضمن تكهنات غير واضحة، أو تستند إلى مصادر موثوقة. أما بعض المصادر الإعلامية الإسرائيلية، فإنها ذكرت بأن المبادرة العربية تقادم عليها الزمن (14 عاما) وأنه ينبغي تحديثها، وإضفاء التطورات اللاحقة التي جاءت وحدثت بعد طرحها.
طبعا عادت الجهات الإسرائيلية إلى معزوفة المحادثات المباشرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، من دون إعلان سقف زمني للمباحثات، أو الاستناد إلى مرجعيات أممية واتفاقات سابقة، مع ذلك فإن قضايا مثل القدس، أي البلدة القديمة فيها والمسجد الأقصى وكنيسة القيامة وغيرها من الأمور، ستكون في صلب أية مباحثات، خصوصا إن كانت ثنائية، أو بوجود أطراف أخرى، علما أن الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني يعلنان أن القدس عاصمتهما الأبدية.
أما المستعمرات فما هو مصيرها، خصوصا وأنها تغولت وصادرت آلاف الدونمات من أراضي الفلسطينيين، فما هي نظرة كل طرف لهذا الوجود والتغول؟ كما أن جدار الفصل العنصري الذي صادر نحو 10 بالمئة من أراضي الفلسطينيين، هو من المواضيع التي لا يمكن القفز عن ما أحدثه من إساءات وتعطيل لمصالح المواطنين الفلسطينيين ومصادرات لأراضيهم وأملاكهم والتأثير على تواصلهم فيما بينهم.
أما في ما يتعلق باللاجئين، فالمعروف أن قرارا أمميا يحمل الرقم 194 صدر عن الأمم المتحدة، وقضى بإعادة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وأملاكهم، منذ أيام النكبة الأولى، وصدر في العام 1949 وما زال هذا القرار معلقا ومعطلا من دون تنفيذ، فكيف تنظر دولة الاحتلال إلى هذا الأمر الذي يعتبره الفلسطينيون من القرارات المهمة، حيث من المفترض أن يعيدهم إلى بلادهم؟ وهل تعتبر سلطات الاحتلال عودة بعض الفلسطينيين إلى «دولة» الحكم الذاتي التي يصر الاحتلال على تأكيد قيامها وفرضها بدلا من دولة مستقلة، تطبيقا لذاك القرار؟.
كما أن هناك قضايا عديدة تنتظر البحث الجدي في ما يسمى بتسوية السلام المعطلة، من بينها مصير آلاف السجناء في المعتقلات الإسرائيلية، كذلك مصير المنطقة «ج» التي تشكل 61 بالمئة من أراضي الضفة الغربية وغيرها من الأراضي بما فيها أراضي منطقة الأغوار، وهي الأخصب في الأراضي الفلسطينية، كذلك ما هو مصير الحصة الفلسطينية في البحر الميت؟ وما هو مصير نحو 500 حاجز إسرائيلي في الضفة الغربية، يذيقون الفلسطينيين مر الحياة، ويعطلون الكثير من مصالحهم، ويمنعون التواصل بين سكان المدن والبلدات والقرى الفلسطينية. كذلك ما هي الحصة الفلسطينية من الينابيع والمياه التي تنبع وتسير في أراضيهم.
وأخيرا ما هو المسموح وغير المسموح في تسليح قوات الحكم الذاتي الفلسطيني، إذا ما تم التوصل إلى انتزاع «مكرمات» إسرائيلية في هذا المجال، علما أن هناك من يروج بأن الحكم الذاتي يقوم على ضبط وإدارة السكان، في حين أن الأرض يجب أن تبقى في عهدة المحتل.
إذن هناك قضايا شائكة وجوهرية تحتاج إلى حلول خلاقة، فهل هناك ما يمكن أن يبتدعه الاحتلال الإسرائيلي، غير ما عرفه الشعب الفلسطيني وعانى من جبروته وقسوته وطمعه وجشعه وصلافته وغروره؟.
٭ كاتب فلسطيني
سليمان الشيخ