متى ينتقل أبو مازن من الكلام الجميل إلى الفعل المجدي؟

حجم الخط
0

■ المقاومة في غزة اسطورة. صمود اهل غزة اعجاز. ثالوث المقاومة والصمود والارادة الصلبة اطلق تباشير الانتفاضة في مدن الضفة الغربية، والاراضي المحتلة عام 1948، ولا سيما مدينتي الناصرة وحيفا، كما في الشتات، الامر الذي حقّق وحدة فلسطينية عابرة للحدود اضطر معها ابو مازن الى التعلّق بقطار المقاومة قبل فوات الأوان.
ليس ابو مازن وحده من استلحق نفسه، بل الكثير ايضاً من اركان منظمة التحرير والسلطة ومساعدي الرئيس الفلسطيني. هؤلاء جميعاً احسوا بقوة التغيـــــير الذي احدثته مقاومة غزة في المشاعر والمواقف والسلوكيات، فبادروا الى ملاقاتها في منتصف الطريق لتبقى لهم حصة في قيادة العباد والبلاد في قابل الايام.
غير ان انقلاب ابي مازن على نفسه ليس كاملاً. يقتضي التدقيق في مضمون كلامه لابناء شعبه، فقد اعلن بصراحة ان جهوده تهدف الى «التهدئة ومن ثم العمل على انهاء الحصار وفتح المعابر ووقف اشكال العدوان جميعاً…».
التهدئة تسبق، اذن، «العمل على إنهاء الحصار وفتح المعابر». أليس هذا جوهر المبادرة المصرية التي كان ابو مازن اول من ايدها ودعا تنظيمات المقاومة في غزة الى الموافقة عليها؟
الفارق الاساس في موقفه المستجد انه كان قبل خطابه الاخير يحمّل «حماس» مسؤولية البدء بالحرب، بينما اضحى الآن يحمّل «اسرائيل» المسؤولية بل يتهمها، بحق، بأن الغاية من وراء عدوانها «تدمير قضيتنا واجهاض المصالحة».
متى ينتقل ابو مازن من الكلام الجميل الى الفعل المجدي؟
متى يعلن الانضمام الى معاهدة المحكمة الجنائية الدولية كي يتمكن الفلسطينيون من «ملاحقة كل مرتكبي الجرائم بحق شعبنا مهما طال الزمن»، كما تعهد هو شخصياً في خطابه؟ متى يوعز ابو مازن الى قيادة «قوات الامن الوطني»، اي شرطة السلطة، بوقف التصدي لجماهير الشعب الثائرة في الضفة ضد «اسرائيل»، والمتعاطفة مع المقاومة في غزة؟ متى تنتقل منظمة التحرير الى صف الفصائل والقوى والناس المؤمنين بأن المقاومة، لا المفاوضات اللامتناهية، هي طريق التحرير وتحصيل الحقوق الوطنية؟
بات واضحاً الآن بعد مرور نحو عشرين يوماً على عدوان «اسرائيل» على غزة وصمود اهلها الصابرين وفشل كل محاولات العدو اختراق خطوط المقاومة من شمال القطاع الى جنوبه، ان حقيقة استراتيجية لافتة قد نشأت هي، قيام ميزان ردعٍ بين الطرفين المتحاربين يحول دون نجاح ايٍّ منهما في تحقيق اختراق عسكري وازن لمصلحته، يمكّنه من ترجمته سياسياً الى انجازات. من هنا تستبين حاجة الفلسطينيين عموماً الى تثوير إخوتهم في الضفة الغربية والاراضي المحتلة عام 1948 والشتات، وتفجير انتفاضة شعبية عارمة وإيجاد مناخ سياسي عاصف يرفض العودة الى سياسة «اسرائيل» الداعية الى وقف الحرب على اساس «تهدئة مقابل تهدئة»، والإصرار على رفع الحصار وفتح ملفات قضية فلسطين من اساسها، وصولاً الى تنفيذ قرارات الامم المتحدة ومجلس الامن بقيام دولة حرة مستقلة سيدة.
لمحمود عباس، رئيساً لمنظمة التحرير ورئيساً للسلطة الفلسطينية، دور كبير في تحقيق التعبئة الشعبية والسياسية اللازمة لنصرة قضية المقاومة في هذه الظروف العصيبة بغية الضغط على «اسرائيل» ومن يقف وراءها لوقف عدوانها المتمادي على الفلسطينيين، شعباً وقضية، وإكراهها على الرضوخ لقرارات الشرعية الدولية، فهل يفعل؟
إن ظاهرة توازن الردع بين الفلسطينيين و»اسرائيل»، ووجود مناخ شعبي فلسطيني وعربي ضاغط على «اسرائيل» وحلفائها يشكّلان فرصة نادرة قد لا تتكرر، فلا مناص، اذن، من اغتنامها والحرص على استخلاص افضل النتائج السياسية منها.
الامة اعلى من السلطة، والمقاومة أفعل من السياسة، والسياسة بما هي ادارة مصالح الناس وشؤونهم العامة، أرقى من النوازع الشخصية والمصالح الضيقة والعصبيات المذهبية الفارغة.
هل يتغيّر العرب؟ هل يتفوق اصحاب القرار على أنفسهم؟

٭ كاتب لبناني

د. عصام نعمان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية