مخاطر التناقضات السياسية والأمنية على وشائج الوحدة التونسية

حجم الخط
16

تتواتر الأحداث السياسية والأمنية الكبيرة في تونس، والتي كان آخرها هجوم على دورية تابعة للحرس الوطني على الحدود مع الجزائر أسفرت عن مقتل 6 عناصر، وهو يذكر بهجوم سابق حصل قبل سنتين في مدينة بن قردان على حدود ليبيا وأسفر، وقتها، عن مقتل 12 من عناصر الأمن والجيش.
لا يمكن لتونس، طبعاً، أن تكون بمنجاة من الأحداث الأمنية الخطيرة فرغم وضعيّتها الفريدة والتي سمحت لثورتها بعبور سياق سلميّ، فإن أطرافاً كثيرة تونسية وعربية وأجنبيّة تحاول التلاعب بهذا السياق وكسر سياقه، كما أن المنطقة المغاربية، وجزءا كبيرا من القارة الأفريقية، تعاني من أشكال متفاوتة من الصراعات الخطيرة (ليبيا ومالي).
وبعد المعركة الكبيرة التي خاضها، بشكل رئيسي، قائد «نداء تونس»، حافظ قايد السبسي (نجل الرئيس الحالي) لإزاحة حكومة يوسف الشاهد (المحسوب على الحزب نفسه والذي كان عضوا في مكتبه التنفيذي)، والفوز الذي حقّقه حزب «النهضة» على منافسه التقليدي «نداء تونس» في الانتخابات البلدية الأخيرة في شهر أيار/مايو الماضي، جاء انتخاب مرشّحة حركة «النهضة» سعاد عبد الرحيم، رئيسة (أو «شيخة» بالاصطلاح التونسي للمنصب) لبلدية العاصمة تونس، ليزيد غضب اتجاهات متطرّفة داخل الجسم السياسي والنقابي التونسي، وليزيد بدوره احتمالات التآمر الخارجية عبر اللعب على التناقضات الأمنية والسياسية لتكسير وشائج الوحدة السياسية التونسية، وصولاً إلى إفشال نتائج الثورة التونسية وإدخال البلد في حرب أهلية.
يحمل انتخاب سعاد عبد الرحيم عددا من المفارقات الكاشفة والدالة، كما أنه يلخّص عدداً من النتائج المهمّة.
من المفارقات، بداية، انتزاع حركة «النهضة» إحدى أوراق خصمها «نداء تونس»، الذي يعتبر نفسه حامي العلمانية، ومظاهرها الشكلانية، كالسفور، وهي ورقة مضلّلة ومُلهية ولطالما حرفت الصراع السياسي ـ الاجتماعي عن سككه المهمة، وعلى رأسها، بالطبع، طبيعة النظام السياسي. صحيح أن صراعات الهويّة والثقافة متداخلة بالقضايا السياسية لكنّ أكثر القضايا أهمّية في أي مجتمع هي منع احتكار فئة بعينها للسياسة، وبالتالي للاقتصاد، وهي القضيّة التي يؤدي خرابها إلى دمار هائل لا يطال التمثيل السياسي النيابي والحكومي بل يطال أيضا الأمن والقضاء والهوية والثقافة والدين وحتى الرياضة.
هذه المفارقة الفاضحة كشفت حجم التلاعب السياسي بقضيّة الحجاب والسفور، فتمّ تبادل الأدوار التقليدية المعتادة، لنجد أطرافاً من الحزب «العلماني» العتيد تندّد بحصول سعاد عبد الرحيم على منصبها، «لأن هذا المنصب مخصص للذكور»، و«لأن المرأة لا تستطيع القيام به حسب التقاليد الإسلامية لما يتطلبه من التزامات دينية مخصوصة»، وكان موقف «النهضة»، على لسان رئيسها راشد الغنوشي، متناسباً مع الروحية الجديدة التي تقدّم نفسها فيها، ومعاكساً تماماً لطرح تلك الأطراف «العلمانية» حيث قال إن الطريق أمام سعاد عبد الرحيم مفتوحا لتولّي رئاسة الحكومة أو البلاد.
أمام الهزائم التي تلقّتها الجهات الداخلية والخارجية المتطرّفة، تنوقلت تحذيرات من «النداء» من الفوضى والصراع «بالذخيرة الحية»، وهو ما اعتبر تحذيرا من إمكانية شدّ النزاع السياسي في البلاد إلى اتجاهات أمنية.
هذه التحذيرات، تعبّر عن جوّ استعصاء سياسيّ يجب أن يجد حلا من داخل المجال السياسي التونسي لضبط الأهواء ورغبات التدمير المرتبطة بالتراجع والفشل والخسائر الفكرية والسياسية، ولمنع أي محاولات تدخل خارجي يستهدف التجربة التونسية.

مخاطر التناقضات السياسية والأمنية على وشائج الوحدة التونسية

رأي القدس

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول صوت من مراكش:

    ما يميزنا كشعوب و قيادات من الماء الى الماء هو غياب الروح في كل شيء

    فمثلا في الحقل الرياضي تنهزم منتخباتنا و لا تعترف بهزيمتها و تقر للخصم

    بالفوز بل ترد ذلك الى عامل التحكيم او الحرارة او الرياح المعاكسة و غير ذلك

    غياب الروح الرياضية اذا هو المانع من تقبل الاعتراف بأهلية الخصم في الفوز

    اما في الحقل السياسي فالأمر أفظع و اشد وطئة على التأمل فلحد اليوم لم أسمع جملة

    او كلمة تهنئة من طيف سياسي او زعيم غير موفق اعترافا بفوز خصمه بل الادهى

    من ذلك هو التضحية بالوطن و سلامته مقابل عدم تمكين الفائز بما اقره الشعب اما

    بتأليب الجيش ضده او وضع عراقيل في طريقه ” البلوكاج” كل هذا سببه غياب الروح السياسية

    و ثقافة الاعتراف و لا فرق في ذلك بين هذا الطيف اوذاك

    تحياتي

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية