مستقبل الرواية

حجم الخط
6

يستأثر الإبداع الروائي باهتمام القراء والناشرين والكتاب في المشهد الثقافي العربي المعاصر. يتزايد هذا الاهتمام باطراد، ليس فقط، لدى كتاب القصة والرواية، بل إن مداه يتسع ليشمل الشعراء والمسرحيين والصحافيين، وحتى المنشغلين بهموم الفكر والمثقفين والباحثين في مختلف أصناف الإبداع والتفكير. ومعنى ذلك بكلمة أخرى، أن الرواية لم تبق إنتاجا يتصل بـ»الأدباء»، وإنما صارت تستقطب الاهتمام من خارج حقل الأدب.
لا غرو أن تكون للرواية كل هذه الجاذبية، فالسرد منذ أقدم العصور كان أداة حيوية لتسجيل الذاكرة، والوقائع والأحداث، والتعبير عن الرؤى والمواقف والأفكار. وفي عصر الوسائط الجماهيرية والمتفاعلة صار أكثر تأثيرا لدى فئات واسعة من الناس.
منذ أن بدأت الرواية العربية تحقق تطورها على مستوى التقنيات وتمثيل التصورات فرضت نفسها نوعا سرديا يحظى بقيمة لدى الجميع؛ فكان اعتراف الأوساط الأكاديمية بها تدريسا وتحليلا عن طريق الكشف عن قيمتها الفنية والجمالية والثقافية. فصار الناشرون يتهافتون على نشر الرواية، آملين من ورائها تحقيق مكاسب لم تعد توفرها الأجناس الكتابية الأخرى. برزت قيمة هذا الاهتمام في تكريس جوائز خاصة بالرواية. نمثل لها ببوكر العربية، وجائزة ملتقى الرواية في القاهرة، وجائزة الطيب صالح الدولية، كما أن الجوائز الخاصة بالإبداع الأدبي عموما، ينتزعها كتاب الرواية في أغلب الأحيان. وها هي جائزة كتارا للرواية العربية تلحق بالركب معطية للرواية نفسا جديدا ومختلفا.
لا مراء في أن تحظى الرواية بكل هذا الاهتمام. ومهما قيل أو يقال عن الجوائز المتعلقة بالرواية وما يوجه إليها من انتقادات أو ملاحظات، فإنها تظل تقليدا إيجابيا ومكسبا إبداعيا له شرعيته ومشروعيته. لكن تطور الرواية ومستقبلها لا يتصلان فقط باكتشاف المواهب أو تشجيع الروائيين المتميزين ومكافأتهم، أو ترجمة النصوص أو طبعها أو تحويلها إلى عمل درامي. كل هذه المرامي والمقاصد النبيلة مهمة، بل ضرورية. لكن بدون قراءة الرواية ونقدها يظل هذا التطور ناقصا. إن قراءة الرواية ونقدها يلعبان دورا مهما في تحولها وارتقائها إلى نوع سردي جدير بالقراءة من لدن فئات واسعة من القراء. ولعل تشجيع قراءة الرواية ونقدها ومكافأة محلليها قمين بتطوير الإبداع والنقد معا، إذ لا يمكن توهم مستقبل الرواية العربية، وجعلها تحتل المكانة الملائمة لها، عربيا ودوليا، بدون تحليلها ونقدها. فالإبداع الروائي لا يتطور بدون نقد روائي، والعكس صحيح.
إن التحليل الذي يمكنه أن يسهم في ذلك يتصل اتصالا وثيقا بالبحث العلمي في الرواية، وليس مرتبطا بالنقد الصحافي أو القراءات القائمة على التأويل، أو المبنية على الانطباع، أو تلك التي تسمى بـ»القراءة العاشقة»؟
يتطور البحث الجامعي في مختلف كليات الآداب العربية.. وتحتل الرواية في العديد من الأقطار العربية الحظ الأوفر من الدراسات الجامعية التي تتركز على الرواية العربية الحديثة والمعاصرة، أو على أحد الأنواع السردية الأخرى، قديمها وحديثها. وحين تتخذ هذه الدراسات المختلفة من السرد العربي القديم والحديث الذي تتخذ فيه الرواية موقعا متميزا، فإن ذلك يؤكد الصلة الوثيقة بين الرواية وكل الأنواع السردية العربية المختلفة. لذلك أرى أن تخصيص جوائز للدراسات الجامعية التي ينجزها الباحثون الشباب حول الرواية أو الأنواع السردية العربية الأخرى، إسهام في تطوير الوعي بالرواية، من جهة، وتشجيع للبحث الجامعي العربي لدى الدارسين الشباب، من جهة ثانية. كما أنه من جهة ثالثة، يسهم في تطوير النظريات السردية التي بدون تشجيعها ومكافأتها، على غرار الرواية، لا يمكن أن تتطور نظرياتنا ولا أبحاثنا الروائية والسردية، ولا تتطور الرواية أيضا.
كما أن تنظيم الورشات العلمية حول كتابة الرواية والسيناريو، وألعاب الفيديو، وربط السرد بالتعليم والتربية، وتخصيص برامج ثقافية في وسائل الإعلام والقنوات، حول الرواية، مثل تنظيم مسابقات لقراء الرواية العربية والأجنبية، مقابل مكافآت وجوائز تشجيعية، على غرار المسابقات الشعرية، كل ذلك يمكن أن يسهم في إعطاء الجوائز التي تمنح للرواية العربية قيمة إضافية، إذ لا يعقل أن تحصل رواية على جائزة عربية، ويظل توزيع هذه الرواية مقتصرا على فئة قليلة من المتتبعين والمهتمين. وأذكر في هذا السياق قولة مؤثرة صاغها الروائي وليد إخلاصي حين حصل على جائزة سلطان العويس، بقوله: ما فائدة هذه الجائزة، وقيمتها المادية، إذا كان عدد القراء ضعيفا؟
إن الروائي والمفكر، لا يكتب من أجل الجائزة، ولكن من أجل القارئ. وإذا لم تتح له الجائزة إمكانية توسيع دائرة قرائه فإن دورها يقتصر على تلك المكافأة المادية، وعلى بعد رمزي محدود. والأساس الذي تبنى عليه الجوائز هو تثمين الأثر الأدبي، من جهة، وتوسيع دائرة التعرف على الكاتب من لدن جمهور واسع. وهذا هو الأثر الحقيقي الذي يمكن أن تخلفه الجوائز. بحصول العديد من الكتاب الأجانب على جوائز في بلدانهم يتمكنون من التعرف عليهم داخلها، بل إن ذلك يمتد خارجها عن طريق ترجمة أعمالهم الفائزة، لكن الأمر مختلف عندنا في فضائنا العربي.
إن تخصيص جوائز للنقد الروائي تكون مواكبة ومصاحبة للرواية رهان تطوير الرواية ومستقبلها.

ناقد مغربي

سعيد يقطين

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول مصطفى سوري:

    الرواية عمل إبداعي لم يعرفه العرب إلا عن طريق الاوربيين ولكن العرب يقرؤون الكتب الدينية بنهم وشراهة. الرواية العربية تعاني من مشكلة كبيرة وهي اللغة فهي تأتي غالبا ثقيلة والجمل تفتقد المنطقية والاهم من كل ذلك هي ان اللغة الفصحى المختلفة جدا عن اللغة الحقيقية التي نتكلم ونحب ونغضب ونعيش بها يوميا وهكذا فأن كل شيء يصبح مصطنعا وغير مقنعا.

    1. يقول سلمى:

      أعتقد أن كلامك ينطبق على كثير من الروايات العربية في هذا الوقت وحتى تلك التي تباع بأعداد كبيرة. التصنع و اللغة الثقيلة مع ذلك هو عيب في الكاتب و ليس في اللغة. نجيب محفوظ تجاوز كل هذه العوائق في رواياته الخالدة و كانت الفصحى الرائقة كينبوع الماء تتدفق في كتاباته بجانب شئ من العامية التي تفرضها الأحداث و الوقائع.

  2. يقول محمد طاهات / عضو في رابطة الكتاب الأردنيين:

    بسم الله الرحمٌن الرحيم .
    الحديث عن الرواية في الوطن العربي وفي العالم عموما يوجع القلب ويبهج الذات في آن , والعصر عصر الرواية , ولقد حلت مكان الشعر وبقية الفنون الأدبية ’وقديما قيل الشعر ديوان العرب ويقال الآن الرواية ديوان العرب ,لكن الرواية في الوطن العربي تعاني وتتألم بسبب قلة الاهتمام من المسؤولين وقلة النقاد وقلة القراء ,ونحن العرب , أقولها بحسرة وألم معروفون بقلة القراءة .
    ويختلف الاهتمام بالرواية في الوطن العربي من دولة الى دولة , وهي تزدهر الآن في المغرب العربي ؛ تونس وليبيا والجزاائر وتضعف في دول المشرق العربي وبخاصة في الأردن التي خلت من المشاركة في البوكر الأخيرة , ولا يوجد في الأردن من يهتم بالرواية , لاإعلاما ولا نقادا ولاقراء, وإن وجد فهو قليل ويسلط الضوء على عدد قليل لايتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة , فيحين يهمل بقية كتاب الرواية ولايجدزن من يهتم بهم أو يقدم انتاجهم أو ينقده بالسلب والايجاب .
    لدينا في الأردن نقاد مثل د. إبراهيم السعافين ود. إبراهيم خليل ونزيه نضال ود. نبيلحداد وغيرهم ولكنهم مع مزيد الأسف يسلطون الضوء على قلة قليلة , فهم دائما في دائر الضوء وغيرهم في العتمة .
    والإعلام عندنا مغيب والكاد ينشر خبر في صحبفة معلنا عن نشر رواية لفلان أو لعلان , ويسلط الإعلام على القلة القليلة التي ذكرتهم , وكم نعاني نحن كتاب الرواية من هذا الإهمال والتغيب .
    أنتجت خمس روايات وأربع مجموعات قصصية ولم أحد من يبادر أو يهتم أو يعلن أو ينقد بالسلب والإيجاب إلا في الصحيفة تعلن عن نشر رواية لفلان وكثير غيري يشكون كما أشكو .

  3. يقول S.S.Abdullah:

    موضوع مهم يا سعيد يقطين وأضيف: هناك فرق ما بين البلاغة وما بين الإسلوبيّة، والإسلوبيّة هو علم له علاقة بلغات التأويل، بينما البلاغة هو علم له علاقة بلغات الاستقراء والاستنباط، والفرق بينهما من وجهة نظري على الأقل هو أنَّ الأسلوبيّة لا شأن لها بأي شيء له علاقة بالمصداقيّة إن كان من حيث معنى المعاني أو هيكل اللغة المستخدمة في التعبير عن أي فكرة، بينما البلاغة تمثل معيار المصداقيّة لتطابق معنى المعاني وهيكل اللغة عند التعبير عن أي فكرة، ولذلك من وجهة نظري البكاء على الأطلال من خلال لطم الخدود وشق القدود شيء له علاقة بثقافة الـ أنا وليس له أي علاقة بثقافة الـ نحن.
    ومن ينشره على أنَّ له علاقة بثقافة الـ نحن شخص إمّا جاهل أو مدّلس وفي الحالتين من وجهة نظري يجب محاسبة كل من يسمح بنشر هذا الفساد الأخلاقي.

    حيث من وجهة نظري يمكنك أن تفضفض في الحمّام على مزاجك وبدون أي التزام بمعنى المعاني الواردة في القواميس لأي لغة وأن تقلب حقيقة الواقع 180 درجة ما دام ذلك لا يتعدى كونه فضفضة في الحمّام.
    لكن أن تنشره على أنَّ له علاقة بالواقع فستكون شئت أم أبيت بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ضد مقاومة الفساد بكل أنواعه بداية من الفساد اللغوي لضرب لغتكم الأم والعمل على تحطيمها.

    لأنني لاحظت أنَّ المثقف والسياسي والتاجر في دولة “الحداثة” بشكل عام (والتي تمثل ثقافة الـ أنا من وجهة نظري) لا يستطيع التمييز بشكل واضح ما بين النّقد {(والذي يمثل قمّة معنى الحكمة أو ثقافة الـ نحن من وجهة نظري) ولذلك دعمه الإسلام من خلال مفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر} وما بين جلد الذات {(والتي هي الدليل العملي عن الفلسفة أو ثقافة الـ أنا والتي لا تعترف بوجود إلاّ الـ أنا) ولذلك حاربه الإسلام}.

    أنا أكرّر بأنّ هناك شيء يُمثَّل الواقعيّة (الحِكْمَة) وشيء آخر يُمثِّل الوقوعيّة (الفلسفة) فلذلك أنا من أنصار الحكمة ولست من أنصار الفلسفة.
    في الإسلام الله حرّم الربا علينا وأحلَّ الله لنا التجارة، مع أنَّ كليهما لهما علاقة بالربح والخسارة والمال.
    أي بمعنى آخر المال لأجل المال ممنوع في الإسلام، أو أي شيء يُمثل الـ أنا دون الآخر أو الـ نحن
    أي بمعنى آخر أنَّ الربا تمثل ثقافة الـ أنا في حين التجارة تمثل ثقافة الـ نحن
    أي أنَّ الثقافة لأجل الثقافة غير مرغوب به في الإسلام لأنّه يمثل ثقافة الـ أنا
    أي أنَّ التكريم لأجل التكريم غير مرغوب به في الإسلام لأنّه يمثل ثقافة الـ أنا
    أي أنَّ الابداع لأجل الابداع غير مرغوب به في الإسلام لأنّه يمثل ثقافة الـ أنا

    أنا لاحظت وكأنَّ لغة الاستقراء والاستنباط (الحِكْمَة) تتعامل وفق مبدأ لا يعلم بالنيّات إلاّ الله
    في حين لاحظت لغة التأويل (الفلسفة) تتعامل وفق مبدأ ليس أنها تعرف بالنيّات بالنسبة لجميع البشر فقط من خلال التأويل، لا بل وحتى الله ولا حول ولا قوة إلاّ بالله عندما تتكلم عن المقاصد الشرعية أو الإسلام الوسطي/الفلسفي، أي جعل هناك أكثر من إسلام تطبيقا لتقسيمات أرسطو وأفلاطون وغيرهم من فلاسفة الإغريق والفرس والهنود وغيرهم، فهل هناك تعدي على الله وحقوقه أكثر من ذلك؟!
    ما رأيكم دام فضلكم؟

  4. يقول فاطمة الزهراء:

    هل يمكنني من فضلك مرجع هذا المقال ؟

  5. يقول فاطمة الزهراء:

    عفوا معرفة مرجع هذا المقال ؟

إشترك في قائمتنا البريدية