برغم ما يقال عن ضعف العمل العربي المشترك عندما كان احد التمظهرات المهمة لمقولة الوحدة العربية، فان ما كان متوفرا منه، كان مانعا من امور عديدة: تفرد كل دولة بقرارها وموقفها، استضعاف الامة من قبل الاحتلال الذي كان يسمى يوما «العدو المشترك»، انفتاح الابواب على مصاريعها امام الهيمنة المطلقة سواء من الشرق او الغرب، والحؤول دون قيام مجموعات التطرف والإرهاب التي تجاوزت الحدود الجغرافية المصطنعة وتحركت ككيان واحد برغم اختلافاتها.
هذا العمل العربي المشترك ساهم في الحفاظ على هامش صغير لوحدة الشعوب وشعورها بوجود دعم محدود من «الاشقاء» عند الحاجة. تلاشى هذا العمل المشترك منذ ان صعدت دويلات صغيرة لتحتل الواجهة السياسية للامة العربية بعد ان تم تهميش الدول العربية الكبرى. فمصر لم تعد موجودة كقوة عربية فاعلة، ولا العراق الذي ما يزال يبحث عن هوية ودور ووسائل للاحتفاظ بوحدة كيانه، ولا سوريا التي حرقت من الداخل، ولا السودان الذي قطعت اوصاله، ولا اليمن الذي تحتله دول شقيقة تصغره حجما وشأنا. فعندما احتلت القوات الصهيونية ارض فلسطين قبل سبعين عاما، توجهت الجيوش إلى الحدود تعبيرا عن ارادة امة تعرضت للتمزيق منذ دخول المنطقة عهد الاستعمار واسقاط آخر تجليات الوحدة، متمثلا بدولة الخلافة العثمانية. ربما لم تكن تلك القوات فاعلة ولم تنجح في صد العدوان ومنع سقوط فلسطين بايدي الاحتلال، ولكنها كانت تعبيرا عن ذلك «العمل العربي المشترك». وعندما انطلقت ثورة الجزائر وبلغت ذروتها في 1962 كان العربي المشرقي يشاطر اخاه المغربي الشعور بالعزة والكرامة ويردد معه : في الهول في لهب المجازر…. ألقاك يا بطل الجزائر. وعندما حدثت حرب 1967 كان هناك شعور عربي عام بانها حرب الامة وليست مهمة دولة او شعب بعينه.
يومها كانت امة العرب تعيش اجواء الوحدة في المشاعر والشعارات على الاقل. وكان الكثيرون يتابعون نضال ثوار عدن ضد الوجود البريطاني، فيما كان هناك شعور بالتضامن مع «ثوار ظفار» تعبيرا عن رفض التدخل الانكلو ـ أمريكي في المنطقة وتواجد قواته في قاعدتي صلالة ومصيرة العمانيتين. وعندما اندلعت الحرب الاهلية في لبنان في العام 1975 تحركت الدول العربية في اطار العمل العربي المشترك وأقرت ما سمي «قوات الردع العربية» للتدخل لوقف الحرب الداخلية المحتدمة. وكانت حرب اكتوبر 1973 آخر تمظهرات العمل العربي المشترك على الصعيد الميداني. ولم يعتبرها احد حربا مصرية فقط، بل كانت حربا عربية اسرائيلية. وكان من نتائجها امران: القفزة النفطية التي غيرت موازين القوى وساهمت لاحقا في اضعاف مبدأ العمل العربي المشترك، وخروج مصر من دائرة النضال العربي، وبداية مرحلة التماهي مع الاحتلال.
هذا السرد التاريخي لمسيرة العمل المشترك يراد منه التوصل إلى عدد من الاستنتاجات: الاول ان هناك مجالا لعمل مشترك على صعيد الامة بشرط عدم طغيان الرغبة في الاستحواذ والهيمنة خصوصا من الدول الصغيرة. الثاني: ان الامة ستزداد ضعفا ان وقعت تحت هيمنة دول لا تملك من مستلزمات القيادة سوى المال، وتستقوي بالاجانب على بعضها. الثالث: ان العمل المشترك يتطلب وجود توافق نفسي وسياسي ازاء قضايا كبرى. وقد كانت قضية فلسطين محور ذلك العمل في العقود التي سبقت الحقبة النفطية. ويستحيل اقامة عمل مشترك مع وجود دول تسعى للتطبيع مع الاحتلال والتخلي عن الشعب الفلسطيني وتشن الحروب العسكرية والسياسية ضد الاشقاء بدعم من الاعداء، كما يحصل الآن. الرابع: ان شعوبنا استدرجت لقضايا هامشية مفتعلة، فانشغلت عن القضايا الكبرى كتحرير فلسطين وتقرير المصير والحفاظ على الاستقلال ومنع الهيمنة الغربية وتأكيد دور الجماهير في تقوية الصف. الخامس: ان معنويات الجماهير ترتفع في اجواء النضال والبحث عن الحرية خصوصا مع وجود قادة ومفكرين وعلماء وادباء يوجهون طاقاتهم وأدبهم ليحققوا تناغما مع روح النضال المختزنة في نفوس الاحرار والكرماء الذين يرغبون بكسر قيود التبعية والاستسلام.
ما مصداق هذا السجال في الواقع العربي اليوم؟ عدد من المؤشرات يكشف الهوة الكبيرة التي تحول دون تحقق صحوة عربية ـ إسلامية ـ انسانية تعيد الامة إلى الخريطة السياسية الدولية. الاول: ان إقصاء الدول العربية الكبرى عن واجهة العمل العربي المشترك، والسعي المتواصل للتأثير على قراراتها ومواقفها بالمال سيظل معوقا يحول دون تحقيق توافق عربي ازاء القضايا الكبرى التي هي الاخرى محل اختلاف. فلا يمكن ان تقبل الشعوب العربية بان تكون دولة كالامارات او السعودية هي التي تحدد بوصلة المسار أو اولويات العمل المشترك او تحديد العدو والصديق او القفز على الحقائق التاريخية لهذه الامة.
الثاني: ان ظاهرة التطبيع مع الاحتلال انقلاب على واحد من اهم الثوابت منذ احتلال فلسطين قبل 70 عاما. وبرغم سياسات السنوات السبع العجاف الاخيرة التي مورست فيها سياسات التضليل والتشويش والتطرف والطائفية، ما تزال قضية فلسطين تمثل وجدان امة العرب والمسلمين.
هذه الامة ترفض في عمقها القبول بمبدأ احتلال اراضي الغير بالقوة. ينطبق هذا على ما جرى في فلسطين من احتلال اسرائيلي بدعم غربي، وما يحدث الآن في اليمن من احتلال مكشوف وفر لدولة كالامارات، فرصة التصرف كقوة كبرى بفرض الاحتلال واستخدام المال سلاحا لاستمالة السياسيين وشيوخ القبائل والمعوزين من اليمنيين. ويدرك بعض عقلاء الامة ومفكريها خطأ الصمت الذي حدث عندما اجتاحت القوات السعودية ـ الاماراتية البحرين في منتصف آذار/مارس 2011 واعطت لنفسها حق التصدي لثورة شعب يبحث عن حقوقه المشروعة. الثالث: ان العمل العربي المشترك يتطلب رؤية ومشروعا، ولا يتحقق بالتمنيات والثقة المتبادلة بين الزعماء. وليس لاي من الدول التي تفرض نفسها لقيادة الامة شيء من ذلك. فما هو مشروع السعودية؟ وما مشروع الامارات؟ هل لديهما خطة لاعادة احياء الامة بمشروعها الحضاري الذي يشمل لم شملها وتوجيه امكاناتها للتنمية القومية ومواجهة العدو المشترك وانهاء الاحتلال؟ هل تملك هاتان الدولتان ما يقنع الجماهير العربية بان لديهما من الفكر السياسي ما يلبي طموحها وشوقها للوحدة والحرية ورفض الهيمنة والاحتلال؟ ام ان ذلك التصدي مرتبط باجندات صغيرة محدودة نابعة عن شعور شخصي لدى بعض القادة بعظمة وهمية نابعة عن غطرسة وغرور؟ الرابع: ان امة العرب تستحق قيادة تمثل شعوبها وتطلعاتها، تمتلك رؤى مبدئية، دينية وقومية، تلهم الشعوب وتشعرها بالانتماء المشترك لامة وحضارة وتاريخ وثقافة، على اختلاف اديانها ومذاهبها.
هذه الامة اكبر من ان تقودها انظمة حكم تستمد شرعيتها من القوة والشعور بالغلبة والقهر، تعتمد في وجودها على الدعم الاجنبي، وتستعين على الغير بالمرتزقة، وتسعى للسيطرة على شعوبها بدعم اعداء الامة ومحتلي اراضيها. الخامس: ان القيادات التاريخية هي التي تجمع الشعوب او الأمم التي تقودها، وتحاول لم شتاتها وتحتضن كافة مكوناتها على اختلاف اعراقها واديانها، وتضع شعوبها امام تحديات النهوض وتشعرها ليس بالانتماء للوطن فحسب بل بالشراكة في حكمه وادارته وتنميته. فالمواطن ليس عبدا مأجورا يعمل لدى الحاكم، بل مواطن حر يمارس شراكة حقيقية وفق قانون عصري يحترم انسانيته. اما الحاكم الذي يميز بين ابناء شعبه على اساس العرق او الدين او المذهب او الجنس، ويشعر رعاياه انه صاحب الفضل ويمايز بينهم على اساس الولاء وليس الكفاءة، فلا يصلح ان يسعى لبناء «امبراطورية» مؤسسة على الغلبة والقهر وشراء المواقف وتكميم الافواه والتنكيل بمن يطرح رأيا مختلفا
في عالم يشهد تراجعا عن قيم الحداثة التي طورها على مدى سبعة عقود في مجالات الحكم والادارة والعلاقات الدولية وحقوق الانسان، فان قبول الشعوب العربية بالامر الواقع، وتخليها عن مسؤولية رفض ما لا ينسجم مع اولوياتها واهدافها، سيؤدي إلى تراجعات غير محمودة واخفاقات تستعصي على الاصلاح.
٭ كاتب بحريني
د. سعيد الشهابي
يجب الأعتراف أولاً بأن جميع النظمة العربية باعت شعوبها والأمة كلها بكراس هزيلة ٢.أين هي الأحزاب والحركات القومية ولماذا هربت من الميدان ٣.لسقوط النظمة المخزي لم يبق في الميدان إلا الشعب والشباب بالذبان وهم قادرون بأياديهم وأصواتهم وكما في الربيع العربي -التجربة المثالية – بوسعهم البدء بإيقاظ الأمة وأنقاذها من تحت يد الجلاد الأمرو – صهيوني .فياب شباب الأمة أنتم الأمل الوحيد