مشاركة الدول العربية رمزية ومقايضة سعودية إيرانية مهمة لمواجهة «داعش»… الأسد مستفيد وضم لداعميه الولايات المتحدة ودول الخليج إضافة لروسيا وإيران

حجم الخط
0

لندن ـ «القدس العربي» بدأت الولايات المتحدة يوم الثلاثاء حربا مفتوحة وجديدة في الشرق الأوسط، من الصعب التكهن بنهايتها، لكنها، كما أكد الرئيس باراك أوباما أنها لن تكون «حربا حمقاء» أخرى، فها هو الرئيس، الذي تردد باستخدام التفوق العسكري الأمريكي، كما فعل سلفه في العراق وأفغانستان، يبدأ حربه التي سيسلمها لخلفه. والفرق في الحرب الجديدة أنها بشركاء عرب، فطالما أكد الخطاب الأمريكي من سياسيين وعسكريين على أهمية مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام – داعش بوجوه عربية وأساليب عربية. وجرى التأكيد على البعد السني المتطرف في داعش، باعتباره تهديدا لحياة الدول العربية السنية، التي تواجهه، مثلما هو تهديد لحياة الغربيين. كان بإمكان أوباما شن الحرب على داعش في العراق وسوريا، بدون دعم عربي بعد مقتل الصحافيين الأمريكيين جيمس فولي وستيفن سوتلوف واستفزاز «داعش» للولايات المتحدة، لكنه أصر على حضور المكون العربي، وهي الدول الخمس، وفي مقدمتها السعودية وقطر والإمارات والأردن والبحرين.
وكانت مصر غائبة عن التحالف الجديد، لأن رئيسها عبدالفتاح السيسي، كما قال لصحيفة «وول ستريت جورنال»، يدعم واشنطن في حربها ضد داعش، لكنه يريد توسيع الحرب لتشمل الجماعات المتطرفة الأخرى غيرهأ انصار بيت المقدس في سيناء مثلا. ومع ذلك تأمل واشنطن من تعاون مصر في تدريب القوات العراقية، في وقت أكد فيه السيسي على تحمل الدول الجارة لكل من العراق وسوريا، خاصة الاردن والسعودية وتركيا مسؤولية مواجهة تنظيم داعش.

محاذير ومخاطر

رغم ما يحمله تحالف أوباما من أهمية، لكن لا يخفي مخاطره، فمن ناحية يتدخل الرئيس وبعد طول تردد في سوريا وكل المتحالفين العرب معه يريدون منه المساعدة في إسقاط النظام هناك، قبل التركيز على الجماعات الجهادية، ولا تريد هذه الدول أن يكون بشار الأسد المستفيد الوحيد من الهجمات.
وفي تحول أوباما نحو سوريا تراجع، ولو مرحلي، عن المطالبة بإسقاط النظام السوري. وعلى خلاف التدخل في العراق، الذي يحاول أوباما الحفاظ على وحدة أراضيه، تتدخل أمريكا في حرب أهلية قد تجد نفسها والدول الغربية وسط حرب بالوكالة تجري على أراضيها بين السعودية وإيران.
وكما ترى صحيفة «إندبندنت» في افتتاحيتها هي حرب شيعية – سنية «فالسبب الذي أدى لازدهار داعش في العراق وسوريا هو سيطرة الشيعة والعلويين على الحكم فيهما، وتحويلهما الحياة لجحيم لأبناء السنة، مما أقنع أعدادا كبيرة منهم بأن داعش هو المنقذ لهم».
ولهذا رأت الصحيفة أهمية رمزية في مشاركة الدول العربية السنية، مهما كانت. والأهم من هذا يجب أن لا ينظر للتدخل الأمريكي باعتباره تدخلا نيابة عن النظام، رغم أنه سيكون المستفيد حالة دفع موجة داعش للوراء. وترى الصحيفة أن هذه الحرب «فوضوية»، ومع ذلك فلا خيار أمام اوباما، وهي بالمعايير الأخلاقية ليست «غامضة «فداعش كما تعترف غالبية المسلمين قوة شر في العالم، ولديها نزعة إبادة نحو الشيعة وبقية الأقليات، ولن تتم هزيمتها على المدى القصير، ومع ذلك يجب أن لا يسمح لها بالإنتصار».
ومن هنا علقت صحيفة «التايمز» على أن الغارات لن تكون كافية لدحر داعش، ولا بد من القوات البرية كي تكمل مهمة إخراج الجهاديين من الأراضي التي سيطروا عليها وتقترح الصحيفة قواتا مشتركة: الجيش العراقي والبيشمركة وقوات المعارضة السورية، وربما قوات أردنية. ورحبت «التايمز» بقرار أوباما رغم تأخره. وتحسرت الصحيفة على عدم مشاركة بريطانيا إلى جانب الدول العربية، التي تعتبر مشاركتها مهمة منذ حرب الخليج.

تحالف آيل للسقوط

وفي هذا السياق يقول روجر بويز إن الغارات الجوية تنجح في بدايتها لأنها تضرب أهدافا محددة، لكن داعش سيجعل الحياة صعبة للتحالف الأمريكي، حيث سيتكيف مع الضربات، أي سيتفرق ويعيد تشكيل نفسه أو الإختفاء بين المدنيين. فهم على ما يقول بويز في «التايمز» قد يكونون مجاهدين، ولكنهم تلامذة لـ»نظرية ماو» في حرب العصابات، والذي شبه الناس/الشعب كماء البحر يسبح فيه السمك ويصعب اصطياده.
ويعتقد أن هزيمة داعش لن تتم من الجو، بل ميدانيا ووجها لوجه، ولا أحد يقترح هنا إرسال قوات برية،لكن ما يثير الغرابة هو أن أعدى أعداء داعش هم أعداء ألداء للغرب: إيران وحزب الله وحزب العمال الكردستاني (بي كي كي)، وعليه فليس للغرب أي تأثير على هذه المجموعات المصنفة إرهابية.
ويعتقد الكاتب أن تحالف أوباما ليس إلا بناء آيلا للسقوط مكونا من 40 دولة وما يجمعها هو الكراهية المشتركة. وسينتهي التحالف إلى دول تقاتل وهي فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة ودول تتفرج أي الدول العربية. ويضيف أن قادة داعش تخرجوا من السجون الأمريكية في العراق ويفهمون أن هذه الحرب تدور حول «التوقيت، فالولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون تهدف لشن حرب قصيرة وتحقق انتصارا سريعا، أما داعش فيهدف إلى حرب طويلة ينتهي الغرب فيها خاسرا.
ويشير بويز إلى حل الغرب لمعضلة كهذه وهي تسليح جماعات محلية تواصل الحرب حتى بعد تحقيق مصالح الغرب، مثل الأكراد والجيش السوري الحر، والأخير يعتبر أكثر مكونات التحالف إثارة للدهشة، فلا يوثق به ويعاني من سوء إدارة منذ عام 2011 . ويأمل أوباما بإنفاق 500 مليون دولار على تدريب عناصره وتحويله لجيش، ولهذا نقل المهمة من الـ»سي أي إيه» للبنتاغون.

تحول أوباما الدمشقي

في هذا السياق ينظر باتريك كوكبيرن إلى ما يراه «تحولا دمشقيا» في موقف أوباما، حيث غيرت الإدارة سياستها الهادفة للتخلص من الرئيس الأسد، التي تسعى إليها منذ ثلاثة أعوام، مشيرا لإمكانية دخول بربطانيا الحرب، حيث لمح كل من رئيس الوزراء ديفيد كاميرون إلى هذا، وكذا وزير الدفاع مايكل فالون، الذي تحدث لمجلة «سبكتاتور».
ويرى الكاتب أن واشنطن ليس لديها أي خيار حالة طال أمد الحرب إلا التعامل مع الذين يقاتلون داعش على الأرض، مثل حزب الله وأكراد سوريا.
ويقول إن مشاركة دول الخليج مهمة، لأن الولايات المتحدة في الماضي اشتكت من دعم جهات خاصة في هذه الدول للجهاديين في سوريا. وقلل الكاتب من أهمية الغارات على حركة داعش، الذي حضر نفسه لها، وقام بنقل قادته وعائلاتهم وخبأ معداته وأخلى المباني العامة. ونقل عن أحد مواطني الرقة «إنهم يتحركون باستمرار، ولا يلتقون إلا بشكل محدد». ويعلق الكاتب إلى أن الحرب قد تتحول لحرب عصابات وهي التي يمارسها التنظيم منذ بداية الغارات عليه 8 آب/أغسطس الماضي.

دمشق مستفيدة

وفي الإتجاه نفسه علق روبرت فيسك في مقالة له في الصحيفة نفسها، أي «إندبندنت» على الغارات وإمكانية مساعدتها نظام الأسد الديكتاتوري. وقال «في اللحظة التي تحركت فيها الولايات المتحدة ووسعت حملتها ضد داعش لتشمل سوريا، حصل بشار الأسد على دعم عسكري وسياسي أكثر من أي قائد عسكري، فبانفجار القنابل في مناطق شمال وشرق سوريا يمكن للأسد الإعتماد الآن على دعم روسيا والصين وإيران وأمريكا، وحزب الله والأردن ودول الخليج الثرية للحفاظ على نظامه». وأشار الكاتب إلى أن الأسد يمكنه الجلوس في بيته في دمشق ليفكر كيف تقوم أقوى دولة في العالم، التي حاولت ضربه العام الماضي باستهداف أعدائه».
ويقول إن السعوديين الذين أسهمت «جمعياتهم الخيرية» في دعم الدولة الإسلامية، يشاهدون حكومة بلادهم وهي تساعد في تدميرها. وقارن الكاتب ما يجري من تحالف غريب بتحالف رئيس الوزراء البريطاني وينستون تشرتشل مع ستالين عام 1941 لتدمير النازية أثناء الحرب العالمية الثانية.
وسيكون النظام البعثي أحمقا لو اعتقد أن علاقته مع أمريكا علاقة صداقة، فأوباما هو آخر شخص في العالم يريد الأسد الإرتباط به، خاصة أن الحملة الجوية قابلة للتوسع كي تشمل أهدافا أوسع. ويرى فيسك أن طريقة الهجمات تقترح نية أمريكية لتوسيع أهدافها لتشمل جهات غير النصرة والجماعات المرتبطة بـ»القاعدة»، ولن ننتظر طويلا قبل أن يخطىء صاروخ طريقه وينتهي في مخزن من مخازن الجيش السوري أو منشآت الحكومة، خاصة أن حكومة أوباما تخطط لتدريب قوات المعارضة «المعتدلة». ويضيف فيسك أن أيا من الدول العربية، التي شاركت في الحرب باستثناء الأردن، أي دليل على مشاركتها في الغارات على سوريا. مذكرا بتحالف «الدول المستعدة» الذي شكله بوش عام 2003 ولم يتجاوز دور هذه الدول توفير المطارات والوقود للطائرات من القواعد العسكرية في منطقة الخليج. ويسخر الكاتب من حديث أمريكا عن «مراكز قيادة» داعش، التي ليست إلا مجموعة من المقاتلين الذين يتواصلون عبر الهواتف النقالة. ويدعو الكاتب هنا الخبراء والسفراء السابقين الذين يعلقون على الدولة الإسلامية النظر في كتب التاريخ والحديث عن أن الدولة الإسلامية نشأت من داخل «القاعدة» في العراق، التي ازدهرت اُثناء الغزو الأمريكي- البريطاني للعراق، والسؤال، هل كانت الولايات المتحدة ستدخل حربا تساعد فيها بشار الأسد لو لم يقم السيدان توني بلير وجورج بوش بغزو العراق؟

مقايضة سعودية – إيرانية

وتعتقد صحيفة «الغارديان» أن المغامرة الأمريكية في سوريا محفوفة بالمخاطر، فهي خطوة للمجهول وتؤثر على الرهائن، وقد تؤدي لضحايا مدنيين، ولا يعرف أين سيذهب الصراع السوري. وتطرح أسئلة حول قانونية الفعل العسكري، يضاف إلى هذا فتح المجال أمام عمليات انتقامية على التراب الأمريكي.
وفي المقابل تقول الصحيفة إن ترك داعش في مكان آمن وضربه في آخر لم يعد منطقيا في ظل انهيار الحدود السورية – العراقية. كل هذا صحيح، لكن طبيعة الإلتزام الأمريكي – الغربي تظل رهن اتفاق الدول التي مولت ودعمت سياسيا أطراف الحرب في سوريا والعراق. وتقترح الصحيفة مقايضة كبيرة بين السعودية وإيران، اللتين بدأتا تعترفان بدور في خلق «وحش» لم تعودا تستطيعان السيطرة عليه. ويجب عليهما التعاون، ليس لتدمير الوحش، ولكن للتعايش بينهما، أي بين السنة والشيعة في دولتين محطمتين.
وترى في العمل العسكري ضروري لحماية المجتمعات المهددة من «داعش» ووقف زخم تقدمه وللحصول على وقت على ثلاث مستويات، دولي، فمشاركة الدول العربية والتقارب السعودي – الإيراني يشير لتقدم. المستوى الثاني، في العراق، حيث الصورة غير مشجعة. والثالث في سوريا، حيث الصورة لا تشجع أيضا. لكن ضغوطا خارجية على كل من سوريا والعراق يمكن أن تغير الوضع. وفي النهاية ترى أن العمل العسكري يمكن الدفاع عنه حالة قاد لحل سياسي.
ومن التعليقات المثيرة، ما قدمه صاحب «نهاية التاريخ» فرانسيس فوكوياما مع كارل إيكنبيري في «فايننشال تايمز» من نصيحة لاوباما، حيث قال إن التاريخ البريطاني يمنح الرئيس بعض الدروس، وهو يحاول وضع وجه شجاع على السياسة الأمريكية في مواجهة داعش. وقال إن الدروس التي تعلمتها أمريكا من الحروب الأخيرة هي أنها أي أمريكا لا تملك الحكمة أو المصادر ولا القوة لإملاء النتيجة السياسية. فواشنطن أرادت بناء ديمقراطيات في العراق وأفغانستان، ولكنها الآن راضية إن حافظت على البلدين بدون تفكك.
وفي تعليقهما على ما أعلنه أوباما لملاحقة داعش أكدا على أهمية الإستراتيجية الواضحة، وفي هذا يمكنه التعلم من تاريخ بريطانيا، التي لم يكن لها أصدقاء في أوروبا، ولكنها فرضت رأيها على القارة من خلال ما يعرف باسم «توازن ما وراء البحار»، فمن المعروف أن بريطانيا لم تحكم أراضي ولكنها سيطرت على البحر، وكانت قوة اقتصادية استخدمتهما للوقوف أمام أي محاولة للهيمنة.
وهذا دور مناسب لأمريـــكا التي ليست في موقع لإنهاء الصراع السني الشيعي، الذي ينتشر في معظم أنحاء الشرق الأوسط. كما لا تملك الولايات المتحدة الوسائل لتحقيق تسوية سياسية تؤدي لديمقراطية في ســـوريا وحكم رشيد في العراق.
وكل ما تأمل فيه هو أن لا تطول الحرب، كما في حرب الثلاثين سنة بين الكاثولـــيك والبروتستانت في القرن الثامن عشر. وكل ما يمكن لأمريكا فعله هو منـــع أي لاعب مثل الأسد أو داعش من تحقيق انتصار. ويرى الكاتبان أن داعش تمدد فوق طاقته في سوريا والعـــراق ولا يتمتـــع بجاذبيـــة أيديولوجية، ولهذا فالضــربات الجوية ستضعـــفه، وأي عمل بري ستقوم به القوى الإقليمية التي لها مصلحة في هزيمة داعش.
ويقولان إن أمريكا لا أصدقاء أو أعداء لها في هذه الحرب الطائفية، صحيح أنها تريد حماية جماعات مثل الأكراد والحكومة العراقية ودول الخليج النفطية، التي تشارك أمريكا أهدافها وبعضها شارك في الغارات لكنها شاركت في صعود العنف والتطرف بطريقة أو بأخرى. وبالمقابل تعتبر واشنطن إيران عدوا لها، لكنها تتشارك معها في عداء داعش.
ويعتقد الكاتـــبان أن إمكانية تدمـــير داعش هدف بعيد المنال، فالولايات المتحـــدة حاولت تدمــــير «القــــاعدة» لأكثر من 13 عاما ولم تنفع معها الحيلة، ومن هنا يمنحـــها «توازن ما وراء البحار» وسيلة لاحتواء حرب أهلية وتحقيق أهدافها.
وفي النهاية يظل قرار أوباما معلقا بالنتائج، وترى فيه صحيفة «نيويورك تايمز» قرارا غير صائب، لأنه تم بدون خطة أو نقاش عام ومصادقة من الكونغرس «ففي غياب فهم الرأي العام أو نقاش وخطة متماسكة يظل قرار الغارات في سوريا غير صائب».

إعداد إبراهيم درويش

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية