«لقد أصبحنا لا نتكلم إلا عن حقوقنا المهضومة، ونسينا الواجبات، ونسينا أن مشكلتنا ليست في ما نستحق من رغائب، بل في ما يسودنا من عادات وما يراودنا من أفكار، وفي تصوراتنا الاجتماعية، بما فيها من قيم الجمال والأخلاق، وما فيها من نقائص تعتري كل شعب نائم».
يُعتبر المفكر الجزائري مالك بن نبي – صاحب هذه العبارة – من أكثر المفكرين عُمقا في تناول مشكلات العالم الإسلامي وتحديد أبعادها، والوقوف على جوهرها من دون التركيز على الأعراض والمظاهر، فلذا يرفض منطق التساهل الذي اعتنقه الكثيرون في ردِّ مشكلات الأمة إلى الأزمات التي يعتبرها هو نتائج لأصول أخرى.
دائما نضع تصوراتنا في تشخيص المشكلة في إطار اقتصادي أو اجتماعي أو سياسي، فالبعض يرى أن الفقر هو المشكلة الأساسية، لكن بالنظر إلى تكدُّس الأموال في أيدي ثُلّة من الأثرياء الذين ينفقون في البذخ والترف الزائد، تُصبح المشكلة مزدوجة، فإضافة إلى الفقر تبرز القيم الفاسدة المصاحبة لمسائل التملّك والإنفاق كسبب رئيس في المشكلة. البعض يرى كذلك أن مشكلة الأمّة تكمن في الجهل، مع أن الواقع يشهد بأن كثيرا من المتعلمين ليس لهم تأثير في حياة الآخرين، وربما لا تجد أي فرْق بينه وبين غير المُتعلّم. وحتى أثر الاستعمار في بلادنا، ربما أعدّه البعض المشكلة الأبرز، نرى بشيء من التأمُّل أن الاستعمار لم يكن سوى سبب أو نتيجة لأَصل في نفوسنا وهو القابلية للاستعمار. المشكلة ليست في الأزمات والأوضاع، فما من أُمة تقدمت أو نشأت إلا وأمامها العراقيل والعوائق، فعلى سبيل المثال كانت الطوائف اليهودية في بعض البلدان في السابق تعاني الاضطهاد ووضْع العراقيل أمام التجارة والحصول على التعليم، لكنهم لم يركنوا إلى تلك الظروف، وأنشأوا مدارس سرِّية في البيوت يقوم عليها متطوّعون من شتى المجالات، ونشطوا في مجال التجارة على مبدأ الفرد للجميع والجميع للفرد، وعمّروا المعابد أكثر من ذي قبل، باختصار: قدموا أنموذجا لانتصار الفرد على البيئة.
في كتابه «شروط النهضة» يبرز مالك بن نبي سبب انتصارهم على العراقيل الخارجية بقوله: «كان نجاحهم منطقيا، فإن أنفسهم لم تكن معلولة، ولم يكن مِن مُعوّق داخلي يُمسكهم عن التقدم ويحطّ من قيمة أنفسهم بأنفسهم». إن المشكلة الأساسية تكمن في ذلك الجهاز الاجتماعي الأول المسمى بالإنسان، الإنسان المسلم الذي غاب عن الفاعلية فغاب عن التأثير في الواقع. مشكلة ثقافة أفراد تجعلهم دائما يتحدثون عن حقوقهم المسلوبة، ويغضون أبصارهم عن الواجبات التي تقع على عواتقهم، ولستُ أعني بالثقافة هنا المعرفة كما يظن الكثيرون، وإنما أعني ذلك الإطار الجامع للصفات الخلقية والقيم الاجتماعية التي يلقاها الفرد منذ ولادته كرأسمال أوّلي في الوسط الذي نشأ فيه. وكثيرا ما نرى أن بعض النخب الثقافية بلا تأثير، وهو نتيجة طبيعية لذلك الخلل الذي نتحدث عنه، وربما طالب كغيره بالحقوق المسلوبة تحت أيّ ظرف، مثل ذلك المُثقَّف الذي وقف يومًا في إحدى الجامعات العربية يقول: «إننا نريد حقوقنا ولو مع جهلنا وعُرينا ووَسَخِنا». ما الذي يجعل الطالب العربي يتقدم أحيانا في دراسته عن الطالب الأوروبي، بينما يتفوق عليه الأخير في التأثير في مجتمعه؟ إنها فاعلية الفرد وقدرته على التأثير. إن أيّ مشروعات نهضوية لا تنبني على إعداد الفرد، تُعتبر كقصور من الرمال على شاطئ البحر، لن تجدي ولن تستمر، فعلى سبيل المثال: الفرد الذي لا يتشبع بالقيم الحضارية الإيجابية لن يضع القمامة في سلّة المُهملات المخصصة لها مهما كان عددها في الشوارع، بينما الفرد الفعال تجده يبحث عن مأوى لمخلفات منزله مهما طال به البحث. التوجه إلى إعداد الفرد هو واجب الوقت ورأس الأولويات، وإلا فالدوران في حلقة مفرغة، فلا مَناص من إعداد الفرد وتنميته وتثقيفه.
أسهل وأقرب السبل لإعداد الفرد يكون من خلال الحكومات والأنظمة التي تسيطر على مفاصل الدول ومؤسساتها، وتستطيع – إن شاءت – إعادة صياغة الفرد ليكون جزءًا من عوامل الاستيلاد الحضاري. لكن كما هو معروف، تُعتبر معظم الأنظمة العربية الإسلامية ذيلا للاستعمار الذي رحل وترك لنا جيوشا وحكومات تقوم بعمله، في وضع العراقيل أمام تفجير الطاقات والمواهب، ولذا لا يُعوّل على تلك الحكومات التي لا يعنيها في الغالب سوى العروش التي تركها المستعمر. وإنما أسوق ذلك التوضيح حتى لا يتهمني أحد بالتكريس للظلم الاجتماعي، بإلقاء الكرة في ملعب الأفراد ونزع التبعة والمسؤولية من عن أكتاف الحكام والمسؤولين، ولا أبرئ ساحة الأنظمة في ما وصلنا إليه من أوضاع مُترديّة، وإنما لا بد أن نتحدث عن بديل بعد أن بُحّت الأصوات. بقِي التعويل على الفرد ذاته، في استشعاره المسؤولية في أنه مفتاح التغيير، وبحركته يتحرك المجتمع والتاريخ، تشاركه في ذلك المحاضن والمؤسسات التي تهدف إلى الإصلاح في شتى المجالات، سواء كانت مؤسسات دينية دعوية، أو اقتصادية، أو تعليمية، أو سياسية، أو إعلامية. جميع هذه المحاضن يمكنها وضع آليات لتشكيل الفرد العضو في المؤسسة بما يتفق مع الهوية الثقافية لمجتمعه، وما يتفق مع متطلبات النهوض.
كاتبة أردنية
إحسان الفقيه
كلامك هذا يا أستاذة ينطبق على المسلمين بالغرب وليس في بلادهم التي يحكمها الطغاة المعرقلين لأي إصلاح !
نعم نحن المسلمين المغتربين نحاول التكاتف مع بعضنا البعض للنهوض بما ينفع أولادنا وبناتنا بدءً من مدارس القرآن
ولا حول ولا قوة الا بالله
لا يوجد تكاثف بل كثيرا من ضرب تحت الحزام، الا في مسالة تعليم القرآن.
.
ربما الجالية السورية من اللاجئين الآن ستبهرنا كعادتها في جنوب امريكا و افريقيا، و ستصل الى مفاصل
السلطة في عشرين سنة بس و مشاركتها في ناتج الدخل القومي بمعدل اكثر من المعدل بكثير.
.
انا لا اعتبر السوريين هوموزابين عاديين ان اتيحت لهم الفرصة و الافلات من الكيماوي. يصنعون العجب.
و قد قلت لاصدقاء المان هنا انتقدوا افواج السوريين اللاجئين، قلت له احمد ربك … هدية لالمانيا ببلاش …
ان سبب تخلفنا ليست حكوماتنا وحدها بالضبط مسؤولة عليه بل بصورة عامة عاداتناوتقاليدنا وموروثنا الشعبي وبالتاكيد في الوقت الحاضر تلعب القبلية والطائفية دور اخر في تخلفنا.مشكلة الانسان في بلداننا لا يعرف ما يريد وما هي مصلحته فلو قارنا الامر في العراق قبل وبعد 2003 سنرى العجب فقبلها كان صدام وحزبه يتدخل في كل صغيرة وكبيرة وهم من يسيرون الانسان والبلد وبعدها اصبح للفرد امكانية الاختياروقول ما يريد بدون خوف نسبيا ولكن النتيجة مخيبة لالامال في ثلاث دورات انتخابية يعيدون الفاسدين وقادتهم للبرلمان والحكومة .
والامر المحير الاخر فاننا وان هاجرنا من بلداننا الى بلاد الغرب ناتي بكل سلبياتنامعنا ونابى ان نتركها هناك فالقبلية والطائفية كوشم على اجسادنا،
*من شروط (النهضة) إصلاح (التعليم)
معظم مناهج التعليم في الدول العربية
ضعيفة وتركز على (الحفظ) والبصم
وتهمل الجانب (العملي) تماما..؟؟؟!
* (البحث العلمي) وما أدراك ما البحث العلمي
بدونه لن نتقدم خطوة واحدة للأمام.
*قرأت مرة عن ميزانية مركز البحث العلمي
في احدى الجامعات الأمريكية تعادل
ميزانية جميع مراكز البحوث ف الوطن العربي
* (الإبداع) دولنا العربية للأسف بيئات
طاردة للمبدعين والعلماء وهجرة العقول
من الوطن العربي الى أوروبا وأمريكا
معروفة للجميع.
*الوضع العربي سييء ومهلهل وعلى وشك
السقوط وفي جميع المجالات للأسف..
سلام
أتفق مع (سامح/الأردن) في وضعه نوعية التعليم في صدارة شروط النهضة المنشودة.
مصيبتها في التعليم التلقيني، والدواء هو تدريب صغارنا على التفكير النقدي.
يقول المتنبي : ( و إذا كانت النُّفوسُ كِباراً — تَعِبَت في مُرادِها الأجسامُ ) ، إنها النفس الإنسانية تتفاوت من شخص لآخر و من بيئة لبيئة أخرى ، لطالما ركنت النفوس إلى شمّاعة الاستبداد و نير الاستعباد لتبرر حالة التكاسل و الإحجام عن التغيير ، و ما أسلفت توصيفاً الكاتبة القديرة بأنها لا تدعي براءة الأنظمة المستبدة من الحال التي نمر فيها ، فبالمقابل لسنا في منصة البراءة أيضاً ، فالعزائم التي تحقق النهوض ، و تعلي قيمة الإنسان ، و من يقرأ التاريخ يعلم أن الأمة العربية والإسلامية مرّتا في ظروف أشدُّ قسوة مما نعايشه اليوم ، و لكن إيمان الأفراد بذواتهم ، و اجتهادهم لصناعة الأمل و استبدالهم لميراث الألم ، أعاد الأمة للسيادة و الزيادة .. إذن كما قالت بإبداع أ . إحسان الفقيه « بقي التعويل على الفرد ذاته في استشعار المسؤولية في ( أنه مفتاح التغيير ) ، و بحركته يتحرك المجتمع و التاريخ » .
بورك قلمكم الذي ينير للتائهين دروب الحق ، و يعلي قيم الإنسانية و العزائم التي تعيد بناء الأمم و تعيد لها نهضتها و مجدها ..
يااستاذه صدق القائل ( لايصلح هذه الامه فى اخر زمانها الا بما صلح به اولها) ياستاذه كيف كان العرب قبل الاسلام كانوا فى جاهليه عباد للاوثان يقتل القوى فيها الضعيف وياكل حقه ويستعبده وياكلون الميته و يفتلون البنات الخ ولما جاء الاسلام اهتم رسول الله ببناء الانسان من الداخل فكل يحب لاخيه مايحب لنفسه وانتشر بينهم الصدق والامانه والعفاف والشجاعه يحرصون على الموت فى سبيل مبادءهم اكثر من حرصهم للحياه وعن طريق ثلاثة الاف صحابى تم فتح اكثر من نصف الكره الارضيه وتقدموا فى كافة العلوم الى الدرجه ان خليفة المسلمين اهدى لملك فرنسا ساعه تعمل بالماء ملك فرنسا لتخلفه ظن ان بها عفريت او جان يحركها
ولكن للاسف حينما بعد المسلمون عن المبادىء التى رسخها رسول الله فى نفوسهم سعى كل منهم الى مصالحه حتى ولو كانت على حساب مصلحة دينهم واتبعوا شهواتهم من مال ونساء وعلو فى الارض بغير الحق فتنافسوا فيما بينهم على هذه الشهوات بغير حق فالى الان يتنافسون على الحكم فيما بينهم الامر الذى شاع بينهم الحسد والحقد والقتال فيما بينهم وعدم اهتمام كل منهم فى انجاح قيادة الاخر له ولباقى المسلمين فيدعو الى الفساد وشاع بين المسلمين روح الانانيه واخذ كل منهم ماليس له فانقسم المسلمون الى احزاب تتلاعب بالدين للوصول الى اهدافها وتدخل الاعداء فاعطى كل فريق من فرق المسلمين سلاحا يقتل بعضهم بعضاوهذا مايحدث الان وللخروج يجب كما وردفى الاثر ( ادى الذى عليك واسال الله الذى لك)+فعلى كل مسلم يؤدى واجباته ويتعامل مع الاخرين كما يحب ان يعامله الله فان احب كال منا ان يجد من الله كرما ورزقا وعفوا وامنا فيجب ان نكرم الاخرين ونعفوا عن اخطاءهم ونؤثرهم على نفو سنا ونتصدق بمالنا حتى يرزقنا الله ونتقى الله فى اعمالنا ونتقنها لنعيد بناء اقتصاد بلدنا لتحقيق الامن فيما بيننا فلا نتنافس بل نتعاون
افتقدتك على التويتر وخفت عليك .. فهل اكون من المحظورين عندك بالخطأ.. تأكدي اسمي على التويتر بالانكليزي
مشكلة العالم العربي المعاصر ذات ابعاد متعددة الجوانب كما ذكرت وقالت لي يوما امي رحمها الله وهي لم تدخل المدرسة كما درستُ انا ” مشكلتنا اذا : واحد يثصلح وعشرة يُفسدون وهم في مفاصل إدارة البلاد فإقرأ على تلك البلاد بالفساد. فالتعليم فاسد والوعي يتبعه والحاكم لص فالباقون يشتركون. والكذب منتشر فالقسم بالله وبكل شيء منتشر لأجل توثيق الكلام وأغلبه غِش ونفاق ودجل. نحن قوم نركض وراء الغرب والغرب يمزقنا اربا اربا بسوء الافكار والمبتكرات المتعددة الابعاد ونحن لا نفقه استعمالها والاستفادة منها الا القليل منا والباقون يلعبون بها لهواً ؛ كما لو انهم يظنون أنهم في عالم التقدم والحضارة؛ وهم شبه جهلة بانفسهم وواقعهم بأبعاد شتى. هذه كبوة العالم العربي والاسلامي. فاحزابها تتنافس على السلطة وحكامها يركضون وراء تعاليم الغرب زحفا وتطبيقا. فلماذا تهدمت اربعة دول عربية تقدمت خطوات .. هي العراق وليبيا واليمن وسوريا وهي والسعودية غاطسة في حروب بلا نهاية ولماذا تتوسع إيران خفية وعلنا في العالم العربي وغيره لقيام حروب قادمة (شيعة وسنة) ما هو الهدف منها؟ واسرائيل وسط عالم ملتهب يراقب ويتعامل وخلفه الغرب كله يجني ثمارا متعددة الاهداف. فنحن أعداء أنفسنا بوعي وبوعي كاذب ومنافق وندعي كل أنواع البطولات الفارغة الاهداف في جوهرها. ونلعب بالقشور ورقابنا للنحر بِبعُدٍ غير منظور. (وتلك الايام نداولها بين الناس لعلَّهم يعقلون) وشكرا لكاتبة المقال في الحديث عن شُعَيرات مِن راس الفساد بين العباد. ليت الوعي الحقيقي في رأس المجتمع ينمو كزرع جديد ؛ لكنَّه يحتاج لمعالم جديدة ولله عاقبة الامور فيما يدور. ولعل رقيب الجريدة يقتنع بنشره.