■ من الخطأ قراءة قرارات الرئيس عبد الفتاح السيسي بالقطعة، فالرجل ـ والشهادة لله ـ يملك تصورا كاملا للإمساك بفرصة مصر الأخيرة في النهوض، وأخذ مكانها تحت الشمس، فلسنا بصدد برنامج سياسي واقتصادي وثقافي عابر بل بصدد «مهمة حربية» بامتياز، تستنفر المصريين في تعبئة شاملة لتحقيق النصر، لأنه ما من فرصة لترف الهزيمة هذه المرة.
نقطة البدء في تفكير السيسي هي هزيمة 1967، وقد كانت ـ في رأيه ـ أخطر محاولة لتحطيم نهضة مصر الكبرى في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، كانت مصر قد أنجزت خطتها الخمسية العظمى الأولى والأخيرة، وبدت كدولة عظيمة دخلت باقتدار في مرحلة التكنولوجيا والتصنيع الشامل، وإرساء القاعدة العلمية الصناعية المتقدمة، وكانت صلابة الإنجاز وراء امتصاص الهزيمة، ووراء الصمود العظيم بعد الهزيمة الخاطفة، وإعادة بناء الجيش من تحت نقطة الصفر، إلى أن استطاعت مصر اجتراح المعجزة، وتمكن جيشها الحديث من اقتحام خط بارليف بعد عبور قناة السويس. لم يكن الإنجاز مجرد نصر عسكري تحقق في ملحمة حرب أكتوبر 1973، بل كان عنوانا على مقدرة البلد الفتي على عبور الهزيمة واستئناف النهوص، وقد كانت مصر ـ حتى ما بعد حرب 1973 ـ رأسا برأس مع كوريا الجنوبية في معدلات التنمية والتقدم والاختراق التكنولوجي، لكن إنجاز السلاح أطاحت به السياسة الخائنة لمشروع النهوض، وبدأ الانكسار بعد حرب 1973، كما يعتقد الرئيس السيسي، وكانت المفارقة أن أهداف ضربة 1967 لم تتحقق إلا بعد نصر 1973، فقد كانت الهزيمة خاطفة، لكن النصر صار مخطوفا، وهو ما أدى إلى الانهيار العظيم، والانحطاط التاريخي الذي تردت إليه مصر عبر الأربعين سنة الأخيرة، والذي تضاعفت معدلاته في الثلاثين سنة الأخيرة بالذات، وهي السنوات التي «وقع فيها البلد» بنص تعبيرات السيسي.
معنى ما نقول بسيط وصريح، فاللحظة التي يبدأ منها السيسي هي لحظة الهزيمة، كادت مصر تتحرر من وطأة الهزيمة العسكرية بنصر 1973، وبإنجاز عنصر جوهري في نهوضها هو، بناء الجيش العصري الحديث، لكن خذلان السياسة لحد السلاح انتهى بنا إلى مصير الهزيمة الشاملة، ليست الهزيمة العسكرية التي يسهل تجاوزها هذه المرة، بل الهزيمة السياسية والاقتصادية والحضارية الشاملة، التي بدأت بانفتاح «السداح مداح»، وبافتتاح الرئيس السادات لأوكازيون الثراء الحرام والنهب العام، وتفكيك مشروع النهوض الوطني باختيارات جمال عبد الناصر، ويجعل مصر مجرد ورقة على مائدة ألعاب، تحتكر أمريكا 99٪ من أوراقها، على حد قول السادات، ثم جاء حكم مبارك البليد الطويل الراكد عقب اغتيال الرئيس السادات على منصة العرض العسكري، وزاد مبارك فجعل مئة في المئة من أوراق اللعب بيد أمريكا، وهكذا ضاع استقلال مصر الوطني بعد تضييع مشروع نهوضها الانتاجي والصناعي والتكنولوجي، فالسادات لم يبن نظاما على أنقاض نظام عبد الناصر، بل أحل الركام محل النظام، وجاء مبارك ليلعب دور «الحانوتي»، وشفط سلطة وثروات مصر إلى جيبه وجيوب عائلته وحوارييه ومليارديراته، وترك مصر في أكفانها السوداء، فقد تحلل جهاز الدولة بصورة دراماتيكية، وصار أشبه بجثة متعفنة متحللة تسد الطريق العام، وأصابه الترهل مع انعدام الكفاءة، وتحول بتغول الفساد إلى «الخصخصة المجازية» لمفاصله الكبرى، وحول المتحكمون مناصبهم إلى ماكينات بنوك تدر نقودا، وتكون تحالف جديد من البيروقراطية المتعفنة والحكم العائلي ومليارديرات المال الحرام، وجرى تجريف أصول الدولة وقلاعها الصناعية الكبرى، وانتهينا إلى وضع مملوكي، عاد بتاريخ مصر إلى ما قبل دولة محمد علي، وانقسمت مصر إلى مجتمعين، مجتمع الطبقة الأغنى في المنطقة، ومجتمع الشعب الأفقر في المنطقة، وتشكل المجتمع الأخير من غالبية السكان المصريين، الذين راحت فرصهم في الحياة الكريمة تتضاءل إلى حد الاختناق، وراحت حيويتهم المجتمعية تذبل، وتحولوا من مجتمع إلى «غبار بشري» هائم في طرقات التاريخ، ما من سبيل مفتوح أمامه لمواصلة بطولة البقاء على قيد الحياة، وما من بديل متاح غير الهجرة والهروب في واحد من سبيلين، إما الهجرة في الجغرافيا بحثا عن الرزق، التي حولت ملايين من المصريين إلى نفايات بشرية على أرصفة بلاد الدنيا القريبة والبعيدة، أو الهجرة في التاريخ بظاهرة العودة الدينية المعممة، والبحث عن خلاص في الآخرة بعد انسداد سبيل العمران في الدنيا، وهو ما يفسر ظاهرة تضخم تيار اليمين الديني في سنوات وعقود انحطاط مصر التاريخي، فقد خاطب اليمين الديني «يأس» المصريين كجماعة دينية، ثم أنه خاطب «بؤس» المصريين كجمعية خيرية، وكان لتضخم نفوذ اليمين الديني أثره المباشر في محاولة خنق الثورة المصرية المعاصرة، التي توالت فصولها بدءا من التحرك الأول في 25 يناير 2011، لكن إفاقة المصريين السريعة من كوابيس الانحطاط، التي كانت أعظـــم إنجاز تلا ثورة 25 ينـــاير إلى الآن، هــذه الإفـــاقة مــــن الغيبــــوبة مكنت المصـــريين من اكتشاف خديعة وعوار اليمين الديني سريعا، وفتـــحت عيونهم على أهــــوال اللحظة، فقد استعادوا نعمة «الشعور بالألم» بعد حالة التبلد التاريخي المزمنة، وأطاحوا بحكم الإخوان في هبة الثلاثين من يونيو الأسطورية، وأدركوا بلمـــس النار، أن جماعة الإخوان قوة ثورة مضادة تماما كجماعة مبارك، ثم قادهم حس النجاة الغــــريزي إلى اختيار السيسي رئيسا، وفي ســـياق حــالة شـــعبية لم يسبق لمصر أن صادفتها منذ زمن جمال عبد الناصر.
وما قلناه ليس شروحا في تفسير اaلتاريخ الذي مضى، إنه جوهر اللحظة التي نعيشها الآن، التي لا تقبل تفسيرات بائسة من نوع تنميط السيسي ورئاسته، وبطريقة تلفت النظر في اجتماع آراء من يصورونهم كأضداد، فجماعتا الثورة المضادة الرئيسيتان تريدان وتصوران السيسي كمبارك جديد، جماعة الإخوان تصوره كذلك، وجماعة مبارك للمفارقة تريده كذلك أيضا، يريدونه ابنا لزمن الوحل، بينما الرجل ينتمي إلى معنى آخر تماما، فالسيسي ابن وفي لمشروع النهوض القومي في الخمسينيات والستينيات، ابن لمشروع النهوض بالوجدان، وابن لمشروع النهوض بالوعي، وابن للعسكرية المصرية التي هي بيت الوطنية الجامعة، والسيسي لا تنقصه الصراحة في هذه النقطة بالذات، فهو يتحدث بوضوح عن محنة الأربعين سنة، ولا يتردد في نسبة أحلامه إلى تجربة جمال عبد الناصر المثل الملهم للوطنية المصرية، وهو يعرف بالقطع أن الظروف تغيرت، وأن الوسائل والتطبيقات تتغير مع تغير الظروف والعصور، ويعرف أن عبد الناصر نفسه لن يكرر تطبيقات الخمسينيات والستينيات بذاتها لو عاد إلى الحياة والحكم، لكن القيم الكبرى تظل هي ذاتها، وإن قبلت الإضافة إليها، ومشروعه هو مشروع الدولة الوطنية العصرية المتقدمة التي حاولوا تحطيمها بهزيمة 1967، وهو التحطيم الذي تحقق بطرق السياسة الخائنة بعد نصر 1973، وهو ما يفسر إلحاح السيسي على أن مصر الآن في حالة حرب، وأنها هي الحرب ذاتها المتصلة منذ هزيمة 1967، التي مات عبد الناصر قبل أن يشهد عبور جيشه لاستحكامات الهزيمة، ثم كان ما كان من انحطاط مزمن خرجت به مصر من سباق العصر، وتحطم المجتمع المصري، وفقد المصريون ثقتهم في المقدرة على استعادة النهوض، وفي منطقة تفور وتغلي، وتتحطم فيها الدول واحدة إثر أخرى، وتجد مصر نفسها على خط الجبهة من جديد، وكأمة عظيمة توحد جيشها وشعبها في لحظة الخطر، ومستعدة لبذل العرق والدم والدموع مجددا، ودفع فواتير استئناف النهوض واقتحام العصر، فمصر كالعنقاء تقوم دائما من رماد، وربما تكون تلك هي العروة الوثقى بين مصر عبد الناصر ومصر السيسي.
كاتب مصري
عبد الحليم قنديل
عجيب أمر…
من كتب دستورا وداسه…
من صنع العجل و عبده…
من سمع الكذب و صدقه…
من أله الفرعون و مكنه…
من قتل الشهيد و جرمه…
مصرانهزمت في حرب 1973 والعالم كله يعلم ذلك الا أن بعض المصريين يصرون على تحويل هزائمهم الى انتصارات
عابر سبيل – عربي- انت بتستقى معلوماتك من كتاب التاريخ و لا من كتاب طبق اليوم؟
هدية مني إليك و إلى سيدك
https://www.youtube.com/watch?v=9rmSYuvzJLo#t=48
أقصى جهاد للعرب هو ابيات الشعر– أفيقوا
لا يا أستاذ قنديل ، أين الثرى من الثريا أين السيسي من جمال عبد الناصر ؟¡¡¡ ألم تسمع ما قالت مصر السيسي من أن “إسرائيل ” وفلسطين تتعنتان أيقارن حماس باسرائيل ؟أهكذا تتقزم مصر في عهد السيسي .الى تستحق غزة وشعبها يضرب ويستشهد وتدمر بيوتها على ساكنيها ،الى تستحق لبعض السطور من جانبك وأنت الذي كنا نعدك الكاتب القومي الناصري ¡¡¡ رحم الله جمال عبد الناصر ورحم شهداء غزة وكل شهداء الحرية في عالمنا العربي
لا تثعب نفسك م خلاص نانت يا بتوع القومية .
والآن كل ما حصل للبلاد فمرسي والإخوان وفي سنة حكمهم تخلفت مصر و سبقتنا كوريا يا أفندي ؟! والله سيحاسبكم التاريخ على بلادتكم : م مصر حكامها ع الناصر و من جاء معه ؟
قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا}
لا يمكن الدفاع عن السيسي و تشبهه بعبد الناصر بعد أن أنحاز للأغنياء من عصابة مبارك علي حساب فقراء الوطن …. و حسبي الله و نعم الوطيل !!