مصر: سوق سوداء للاقتصاد أم للسياسة؟

حجم الخط
19

أدلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في بداية الشهر الحالي بتصريحات ألمح فيها لاقتراب إقراره «إجراءات قاسية لإصلاح الاقتصاد». كانت تلك مقدمة لإعلان قبول الحكومة المصرية بشروط صندوق النقد الدولي مقابل إقراضها 12 مليار دولار ولتمهيد الرأي العام لأشكال من خفض الدعم على سلع أساسية وخصخصة شركات مملوكة للدولة ومطالبة المصريين بدعم هذه القرارات.
الأمر لا يتعلّق ـ بحسب تصريحات السيسي ـ بخطر هذه الإجراءات على البلد بأكمله وعلى مستقبل مواطنيه ومعيشتهم (أو كما قال «التحدي مش أبداً في الإجراءات») ولكن في استعداد المجتمع لتقبلها!
ترجمة هذا الكلام هي:
ليس مهمّاً أن تطرد من عملك وتفقد رزقك وتزداد الأعباء الماليّة على كاهلك وأن تفقد الأمل في مستقبل كريم لأطفالك. المهمّ هو أن تتقبّل الإجراءات التي ستقوم بها الحكومة بصمت ومن دون احتجاج. كل ما يحتاجه الأمر هو أن يتلقّى الرأي العام المصريّ «حجما من المعرفة يتيح له إنه يتقبل مني الإجراء اللي أنا عايز أعمله»!
«المعرفة» التي أراد الرئيس المصري نقلها لمواطنيه لخصها بفكرة «إن الدولار سلعة يمكن التعامل بها. ده التحدّي. تنسف الفكرة اللي تشكلت»!
فكرة «النسف» التي طبّقها وروّج لها السيسي خلال عملية مسح الجزء المصري من قرية رفح الحدودية مع إسرائيل، وجدت على ما يبدو سماسرة لها في حلقة الرئيس الاقتصادية، وهكذا فإن الإجراءات التي اتخذتها حكومة السيسي لـ«نسف» فكرة أن الدولار هو سلعة كانت بإقفال 48 من أصل 115 من شركات الصرافة.
إقفال هذا العدد الكبير من شركات الصرافة هو إجراء سياسيّ وليس اقتصادياً لأن إغلاق شركات الصرافة لو تم تطبيقه بالمطلق، فهو كفيل بإخراج مصر من النظام المصرفي العالمي. الإبقاء على شركات وإقفال أخرى، إذن، ليس إلا تضييقا احتكاريّا لمن يستطيع أن يشتري مكانا له في النخبة الماليّة المصرية.
أما سياسة تبسيط الأزمة الاقتصادية المصرية بسعر الدولار فحسب وفكرة «النسف» العسكرية اللصيقة بها (في تصريحات السيسي الآنفة قال إن القوات المسلحة تتدخل دائما لكبح جماح ارتفاع الأسعار!) لا تستطيعان تفسير سبب تضخم الأسعار بنسبة 15٪ سنويّا وتراجع قيمة الجنيه المصري أكثر من 40٪ خلال عام واحد وهبوط الاحتياطيات النقدية خلال خمس سنوات بنسبة 50٪، كما لا تفسر مستويات تصاعد البطالة والفقر، وضعف الإنتاج، وانخفاض معدلات الاستثمار، وتراجع السياحة.
الأهم من كل ذلك هو أن السيسي يتجاهل كلّيّاً أن الاقتصاد هو انعكاس للنظام السياسي نفسه، وأن من يحكم هذا النظام هي نخبة احتكارية تدير اقتصاداً أسود موازياً أدى بحسب هشام جنينة الرئيس السابق للجهاز المركزي المصري للمحاسبات إلى سرقة 67.7 مليار دولار بين أعوام 2012/2015.
هذه النخبة الحاكمة نفسها هي التي عاقبت جنينة بطرده من عمله وتحويله للنيابة العامة وتوجيه عدد من الاتهامات الملفقة ضده وذلك ليكون سابقة تمنع أي مسؤول مصري آخر من الإبلاغ عن الفساد.
صندوق النقد الدولي، الذي أعلن أمس موافقته المبدئية على إقراض السلطات المصرية 12 مليار دولار، لا يفعل عمليّاً غير أن يدعم نظاماً سياسياً متهالكاً لا يمكنه أن يقوم بإصلاحات حقيقية لأنه بسبب تحطيمه لآليات حماية المجتمع المدنيّ وأحزابه ونقاباته وانتهاكه لحقوق مواطنيه وطبيعته العسكرية ـ الأمنية أفرغ قدرات المجتمع على خلق توازن ضروريّ يحدّ من هيمنة حكامه.

مصر: سوق سوداء للاقتصاد أم للسياسة؟

رأي القدس

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول لسعة دبور / الارض:

    الأنظمة العربية الفاسدة و الدواعش هم أدوات بأيدي الصهيونية العالمية .

  2. يقول عادل:

    تدخل العسكر في السياسة والاقتصاد وغيرهما من المجالات ينطبق عليه قول الشاعر:
    يا باري القوس برياً ليس يحسنه ** لا تفسد القوس واعطالقوس باريها

  3. يقول بلحرمة محمد المغرب:

    ادا كانت الانظمة التي تحترم شعوبها تعمل جاهدة دون ملل ولا كلل لرفاهيتها واتخاد القرارات المناسبة في شتى الميادين لتكون في خدمة الوطن والمواطن فاننا نشاهد العكس تماما في البلاد العربية ولنكن صريحين وواضحين في هدا المجال فالانظمة العربية الفاسدة التي تجثم على انفاس الشعوب العربية لم تتخد قط اي اجراءات تكون في مصلحة الطبقات الشعبية المسحوقة والمحرومة بل كانت دائما متواطئة مع الدوائر الصهيوامريكية والغربية لحماية عروشها المتهالكة وفي الداخل مع منعدمي الضمير من المتنفدين والدائرين في فلكها ورجال الاعمال الفاسدين لتقاسم خيرات وثروات البلاد ولاجل مواجهة اي احتمالات يتم انشاء الاجهزة الامنية المختلفة واغداق الاموال الطائلة عليها وعقد صفقات ضخمة لاقتناء انواع من الاسلحة ليس للدفاع عن الاوطان والقضايا العربية والمقدسات ولكن لمواجهة العدو اللدود المتمثل اساسا في الشعوب ان هي تخطت الحدود المرسومة لها ونزلت الى الشوارع للاحتجاج عن سوء احوالها ومعاناتها المتعددة فالنظام المصري الدي يعتزم القيام بعدة اجراءات ل – اصلاح الاقتصاد المصري – يعرف اكثر من اي شخص اخر ان اجراءاته لن تكون محل ترحيب من طرف الاغلبية الساحقة لما تحمله من اثار سلبية اضافية على كاهل الطبقات المصرية المسحوقة بفعل السياسات اللاشعبية والفاسدة والمرتهنة للمؤسسات المالية الدولية المعادية للشعوب قلبا وقالبا ولا سيما الفقيرة منها فمشكلة النظام المصري والانظمة العربية جميعها تتمثل اساسا في الفساد الدي ينخر الاقتصادات العربية ويخلف المزيد من الدمار والخراب على كل الاصعدة فلا يسعنا الا ان نقول ان الاصلاحات المزعومة التي ينوي النظام المصري البناء عليها لاصلاح الاقتصاد حسب زعمه لن تؤتي اكلها لانه بكل بساطة ففاقد الشيء لا يعطيه فكيف لنظام وصل الى سدة الحكم عن طريق الانقلاب على الشرعية و تنقصه الكفاءة والتجربة وتغيب عنه الجدية والنزاهة والاستقامة والارادة ان يبحر بمصر الى بر الامان فنظام السيسي ما هو الا امتداد لنظام التبعية والفساد السابق بزعامة غير الماسوف عليه حسني مبارك فمن ترضى عليه عصابات الارهاب في تل ابيب وواشنطن والغرب لا يمكن ان يكون قائدا شريفا ووطنيا.

  4. يقول عربي حر:

    تحية للقدس العربي
    معنديش
    مش أدر أديك
    معنديش برنامج إنتخابي
    أنا لو أنفع أتباع
    لو كان على فلوس القنال إحنا حصلناهم
    ماسر شبه دولة
    وبعد
    يستغربون أنه فاشل

  5. يقول mohamed ali:

    لمن لا يعرف الشعب المصرى المحب لبلده
    مصر مرت بفترات صعبه على مدار تاريخها العريض
    واخرها بعد نكسة ٦٧ والتى كانت امتحان ونجح الشعب المصرى فى الامتحان الصعب
    والان امتحان اخر
    ثورتين فى ٥ سنوات تهز اى دولة اقتصاديا وذاد على ذالك ارهابيين يفجروا طائرات لتدمير قطاع السياحة المصرى وتخويف المستثمرين
    وجماعة تركب الموجة الثورية الاولى وتتمكن من حكم مصر وبعهود سابقه لم تنفذها ادت الى ثورة المصريين عليهم والتخلص منهم
    وجاء رئيس من المؤسسة العسكرية مدعوم من اغلبية الشعب المصرى المصدوم من سنه حكم فيها الاخوان مصر تدهورت الاحوال على كل المستويات وكانت مصر لاول مرة فى تاريخها العريق على شبح حرب اهلية ولكن بفضل لله وشعب مصر وجيش مصر رجعت مصر الى طريقها الصحيح
    وهى الان تشق طريقها وسوف تنجح وليس بالكلام ولكن بالافعال
    وانا استغرب من تعليقات الاخوة من افراد الاخوان المسلمين فى الدول العربية الشقيقة سيادتكم تتكلمون عن مصر اخرى غير التى نعيش فيها ونحتمى تحت جدرانها فى امان بحلوها ومرها بفضل شعبها الصلد وجيشها حامى شعبها وحدودها
    هذه هى مصر التى يعرف قيمتها كل دول العالم المتحضر

  6. يقول سمير الإسكندرانى / الأراضى المصرية المحتلة ! ... لابد لليل ان ينجلى:

    واللة حتى السيسي نفسة لم يعد بإستطاعتة ان يزعم او يدّعى تلك الإدعاءات السخيفة من عينة انة أنقذ مسر او انة مدعوم من اغلبية اهالى المحروسة او اسخفها على الإطلاق وهو ان الشعب فى مصر كان مصدوم من حكم الدكتور مرسى ( وليس الأخوان المسلمين ، لأن الأخوان المسلمين لم يحكموا مصر !!!) وان الأحوال تدهورت على كل المستويات فى السنة التى كانت كل أجهزة الدولة العميقة من مخابرات وجيش وشرطة وقضاء وإعلام تتآمر على اول وآخر حاكم ينتخبة المصريين بمحض إرادتهم وبقية الخرافات والأوهام التى زرعتها مخابرات السيسي الحربية فى عقول البسطاء عن طريق الأذرع الإعلامية مثل حكاية ان مسر كانت فى طريقها الى حرب اهلية او المقولة السخيفة والسمجة ان الجيش والشعب والشرطة أيد واحدة!!
    لم تمر على مصر فى كل تاريخها الطويل منذ ان خلق الله الأرض وما عليها مرحلة أسوأ ولا أكثر إنحطاطاً من الفترة التى اغتصب فيها الجيش السلطة يعنى بعد انقلاب يوليو 1952 الى الآن !
    واللى بيتكلم عن ان الشعب فى مصر كان مصدوم من تدهور الأحوال فى مصر فى عهد الرئيس الشرعى والوحيد الدكتور مرسى ، انصحة انة يغادر مقر أمن الدولة ولو قليلاً وينزل وسط الناس ويسألهم عن احوالهم المعيشية فى العهد الميمون لمغتصب السلطة وسيصاب بصدمة مما سيسمع من الأهالى ..
    الطوفان جاى!

    1. يقول محمد صلاح:

      الاخ الاسكندرانى. لو كلامك صحيح كان زمان الشعب المصرى قام بثورة بعد بضعة شهور على السيسى
      ولكن الواقع ان الاخوان بيحلموا ومن حقهم يحلموا
      ولكن الشعب المصرى عايش فى الواقع وسوف تثبت الأيام ذالك
      مع تحياتى

  7. يقول Walid Khier - Germany:

    لو الشعب المصري غير راض عن السيسي لقام بثوره ثالثه ضده…..

    …… كما لو كان الشعب قام بثوره فعلاً و لم يكن ديكوراً في إنقلاب عسكري علي مبارك تبعه إنقلاب عسكري علي الرئيس الوحيد المنتخب من ٧٠٠٠ سنه، و كما لو كان الشعب حراً و المعارضه ليست في السجون و القمع و القتل و التشريد علناً في الشوارع، أم نسينا خطف طالب الهندسه إسلام عطيتو وقتله و إلقاء جثته في الشارع، و بعده ريجيني، و قبلهم و بعضهم العشرات و المئات. بل حتي رجلهم هشام جنينه لم يسلم لا هو و لا ابنته عندما تجاوز خطوطه الحمراء، .

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية