تهربا من تشريح أدوات السلطوية الجديدة في مصر ومن الإدانة الصريحة لقمعها ومظالمها وجمهورية الخوف التي تحاصرنا بها، يعمد نفر من المفكرين والكتاب المصنفين في عداد الأصوات الليبرالية إلى توجيه جل اهتمامهم إلى قضايا بعيدة عن أوضاع حقوق الإنسان والحريات وبعيدة أيضا عن تفاصيل إخضاع المواطن والسيطرة على المجتمع واستتباع مؤسسات الدولة.
بعضهم كان قد سارع إلى تأييد الخروج على الإجراءات الديمقراطية في صيف 2013، ثم تراجع تدريجيا بعد أن صارت هيمنة المكون العسكري-الأمني والطبيعة السلطوية للحكم غير قابلتين للإنكار. بعضهم الآخر كان قد قبل مقايضة جاهلة بين خطر الاستبداد الديني وخطر الاستبداد العسكري في سياق ترويج أوهام «علمانية الجيوش وتقدميتها وخططها التنموية»، ثم امتنع عن دعم السلطوية الجديدة بعد ثبوت توظيفها للدين كما لأدوات القوة القهرية التي تمتلكها الجيوش والأجهزة الأمنية. وهم في الخانتين تصاعدت تدريجيا خشيتهم أن يصنفوا كمتواطئين مع السلطوية وكأبواق لتبرير انتهاكاتها ومظالمها، ودوما ما أرادوا مواصلة الادعاء الزائف بدفاعهم عن شيء من المبادئ والقيم الديمقراطية والاحتفاظ المخادع بشيء من اللافتات البراقة للفكرة الليبرالية.
يتحايل «ليبراليو التهرب من تشريح أدوات السلطوية»، إذا، عبر تجاهل أوضاع الحقوق والحريات وملامح جمهورية الخوف ويستبدلونها بطوائف أخرى من القضايا العامة أبرزها مسألة إصلاح الخطاب الديني، وثنائية التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية، ومقولات الحرب على الإرهاب. لست بمشكك في الأهمية المجتمعية لمثل هذه القضايا اليوم في مصر، بيد أنني أرفض الزعم الفاسد بكون تناولها يلغي ضرورة مواجهة السلطوية أو يجعل من الصمت على المظالم والانتهاكات كما التعامل الانتقائي معها ممارسة مقبولة أخلاقيا أو إنسانيا أو سياسيا.
بعبارة مختلفة، وهنا يكمن جوهر تحايل الليبراليين المتهربين من المواجهة، ليس في طرح الموضوعي والمتماسك من الرؤى والأفكار بشأن حتمية تحرير النظرة المجتمعية إلى الدين من الاستعلاء الزائف باسمه وجوهرية الفصل بينه وبين شؤون الحكم ميكانيزما تعويضيا للامتناع عن تشريح أدوات السلطوية الجديدة في مصر وتبيان أفعالها من إطلاق اليد القمعية للمكون العسكري-الأمني إلى إماتة السياسة والاستهزاء بمن يهتمون بها.
جيد أن يفند الاستعلاء باسم الدين إزاء حقائق مجتمعية تدحض فرض أنساق قيمية موحدة على الناس، وتحول دون اختزال أزماتنا المتراكمة إلى مؤامرات كونية ضد دين الأغلبية، وتمنع استتباع شؤون الحكم إلى أوهام حلول تصيغها مؤسسات أو جماعات تركن إلى رموز ومقولات دينية لاستجداء شرعية أخلاقية وقبول شعبي في غير محلهما، وتتناقض جملة وتفصيلا مع تقييد حرية الرأي والفكر والتعبير عنهما في كافة مجالات حياتنا الشخصية والعامة دون خوف من تهديد أو تعقب أو عقاب تحت لافتات ازدراء الأديان. إلا أن التحجج بطرح مثل هذه الرؤى والأفكار لتمرير الصمت على المظالم والانتهاكات لا يعدو أن يكون سقطة أخلاقية وإنسانية وسياسية، ويتجاوزه في شمول السقوط وفي ذات السياق تماهي بعض الليبراليين المتهربين مع الخطاب المتهافت للسلطوية الجديدة بشأن الإصلاح الديني.
كذلك ينطبق فساد الميكانيزم التعويضي على دفع الليبراليين بثنائية التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية أو مقولات الحرب على الإرهاب إلى واجهة الفضاء العام في مصر، وصياغتهم لها «كقضايا الساعة» التي يجب تناولها كل كبيرة وصغيرة قد تشغل ضمائر وعقول المواطنات والمواطنين. مجددا، لست بمشكك في أن عوامل كالفقر والفجوة الواسعة بين الأغلبية الفقيرة والأقلية الغنية وتراجع الأداء الاقتصادي وانهيار مستويات الخدمات التعليمية والصحية والرعاية الاجتماعية تتكالب على مصر، وتحتم موضوعيا من ثم طرح رؤى وأفكار متماسكة بشأن تنشيط عمليات التنمية المستدامة وتحديد أدوات سياسات عامة تصلح للتنفيذ التدرجي لخطط العدالة الاجتماعية. كذلك ليس في الاهتمام بالمواجهة الدائرة بين مؤسسات وأجهزة الدولة وبين عصابات الإرهاب والعنف في سيناء وغيرها من المواضع ما ينتقد ابتداء.
إلا أن قبول التوظيف الرسمي لما يسمى مقتضيات الحرب على الإرهاب لتمرير عصف ممنهج بسيادة القانون وتراكم غير مسبوق لجرائم وانتهاكات (من القتل خارج القانون إلى التعذيب والاختفاء القسري وسلب الحرية لأسباب سياسية) يعد تورطا أشد فسادا في الميكانيزم التعويضي من قبل الليبراليين المتهربين لكون الأمر هنا لا يقتصر على مجرد استبدال قضايا بأخرى، بل يتخطاه إلى تجاهل كارثية مواجهة عصابات الإرهاب والعنف بإرهاب دولة تضرب عرض الحائط بضمانات حقوق وحريات الناس وتبرير الصمت على النتائج المروعة. ولا يتمايز عن ذلك في بابي التحايل والسقوط الشامل الادعاء بكون تحديات التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية تلزم بتحويل المظالم المرتكبة من قبل المكون العسكري-الأمني إلى مسكوت عنه وبتأييد السلطوية الجديدة لأنها الوحيدة القادة على «الإنجاز التنموي والاجتماعي»، وهو الادعاء المتهافت والمتناقض مع حقائق التاريخ المصري المعاصر (وبه لم تقد المؤسسات العسكرية والأجهزة الأمنية عمليات تنمية مستدامة أو تنفذ خطط عدالة اجتماعية طويلة المدى) ومع الخبرات الإقليمية والعالمية المتشابهة مع خبرتنا (وبها جميعا لم تصنع السلطويات لا تنمية ولا عدالة ولا تقدم).
ليبراليو التهرب من مواجهة السلطوية الجديدة في مصر يهادنونها في التحليل الأخير، وميكانيزمهم التعويضي باستبدال قضايا بأخرى لا يروم سوى تمرير السقوط الأخلاقي والإنساني والسياسي الذي يمثله الصمت على القمع وكافة ملامح جمهورية الخوف المحيطة بنا بأردية عقلانية وتقدمية زائفتين. تظل الأولوية لتشريح أدوات السلطوية، وكشف استبدادها للناس، وتوضيح حقائق جمهورية الخوف التي لا تخشى أكثر من وعي الناس بفشلها المحتوم.
٭ كاتب مصري
عمرو حمزاوي
لازال زمن المنافقين والمطبيلين مزدهر ولم تستطع ثورة 25 يناير أن توقف النفاق والتطبيل
بل وأضيف إليهما الرقص والردح بعد الإنقلاب الأسود ليزيد البهجة السوداوية للعسكر (الفاشلين بكل شيئ)
ولا حول ولا قوة الا بالله
لكي تكون ليبيرالياً في مصر الانقلاب عليك ان تحسن الرقص على حبال النظام وأجهزته الأمنية المتعددة ثم لا تكتفي بالسكوت على ما تراه من انتهاك لحقوق الانسان وقمع للحريات وتكميم للأفواه بل عليك وأثناء الرقص ترديد معزوفة : “الإخوان هم السبب” .