تعرضت مدينتي برشلونة وكامبرليس في كتالونيا شمال شرق إسبانيا منذ حوالي أسبوعين لاعتداءات إرهابية خطيرة، خلفت 15 قتيلا، وهذه الاعتداءات تأتي لتؤكد على قضايا مقلقة للغاية، يجب عدم إغفالها وهي إشكالية سياسة المغرب الدينية تجاه مواطنيه في أوروبا، وكذلك مشكل القاصرين مستقبلا.
وتورط مواطني جنسيات متعددة في الإرهاب العالمي المرتبط بالتيارات الدينية المتشددة، التي تدعي استيحاء مواقفها من الإسلام، وهو بريء منها. لكن خلال السنوات الأخيرة برز اسم المغاربة في معظم الاعتداءات التي شهدتها أوروبا، الأمر الذي بدأ يؤثر على صورة المغرب والمغاربة، من كونه بلد التسامح والتعايش الى البلد الذي يصدر الإرهابيين، رغم أن أغلبهم ولد أو ترعرع في الغرب. ويتعاظم التأثير سلبا أمام ما تشدد عليه الدولة المغربية من نجاح نموذجها الديني في مواجهة الإرهاب، وطنيا ودوليا. والتساؤل هنا: هل بالفعل النموذج المغربي الرسمي ناجح في مواجهة الإرهاب، على ضوء تورط مغاربة في اعتداءات إرهابية؟ ورغم اعتمادها على الخطاب الديني المتسامح إلا أن الدولة المغربية فشلت في تأطير الجالية المغربية في أوروبا لأسباب متعددة منها ما تتحمل مسؤوليته، ومنها ما تتحمل مسؤولية الدول الأوروبية، ونذكر منها.
*في المقام الأول، الدولة المغربية تنتج خطابا دينيا لا يمكن وصفه بالمتطرف بل المعتدل، لكنها لا تمتلك مساجد في أوروبا، هذه الأخيرة في يد دول خليجية مثل السعودية أو جمعيات مغربية البعض منها يعارض سياسة الرباط معارضة واضحة، مثل جماعة العدل والإحسان. وعدم امتلاك المساجد يعني مباشرة صعوبة تصريف الخطاب المعتدل لصالح خطابات أخرى بعضها متطرف.
*في المقام الثاني، فشلت الدولة المغربية، باستثناء مع فرنسا، في إقناع نظيراتها الأوروبية بخلق شراكة لتسيير الشأن الديني في هذه الدول. ويوجد تعاون أمني واستخباراتي، لكن لا يقابله تعاون مماثل في التسيير الديني، بسبب تحفظ الدول الأوروبية على بعض ممارسات الدولة المغربية، وإصرار الكثير من الجمعيات الدينية على استقلاليتها تجاه المغرب.
*في المقام الثالث، تنطلق الدولة المغربية من مواقف سياسية في التعاطي مع الشأن الديني الإسلامي، إذ ترفض التعاون مع جمعيات دينية مغربية في أوروبا، علما بأن الوضع الحالي الحساس بعد انتشار الإرهاب وتورط مغاربة يتطلب تعاونا جماعيا يسمو على الاختلافات السياسية الحالية. وقد أسست الدولة المغربية مجالس للمهاجرين، ومنها واحد خاص بالشأن الديني، لكنه اقتصر على أعضاء موالين للدولة فشلوا في تأطير الجالية المغربية دينيا.
*في المقام الرابع، هناك سياسة أوروبية غير مفهومة، ففي الوقت الذي تعمل أجهزتها الأمنية على مواجهة الإرهاب، تتسامح مع دول عربية خليجية في فتح مراكز ثقافية وتمويل أنشطة لا تصب نهائيا في التعايش، بل تقوي من التطرف الديني. وقد عبرت تظاهرة برشلونة على هذه المفارقة المثيرة للغاية، بعدما طالبت بوقف التعاون مع دول معينة، ومنها العربية السعودية. وسبق لخبراء أوروبيين التنبيه الى هذه الازدواجية، لكن الدول الأوروبية تغض الطرف سعيا للتوقيع على اتفاقيات تجارية وعسكرية ضخمة مع دول خليجية.
من جهة أخرى، تميز الاعتداء الذي تعرضت له برشلونة بسابقة هي الأولى من نوعها وهي حداثة سن المتورطين، حيث لم يتجاوز سن أحدهم 18 سنة، أما الباقي ففي منتصف العشرينيات. ولم يسبق لهم تلقي تكوين في العمل المسلح في مناطق النزاعات مثل أفغانستان والعراق وسوريا. وهذا يعني أن هؤلاء الشباب تعرضوا لغسل الدماغ في وقت وجيز وفي القارة الأوروبية.
هذه الظاهرة بدأت تدق ناقوس الخطر بشأن احتمال استقطاب أئمة متطرفين للقاصرين. ويوجد عشرات الآلاف من القاصرين المغاربة في أوروبا الذين غادروا المغرب لأسباب اجتماعية مأساوية. وتورط البعض منهم حتى الآن في السرقة والمخدرات والاستغلال الجنسي من طرف عصابات منظمة. ويتسبب ملف القاصرين في نزاعات دبلوماسية بين الحين والآخر بين المغرب ودول أوروبية منها إسبانيا والسويد مؤخرا. لكن الآن، بدأ خبراء الأمن ينظرون الى القاصرين بمثابة قنابل موقوتة في حالة ما إذا نجح متطرفون في استقطابهم عبر البدء من انتشالهم من براثن الجريمة وتوجيههم نحو التطرف. والانتقال من الجريمة العادية مثل السرقة والمخدرات الى الإرهاب، ليس بالجديد فقد حصل في تفجيرات 11 مارس 2004 في مدريد. ومن ضمن الأمثلة الأخيرة، فإمام ريبول الذي أشرف على تعبئة إرهابيي برشلونة كان مهربا للمخدرات، وتعرض للتطرف في السجن لينتقل من خطاب التطرف والكراهية الى تأسيس خلية نفذت عملا إرهابيا في برشلونة وكامبرليس.
الاعتداءات الإرهابية الأخيرة التي شهدتها القارة الأوروبية تهدد مصالح الجاليات المسلمة، وعلى رأسها المغربية في القارة الأوروبية، فقد أصبح التعايش يتعرض لخطر حقيقي، وهناك تخوف من ردود فعل غير ناضجة في ظل ارتفاع الحركات التي تنادي بكراهية المسلمين وطردهم. والوضع يستوجب رؤية استراتيجية أشمل تتجاوز الأمني والاستخباراتي إلى تعاون واقعي بين الاتحاد الأوروبي ودول المغرب العربي، وعلى رأسها المغرب لمعالجة هذه الظاهرة قبل فوات الآوان.
كاتب مغربي من أسرة «القدس العربي»
د. حسين مجدوبي
وهل من الإسلام يا أستاذ مجدوبي الركوع للملك وتقبيل يديه ؟
نعم هناك جماعات إسلامية متطرفة بأوروبا لكنها لا تمثل شيئاً بالنسبة للجماعات المعتدلة هناك
الحمد لله صاحب الفضل والمنة بحيث أننا في الغرب لا نحتاج لرعاية أمير المؤمنين ولا لغيره من الحكام
ولا حول ولا قوة الا بالله
تساؤلات الكاتب في محلها ولكنها، في رأيي، تحوم حول المشكلة ولا تتطرق إلى أصل الداء: في تاريخ جميع الثقافات صفحة تدعو إلى عنف كان من طبيعة شعوبها في وقت من الأوقات، وقد تجاوزت معظم الثقافات تلك الصفحة وطوَتها، في حين لا زلنا نقدّسها ولا نجرأ على تجاوزها.