تفجرت يوم الاثنين 18 ديسمبر الجاري مظاهرات غاضبة اجتاحت مدن وبلدات مختلفة في إقليم كردستان العراق احتجاجا على سوء الخدمات وتردي الواقع الاقتصادي، وتحولت الاحتجاجات السلمية إلى اشتباكات عنيفة بين قوى الأمن والمحتجين، الذين رشقوهم بالحجارة فردت قوى الأمن بالقنابل المسيلة للدموع والرصاص المطاطي، ما تسبب في مقتل 5 وإصابة 80 متظاهرا بجروح.وقد انصب غضب المحتجين على مقرات الأحزاب الكردية وعلى مقرات الأمن (الاسايش) والمباني الحكومية.
وأفادت وسائل إعلام كردية، الأربعاء 20 ديسمبر، بأن محافظة السليمانية شهدت حملة اعتقالات واسعة، كما تمت مهاجمة مكاتب محطة (NRT) الفضائية الكردية المستقلة، من قبل قوات أمنية قامت باحتجاز العاملين في إحدى قاعات المحطة وكسرت الأثاث والأجهزة وصادرت بعض معدات البث.كما تم فرض حظر التجوال في مناطق متفرقة بالمدينة. وذكرت وسائل الإعلام، أن قوات أمنية كردية باشرت بحملة اعتقالات واسعة في مناطق حلبجة وشهرزور وجمجمال ورانية في محافظة السليمانية، وتم اعتقال عشرات المدنيين على خلفية الاحتجاجات.
فلماذا اندلعت موجة التظاهر والغضب الآن تحديدا؟ ولماذا تعرضت مقرات الأحزاب الكردية كلها للحرق والتدمير، رغم أن حركات التغيير والجبهة الاسلامية ادعت تمثيلها للمعارضين وتبنيها لمطالب المحتجين؟ وما هو موقف حكومة الاقليم؟ وهل هناك رسائل أو إشارات أرسلت لرئيس الحكومة المركزية في بغداد للتدخل وفرض سيطرة بغداد بالقوة على محافظات الاقليم؟
يشير البعض إلى أن اصل المشكلة هو ضغط حكومة بغداد باتجاه مزيد من العقوبات على حكومة أربيل، التي لم تتأثر كثيرا بإجراءات بغداد، في حين وقع تأثير هذه الضغوط على كاهل الكردي البسيط، حيث تصر حكومة العبادي في بغداد عبر تفاوضها مع حكومة نيجرفان بارزاني على أن تكون حصة الاقليم من الموازنة الاتحادية 12.5% بدلا من 15% التي كان تستلمها حكومة الاقليم سابقا، رجوعا إلى الأرقام التي كانت متبعة، وفقا لأحصاءات ما قبل 2003، عندما كانت حكومة بغداد ابان حكم صدام حسين ترزح تحت البند السابع من العقوبات الاقتصادية الاممية. وعندما وقعت اتفاقية «النفط مقابل الغذاء والدواء» منتصف عقد التسعينيات بين العراق ولجان الأمم المتحدة المختصة التي كانت تستقطع بدورها حصة الإقليم الخارج عن سيطرة الحكومة المركزية وتسلمها لحكومة كردستان مباشرة، وقد احتسبت هذه الحصة بناء على سجلات وزارة التجارة لبطاقات الحصة التموينية، التي اعتبرت دقيقة بما يكفي لاعتمادها نتيجة غياب الاحصاء السكاني في العراق، وكانت النتيجة استلام كردستان 12.5% من الحصة الإجمالية للعراق.
كما أن حكومة العبادي مستمرة بالضغط على حكومة اربيل، مطالبة اياها بالتصريح الواضح بالغاء كل ما ترتب من نتائج على الاستفتاء الذي أجرته في سبتمبر الماضي، رغم أن واقع الحال يصب في خانة الالغاء، حتى بات أمرا واقعا، الا أن بعض المراقبين يرون أن الغاية من إصرار بغداد على المطالبة بالتصريح الواضح بالغاء نتائج الاستفتاء من اربيل، هي فرض المزيد من الاذلال على حكومة الاقليم التي تمر باضعف حالاتها.
ومع وعود رئيس الوزراء العراقي بدفع مستحقات مرتبات موظفي الاقليم المتأخرة، ظهرت عقبة اخرى لا أحد يعرف كيف يمكن أن تحل، اذ اتهمت بغداد حكومة الاقليم بتقديم قوائم تشوبها شبهة فساد، لانها ضمت اعدادا مبالغا بها وصلت إلى حوالي 1.5 مليون موظف حكومي من مجموع سكان الإقليم البالغ حوالي 5 ملايين، بينما تؤكد حكومة اربيل من جانبهاعلى أن القوائم صحيحة، وبين رفض بغداد وإصرار أربيل يبقي المواطن الكردي يعاني العوز والبرد وفقدان الغذاء والوقود في فصل شتاء قاسي البرودة.
المتظاهرون خرجوا هذه المرة بدون أن يميزوا بين حزب وآخر، أو بين من يدعي المعارضة أو من يشترك في الحكومة، لذلك تعرضت مقرات الاحزاب جميعها للهجوم، وتأتي هذه التطورات فيما دعا رئيس حكومة الإقليم نيجرفان بارزاني برلمان كردستان إلى تحديد موعد لإجراء انتخابات برلمانية في غضون الأشهر الثلاثة المقبلة. ولأن شعار المتظاهرين هو (الخدمات والرواتب) فقد دعا اكثر من صوت إلى عدم تسيس الاحتجاجات، ومنع أي محاولة من أي طرف سياسي لركوب موجة غضب الجياع في كردستان، فقد صرح مدير عام التربية في محافظة السليمانية دلشاد عمر بخصوص تظاهرات المعلمين التي تحولت إلى اعتصام مفتوح لحين دفع مستحقاتهم، قائلا: «ان المعلمين والموظفين بشكل عام يعانون منذ عدة اعوام من أوضاع اقتصادية متردية. وقد قمنا عدة مرات بمخاطبة الحكومة ونفذنا عمليات اعتصام وتظاهر، لكن للاسف لم تسفر عن أي شيء». كما اوضح بقوله «الآن نرى أن التظاهرات التي اطلقها المعلمون تكاد تتحول إلى صراعات سياسية، والاحزاب المتناحرة تحاول تحويل التظاهرات باتجاه مصالحها الشخصية، ومن هذا المنطلق نقول: أيها المعلمون والموظفون ولكي نكون في الطليعة، كما كنا دائماً، ولكي لا نكون جزءا من الصراعات والتكتلات الحزبية والسياسية، وان نبتعد عن الايادي التخريبية، أدعو إلى تحويل التظاهرات إلى اضراب عام داخل المراكز التعليمية من أجل حماية الأمن والاستقرار في المدن».
حكومة الإقليم اليوم تتعرض لأقسى اختبار لها منذ 2003، لذلك كان موقفها متخبط بشكل واضح حيث سلكت أسهل الطرق عبر رمي التهم على «اصابع خفية» في محاولة لتسويق نظريات مؤامرة تحاول من خلالها تفسير ما جرى، بدون أن تمتلك الشجاعة لتواجه الفساد المستشري الذي اوصل الشعب إلى الثورة. وقد حذر رئيس حكومة إقليم كردستان من أن تهديدا جديا يحدق بالإقليم، متهما «أيادي خفية» بمحاولة بث الفوضى في التظاهرات التي تشهدها مناطق في كردستان العراق، بينما قالت حكومة الاقليم في بيانها الصحافي أن «التظاهرات السلمية والمدنية للمطالبة بالحقوق ضمن اطار القانون، ممارسة ديمقراطية مسموح بها تماما»، لافتة إلى أن «استغلال هذه الحقوق والمطالب لممارسة العنف وإلحاق الأضرار بأملاك وأموال المواطنين، وإثارة المشاكل وتخريب الأمن والاستقرار، وبالاخص في الوقت الذي يمر الإقليم بأوضاع صعبة، ويواجه مخاطر التخريب وإفشال وتفكيك كيانه السياسي والدستوري، لن تعود بالفائدة على احد سوى اعداء كردستان، لذا لا يمكن القبول به قطعا».
من جانبها أكدت قيادة حزب الاتحاد الوطني الكردستاني الشريك الاكبر لحزب رئيس حكومة الاقليم، في 19 ديسمبر بعد يوم واحد من اندلاع الاحتجاجات، عدم القبول بالافعال غير الديمقراطية، وقالت قيادة الاتحاد الوطني الكردستاني في بيان صحافي إن «مجموعات فوضوية هاجمت الأماكن العامة والمؤسسات الحكومية والحزبية ومنازل المواطنين والمحلات التجارية تحت اسم المظاهرات»، مشيرة إلى أن «تلك الاعمال خلقت أوضاعا غير مستقرة داخل المدن وشوهت الحياة الطبيعية للمواطنين، كما أنها أصبحت خطرا على المصالح العليا لإقليم كردستان». معتبرة «خلط المطالب العادلة والشرعية للمواطنين بشأن الرواتب والاوضاع المعيشية، مع أعمال الفوضى والتخريب عمل جبان يلحق الضرر بالمطالب العادلة للمتظاهرين». وحملت القيادة «القنوات الفضائية والاشخاص المحرضين للفوضى مسؤولية هدر الدماء التي سقطت ضحية للأجندات الفوضوية».
موقف بغداد يمكن توصيفه باللعب على وتر النأي بالنفس عن المشكلة من جهة، والتهديد بالتدخل من جهة اخرى، فقد دعا رئيس البرلمان الاتحادي سليم الجبوري، في 19 ديسمبر، الى التهدئة في اقليم كردستان، فيما اكد أن التظاهر حق مكفول دستوريا على أن لا يتعدى اطار السلمية. وقال الجبوري في بيان صحافي، « إن ما يجري في كردستان يجب ألا يخرج عن إطار التظاهر السلمي الذي كفله الدستور وأن يبقى ضمن إطار المطالب المشروعة بتحسين الخدمات وتوفير العيش الكريم». داعيا إلى «التهدئة. بينما هدد رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، بالتدخل للدفاع عن المواطنين في كردستان العراق، وقال في مؤتمره الصحافي الأسبوعي «لن نقف مكتوفي الأيدي في حال تم الاعتداء على أي مواطن في إقليم كردستان». مؤكدا على «عدم إمكانية صرف جميع رواتب الموظفين في الإقليم بسبب وجود الفساد».
ومع تعالي بعض الأصوات النشاز من سياسيي الصدفة في العراق ممن يصطادون في الماء العكر، مطالبين العبادي بارسال القوات المسلحة الاتحادية إلى مدن الاقليم لفرض الامن هناك، يبقى اللعب على حبل الازمات المشدود بين بغداد واربيل هو الصفة المميزة لكل ما يجري من تصريحات أو تصرفات، ويبقى الانسان الكردي البسيط في مدن الاقليم هو من يدفع ثمن تغول حيتان الفساد وصراعاتهم بين الإقليم والمركز، فهل ستغير ثورة الجياع المشهد وتفرض ارادتها هذه المرة؟
كاتب عراقي
صادق الطائي
أستاذ صادق تحية طيبة…لفت نظري في مقالتكم موضوع الإشارة الى إصرار حكومة العبادي على الغاء نتائج الاستفتاء واعتبارها كسياسة اذلال تمارس ضد حكومة الإقليم, بمعنى اخر كان الموضوع جزئية ليست لها أهمية كبيرة. حقيقة ان هذا الموضوع هو أساس المشكلة, فالاستفتاء هو من بنات أفكار القيادة الكردية وايدها الاكراد بشكل مطلق غير عابئين بالتهديد الذي تمثله هذه الخطوة لوجود العراق ككيان ودولة وشعب وبمنتهى الانانية والتعالي والغباء. وعلينا ان لا ننسى بان هذه الخطوة اتخذت بينما الإقليم كان يسيطر على مساحات واسعة من ارض العراق التي تقع خارج حدوده. الان وقد تبين حجم الحسابات الخاطئة لقيادة الإقليم والاكراد انفسهم يبدو لي من البديهي ان مطلب الغاء الاستفتاء هو في سلم الأولويات كشرط لأي محادثات مع حكومة المركز. فليس من المعقول ان يتباكى الاكراد الان على رواتبهم ينما تجاهلوا بكاء العراقيين على بلدهم قبل شهرين. حقيقة هذا المطلب هو مطلب كل العراقيين الشرفاء قبل ان يكون مطلبا لحكومة العبادي.
و كأنَّ الأمر أبهى خارج الإقليم و الناس تأكل گاتو !
إن كان الأكراد سرقوا ، فقد سرق أخوة لهم قبلهم من المنطقة الخضراء ، و لا زالوا يسرقون………و أعان الله الأبرياء ، عرباً و كرد
الأخ محمد من بريطانيا, فهمت من مقاربتك انه طالما هناك سراق في حكومة بغداد فلا باس ان يسرق أعضاء حكومة إقليم كردستان فالمال المسروق واحد وان اختلف الجيب الذي سيحل به. السؤال الان فلماذا هذا الإصرار على الانفصال والابحار مع قراصنة الإقليم علما ان سراق الحكومة المركزية يدفعون الرواتب على الأقل؟!. وبالنسبة لأكل الكاتو فنعم الموظفون يأكلون الكاتو طالما تصلهم رواتبهم والكاتو متوفر في الأسواق.