القاهرة ـ «القدس العربي»: زيارة الرئيس الصيني الراهنة لمصر تمثل لنظام الرئيس السيسي احتياطيا من الأوكسجين، من المؤكد أنه يحتاج إليه بشدة الآن.. فالخزانة المصرية مصابة بالتضخم، والديون تتزايد والدولار يتدلل ولا يريد أن يتنازل عن عرشه، كما أن المشاريع الإستراتيجية التي يتحدث عنها الرئيس، في ما يعتبرها خصومه «فنكوش» تتشابه مع المشاريع الوهمية ذاتها، التي كان يروجها الكوميديان عادل إمام في فيلمه الشهير.
لكن لأن اللحظة التي تمر بها البلاد لا تحتمل الحديث عن إنجازات وهمية، لذا يراهن النظام على أن الصين هي البلد الذي من الممكن الرهان عليه للنجاة من شبح الإفلاس، الذي حذر المراقبون من أنه بات قاب قوسين أو أدنى، لكل ذلك فالحفاوة بالضيف الصيني تحتل مساحات رئيسية في الصفحات الأول من الصحف المصرية، خاصة الحكومية منها. فيما توارت الأحداث الأخرى خلفها. غير أن ممدوح حمزة أحد رموز ثورتي يناير/كانون الثاني ويونيو/حزيران سارع مغرداً ليفسد الفرحة على الجميع قائلاً: «حاجة تكسف ما قيل عن قيام الصين ببناء كافة المباني المهمة في العاصمة الإدارية الجديدة، وتابع الصين ستبني جميع مباني الوزارات ومجلس الوزراء في العاصمة الجديدة، بحسب قوله. وأضاف: يا ترى مين كان بنى وزارات الصين؟ هل أعطوا المهمة لدولة أخرى؟».
وفي سياق النقد الموجه للرئيس عبد الفتاح السيسي هاجم الدكتور نادر فرجاني – الاستاذ في جامعة القاهرة – تصريحات الرئيس التي قالها على هامش استقبال المصريين العائدين من ليبيا. وكان السيسي قد تساءل عن أسباب سفر المصريين ومخاطرتهم للعمل في ليبيا، مشيراً إلى أن مصر تمتلئ بمجالات العمل بحسب رأيه. وعلق فرجاني قائلاً: «عايش الوهم ويبيعه»، ومن اللافت أن الاتهام نفسه بات يلاحق الرئيس على مدار الفترة الماضية، بسبب حديثه عن مشاريع ضخمة يرى كثير من المتخصصين أنها إما غير مجدية أو تحتاج لأموال طائلة، فيما خزانة البلاد خاوية على عروشها.. وفي سياق معاكس يهتم عدد من الصحف والمواقع الإلكترونية بأصوات من هم قيد السجون من المعارضين، الذين تتوالى صرخات ذويهم بسبب الأوضاع المأساوية التي تحيط بهم:
كي لا يموت صناع الثورة
البداية مع فهمي هويدي في «الشروق»، الذي يدعو منظمات حقوق الإنسان ونقابة الأطباء إلى تشكيل لجنة تحر لما يجري داخل سجن العقرب، من انتهاكات صارخة، مؤكدًا أن «قرابة 19 شابًا يواجهون الموت داخل السجن شديد الحراسة، بسبب تأخر حالتهم الصحية، واضاف هويدي، في أي مجتمع لايزال يحتفظ بإنسانيته، حين تعلن على الملأ قائمة بأسماء 19 مواطنا على شفا الموت في أحد السجون. فالحد الأدنى أن تتحرى الأمر منظمات حقوق الإنسان، بحيث يتوجه وفد يمثلها إلى السجن مصحوبا بآخرين يمثلون نقابة الأطباء، للتثبت من صحة الادعاء، واتخاذ ما يلزم لإنقاذ حياتهم، مع محاسبة الذين سمحوا بتدهور أوضاعهم، أو الذين أوصلوهم إلى تلك الحالة البائسة. أتحدث عن قائمة الأسماء التي جرى تداولها يوم (الأربعاء 20/1)على مواقع التواصل الاجتماعي نقلا عن رابطة أسر معتقلي سجن العقرب، إذ أوردت نماذج لحالات مواطنين منهم من فقد بصره، ومنهم من أصيب بالشلل النصفي أو الكلي، ومنهم من أصيب بكسور أو يعاني من النزيف الحاد أو يتقيأ دما.. إلخ. وهؤلاء جميعا ذكرت أسماؤهم ويحتاجون إلى علاج سريع ينقذهم من الموت، الذي باتوا جميعا على بعد خطوات قليلة منه. أتوقع أن يحدث النشر صدمة في أوساط الأهالي من آباء وأمهات وزوجات وأبناء. ولست أشك في أن بيوتا عدة علا فيها الصراخ والعويل وغرقت في بحار من الدموع، حين بلغهم الخبر. لكن يبدو أنه لم يكن هناك مفر من المغامرة باحتمال تلك الصدمة، لكي تتحرك الضمائر التي استكانت والقلوب التي تحجرت والأعين التي أغمضت، عسى أن يفعل أحد شيئا لإنقاذ هؤلاء وأمثالهم. والرسالة هنا موجهة إلى الحقوقيين ونقابة الأطباء. وتمنيت أن تصل إلى مسامع أولى الأمر في الدولة عامة، وفي وزارة الداخلية بوجه أخص. ذلك أنهم مسؤولون أمام القانون والتاريخ وأمام الله عن مصائر هؤلاء وأمثالهم ممن يساقون إلى الموت تحت أعين الجميع وبعلمهم بعد إشهار البلاغ.
ولست أحصر المسؤولية في هؤلاء وحدهم، لكنني أزعم أن كل أصحاب الضمائر التي لم تمت في المجتمع، يصبحون شركاء في الجريمة إذا ما ظلوا شركاء في الصمت. إن الذين تحدثوا عن تجنيب مصر المصير الذي آلت إليه الأوضاع في سوريا والعراق يفوتهم أن ما حدث في البلدين كان بعض ثمار ممارسات شبيهة بما يحدث الآن في سجن العقرب وغيره من السجون المصرية. لست بحاجة إلى إيراد حجج أو حيثيات لتأييد الدعوة إلى إنقاذ أمثال أولئك المسجونين أو تخفيف حسرة وأحزان أهاليهم المكلومين. لكنني أذكر فقط بأن أمثال تلك الممارسات التي تتردد في مختلف السجون تزرع بذور شرور كثيرة وجسيمة في الوقت ذاته. وأنبه إلى أن الذين تحدثوا عن تجنيب مصر المصير الذي آلت إليه الأوضاع في سوريا والعراق يفوتهم أن ما حدث في البلدين كان بعض ثمار ممارسات شبيهة بما يحدث الآن في سجن العقرب وغيره من السجون المصرية. وهو ما يعني أننا إذا كنا قد تجنبنا الوقوع في مستنقع المصير الفاجع الذي حل بالبلدين، فإن ما يجري الآن يضع أقدامنا على الدرب ذاته الذي أوصلهم إلى ما وصلوا إليه».
الشباب البريء خرج وغامر
وإلى مزيد من المخاوف التي يحذر منها البعض بشأن مفاجآت مقبلة، حيث يؤكد عماد الدين حسين في «الشروق» مذكراً بالمناخ الذي كان شائعاً قبل ثورة يناير/كانون الثاني: «أتذكر جيدا تصريحات القوى السياسية قبل 24 ساعة فقط من مظاهرات 25 يناير، لمن لا يصدق عليه العودة إلى الأرشيف وقراءة ما قاله زعماء القوى السياسية ــ أحدهم قال إنها «لعب عيال»، وجماعة الإخوان أعلنت أنها لن تشارك، ثم قالت إنها ستترك الحرية لأعضائها. والترجمة العملية الوحيدة لهذه التصريحات، ومن خلال المتابعة والاستماع إلى مسؤولين كثيرين، فلم تكن هناك قوة سياسية صغيرة أو كبيرة لديها يقين بإمكانية سقوط مبارك، إلا إذا كانت هناك قوة قد اتفقت بالفعل مع «الخارج» على هذا الأمر. الوحيد الذي خرج وغامر وضحى ودفع ثمنا غاليا كان هو الشباب البريء غير المنظم الذي كان يريد بلدا نظيفا وحكما محترما. ويؤكد عماد على أن غالبية الذين خرجوا كانوا مجموعة من النبلاء، وبالتالي فالدرس الأكبر هو أن الغضب الشعبي الكامن في النفوس والصدور يستطيع إزاحة أعتى النظم، إذا لم يكن هناك عدل ومساواة وحريات. في الماضي كان يقال إن التغيير يتم إذا كانت هناك قوى سياسية منظمة، ترافقها ظروف موضوعية مواتية، وأظن أن ذلك ما يزال ساريا، لكنني أظن أيضا أن ثورة وسائل التواصل الاجتماعي لعبت دورا كبيرا في ضعضعة هذه النظرية. وسائل التواصل الاجتماعي صارت قادرة على لعب دور الأحزاب والقوى السياسية أحيانا، ورأينا نماذج كثيرة خلال الشهور الماضية، خصوصا أثناء الأمطار في الإسكندرية والبحيرة، أو إقالة وزير العدل السابق أو تجاوز بعض المذيعين والضيوف في الفضائيات. الخلاصة أن الرأي العام صار يلعب دورا كبيرا ونظام الحكم الذكي عليه ألا يتجاهله مهما كان الأمر».
مؤسسة بحثية ألمانية
تنسحب بسبب قيود النظام
علقت مؤسسة «فريدريش ناومان» الألمانية نشاطها داخل مصر، احتجاجا على ما وصفته بقيود تمارسها الحكومة المصرية. وبحسب «المصريون» قررت المنظمة نقل مكتبها الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا خارج القاهرة. ونقلت وكالة الأنباء الألمانية عن فولفجانج جيرهارت رئيس المؤسسة قريبة الصلة بالحزب الديمقراطي الحر قوله: «ستضحى مدينة عمان الأردنية مقرا جديدا لنا (في ما يتعلق بشؤون الشرق الأوسط)»، عازيا قراره إلى قيود تمارسها الحكومة المصرية، ما يجعل ممارسة عملها في عداد المستحيل. وحمل جيرهارت النظام المصري المسؤولية، قائلا: «كافة الندوات السياسية والمؤتمرات التي ننظمها مع شركائنا المصريين يساء فهمها على أنها تمثل تهديدا للأمن الداخلي المصري. لا نمتلك أساسا للعمل». وعلق كينيث روث مدير منظمة «هيومن رايتس ووتش» عبر حسابه على تويتر قائلا: «مؤسسة بحثية ألمانية تنسحب من مصر لأن قيود السيسي تجعل العمل مستحيلا».
مطلوب محاكمة للرجل الثاني
من كتبوا تقرير تقصي الحقائق في أرقام الفساد التي أعلنها المستشار هشام جنينة كانوا «كفتجية» وجهلة بحسب ما ذكره جمال سلطان في «المصريون»: «تقريبا «الكفتجية» في لجنة تقصي الحقائق لم يقرأوا تقرير الجهاز المركزي بكامله، كانوا ملهوفين على الإدانة بأي سبيل، عندما خلطوا بين حجة وقفية منذ 1920 ميلادية تقريبا، وعمليات سطو عليها وقعت عام 2014 ، فتصور «الكفتجية» أن تقرير المركزي للمحاسبات يعود لمناقشة الحجية وأصلها، بينما هو يتعامل مع عملية فساد في إعادة تصريفها والسطو عليها. ويشير سلطان إلى أن رد الجهاز المركزي للمحاسبات كان موقعا عليه من حوالي ستة من قيادات الجهاز، فهو ليس رد هشام جنينة، وإنما رد الجهاز كمؤسسة سيادية، وأعتقد أن هذا الرد قطع كل الألسنة، وأخرس مافيا الفساد وأعادها إلى جحورها، غير أن ما يهم الكاتب في تلك المسألة أن لجنة تقصي الحقائق التي ظهر أنها كانت لجنة «كفتجية»، كان يرأسها اثنان، الأول رئيس هيئة الرقابة الإدارية، والثاني هو المستشار هشام بدوي، المحامي العام السابق لنيابات أمن الدولة، وهو صاحب التاريخ العريض، الذي تم تعيينه مؤخرا نائبا لرئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، وفهم كثيرون عند صدور هذا القرار أنه تم «زرع» هشام بدوي تمهيدا للعبة سيتم بها الإطاحة بهشام جنينة، ليتولى بدوي رئاسة الجهاز مكانه، وكانت مفارقة بالغة الغرابة أن يتم ضم هشام بدوي تحديدا للجنة تقصي الحقائق، لأنها سابقة أن يطلب من موظف أن يحقق في عمل رئيسه، لأن جنينة هو رئيس هشام بدوي، والأسوأ أن يقوم نائب رئيس الجهاز بإهانة رئيسه علنا في بيان علني فهذا يعني أن نائب رئيس الجهاز يحتقر الجهاز الذي يعمل فيه الآن ويهينه».
حظر النشر يثير الهواجس
ونبقى مع قضية جنينة التي لازالت تلقى اهتماماً واسعاً، حيث يرى عبد القادر شعيب في «فيتو» أن من حق النائب العام فرض حظر نشر في أي قضية أو بلاغ أو موضوع رهن التحقيق.. القانون يتيح له ذلك.. ولكن من حقنا – طبقا للقانون ذاته – أن ننبه إلى أن حظر النشر ما لم يكن ضروريا لكشف حقيقة اتهام أو تتبع متهم، فإن أضراره ستكون أكبر من فوائده. يتابع شهيب: أقول ذلك بمناسبة قرار النائب العام بحظر النشر في موضوع البلاغات الخاصة بالمستشار هشام جنينة.. وقد بدأت بالفعل بوادر هذه الأضرار، عندما بدأ البعض يروج أن حظر النشر يستهدف منع رئيس جهاز المحاسبات من الرد على تقرير لجنة تقصي الحقائق. ويتساءل الكاتب ثم كيف يستقيم حظر النشر في موضوع مطروح بالفعل على البرلمان، الذي قرر أن يتقصى بمعرفته الحقائق حوله.. وهذا الموضوع يستأثر باهتمام الرأي العام ويدور حوله نوعان من الاستقطاب السياسي الواضح الآن؟ حظر النظر عموما وفي هذا الموضوع خصوصا، سوف يفتح الباب أمام ترويج شائعات ونشر أكاذيب تضر ولا تفيد، خاصة أن الموضوع خاص بالفساد وتكلفته التي قدرها رئيس جهاز المحاسبات بنحو 600 مليار جنيه، بينما رأت لجنة تقصي الحقائق أنه أخطأ مهنيا وعلميا في هذا التقدير وبشكل متعمد. بدلا من فرض حظر نشر، نرجو الإسراع بنشر وإعلان التقرير الكامل للجنة تقصي الحقائق، والإسراع أيضا من قبل البرلمان بإتمام دراسته.. فهذا وحده هو الكفيل بتنوير الرأي العام وسد الباب أمام الشائعات والأكاذيب».
ثورة يونيو ليست امتدادا لـ25 يناير
يتصور البعض من الواهمين والمنافقين والمتسلقين والانتهازيين وخدام كل نظام، بحسب جمال زهران في «الأهرام»: «أن أفكار ثورة 25 يناير/كانون الثاني واعتبارها كأن لم تكن، لصالح ثورة 30 يونيو/حزيران، هو من الأشياء التي تسهم في إسعاد نظام الحكم الحالي، وبالتالي تسرع من التقرب منه، والحصول على المزايا والمنافع أو الحفاظ على الأقل على ما نهبوه من أموال وأراض وعقارات وشركات عامة، استمرارا لنفوذهم ومكانتهم وقوتهم التي لا يريدون لها أن تهتز، وكأنه لم تقم ثورة بل ثورتان! ولذلك كما يشير الكاتب: كنت من المتنبهين مبكرا إلى صياغة الخطاب السياسي العام أن ثورتين قامتا في مصر، وأن ثورة 30 يونيو امتداد لثورة 25 يناير. وحاول البعض من القوى الوطنية أن يطلقوا على ما حدث في 30 يونيو أنه موجة جديدة لثورة 25 يناير، وهو ما يرفضه الكاتب، لأن الثورة تقوم لإسقاط نظام قائم، حيث أن ثورة 25 يناير قامت لإسقاط نظام مبارك (رموزا وسياسات وقواعد حكم)، وأجبرته على التنحي، وتولى المجلس العسكري السلطة وإدارة شؤون البلاد بقوة الأمر الواقع، وليس كما يتصور البعض أن قرار مبارك التنحي عن السلطة وتكليف المجلس العسكري بذلك، لأن من تسقط عنه السلطة ويعزل لا يمتلك قدرة دستورية أو واقعية على تفويض أحد بالسلطة أو تكليف من يراه. كما أن ثورة 30 يونيو، هي ثورة، لأن من سرق ثورة 25 يناير ووفقا لصفقات سياسية سميتها في حينها وليس الآن، «صفقة المثلث الشيطاني»، للرجوع إليها لمن يحب استطاع تأسيس نظام آخر قد يكون امتدادا لنظام مبارك أو الوجه الآخر له».
لم يحققوا أهداف الثورة
لذا يخشونها
ولازال الحديث عن ثورة يناير محتدماً حيث يرى عمرو الشوبكي في «المصري اليوم»: «أن الخوف من يناير مرجعه الفشل في تحقيق أهداف الثورة، رغم أن المفترض أن يكون النظام الجديد مقتنعاً بأنه لولا يناير لما وصل للسلطة، ولكانت البلاد ترزح تحت وطأة مشروع التوريث، وقيادات الدولة مقسمة بين «عواجيز مبارك» وشلة التوريث. ورغم أن «يناير»وفقاً الكاتب كانت هي طريق وصول الرئيس السيسي وكل رموز 30 يونيو إلى السلطة، فيصبح السؤال: لماذا إذن الخوف منها؟ ولماذا وصلت سطوة الأمن لهذه الدرجة المقلقة، التي تجاوزت بمراحل ما كان يجري في عهد مبارك؟ وفي الوقت نفسه لماذا يصر البعض على استدعاء الثورة مرة أخرى والنزول إلى الشارع مرة ثالثة، مع أن المفروض أن البلاد بدأت مسارها السياسي، وأن التغيير يأتي عبر مؤسسات وأحزاب وضغوط شعبية لا عبر ثورة؟ ويبقى السؤال: لماذا تعثرت ثورة يناير، ولماذا تحولت إلى مصدر للخوف والقلق لدى النظام السياسي ومصدر لاستمرار الاحتجاج بالنسبة لبعض الحركات السياسية الثورية؟ الحقيقة بحسب عمرو، أن انتفاضة الشعب أو ثورته العظيمة في 25 يناير كانت حدودها وسقفها الحقيقي إصلاحيا، رغم اتساع مشاركة الجماهير بصورة أكبر بكثير من بلاد أوروبا الشرقية، ففي يوم 12 فبراير/شباط 2011، أي في اليوم التالي لتنحي مبارك، شهدنا شباب مصر ورجالها ونساءها وهم ينزلون إلى الميادين، لينظفوها ويقبلوا قرار مبارك بأن تتولى القوات المسلحة إدارة شؤون البلاد، ويقبلوا- ضمناً أو صراحة- أي بديل يأتي من داخل الدولة مادام من خارج شلة التوريث ورجالات مبارك المقربين. استدعاء الخوف في ذكرى يناير جاء نتيجة غياب البوصلة عن الجميع عقب الثورة بصورة جعلت مسارنا السياسي يمر بتعرجات لم تعرف تجربة نجاح واحدة».
الكسل اللذيذ
من الطبيعي أن يصاب المرء بالدهشة من أولئك الذين يختزلون ثورة يناير باعتبارها مؤامرة أو لعبة أمريكية، وبحسب ناصر عراق في «التحرير»: «هذا الاختزال يوفر لهم الراحة العقلية، فلا يبذلون الجهد الكافي لقراءة الوقائع وربط الأحداث قبل الثورة وفي أثنائها وبعدها، ولا يعيدون تمحيص ما جرى ليكتشفوا الخيط الذي يربط ثورة يناير/كانون الثاني بثورات الشعوب الأخرى في العالم على مر التاريخ، الأمر الذي يحرمهم من الوصول إلى نتائج ملموسة توضح لهم جوهر ما حدث بالضبط. من أسفٍ أن بعضنا يعشق الاسترخاء على وسادة الكسل العقلي، لأنه لا يملك مهارات تحليل الظواهر تحليلا دقيقا، فيطلق على أي حدث (مؤامرة) ليتخلص من عبء التفكير الجاد والعميق في الحدث وملابساته، أو يقتطع مشهدًا وحيدًا من الحدث/ الثورة ويبني عليه جدارًا من وهم ليؤكد (نظرية المؤامرة) التي يتبناها، هذا إذا كان حَسَنَ النية، أما أصحاب المصالح المضادة للثورة، فيطلقون عليها (مؤامرة) ليشوهوا نضال الملايين ويشككوا الشعب في قدراته الجبارة. لعل ثورة يناير أكثر الأحداث التي عجزت عقول كثيرة عن تفسير اشتعالها واستمرارها ومصيرها. يضيف الكاتب ينسى هؤلاء السؤال الجوهري: هل توجد قوة في العالم قادرة على إجبار 21 مليون إنسان على الخروج إلى الميادين للمطالبة برحيل مبارك وتحقيق حياة أكثر عدلا وحرية؟ لقد خرج الناس لأن نظام مبارك بلغ من السوء مبلغا لا يحتمل، لا لأن الأمريكان أخرجونا من بيوتنا بالقوة أو الحيلة أو الخداع. الخلط بين الثورة في حد ذاتها، ونتائجها، ذلك هو الذي زرع بذرة التشويش في عقول الكثير، فالثورة في حد ذاتها كانت فعلا نبيلا ينشد العدل والحرية، شارك فيه الملايين من المصريين، لكن لأننا كنا نفتقد وجود حزب سياسي ذي حضور قوي بين الناس قادر على استلام السلطة وتحقيق أحلام هؤلاء الملايين، فقد تلاشت أحلام ثورية كثيرة، ودخل الأمريكان على الخط بالتعاون مع المجلس العسكري (غير الثوري بالمرة) ليخنقوا تلك الأحلام».
يكرهون القانون
«لم يكن مستغرباً أن تثار كل هذه الضجة حول قانون الخدمة المدنية في البرلمان، وكان من المتوقع كما يشير عبد اللطيف المناوي في «المصري اليوم» أن يرفض النواب القانون عند عرضه عليهم، أما الغريب حقاً فهو استغراب البعض من رفض القانون. وربما يكون السؤال البديهي الذي يتبادر إلى ذهن أي أحد هو: لماذا رفض النواب قانون الخدمة المدنية؟ والإجابة تتلخص في ثلاث كلمات هي: غياب مفهوم العدالة… مشكلة القانون في عدم خروج أي مسؤول كبير ليشرح للمواطنين أهمية هذا القانون، وما الذي سيحققه لهم.
ويعترف المناوي بأن هناك أخطاء حدثت ولم يتم تداركها وقت الحديث عن القانون، خلقت صورة ذهنية لدى المواطنين والنواب بأن هذا القانون ليس في صالحهم، مثل إشعار المواطنين بغياب مفهوم العدالة في القانون وعدم تطبيقه على الجميع، وهو ما دفع البعض للتظاهر أو المطالبة بإلغاء القانون، وسبب ذلك راجع إلى أن الدولة لم تقم قبل إقرار القانون بتسويقه وشرحه، فلم يخرج أحد ليتحدث عن الهدف من القانون، وما الذي سيعود على المواطن منه، وما فائدته للدولة، كما بدت الدولة وكأنها تعاند الموظفين، فلم تخرج لتتحدث معهم أو تشرح لهم القانون، أو حتى ما يمكن اعتبارة استجابة منها لمطالب الموظفين، وبدا أن هؤلاء في واد وأولئك في واد آخر، كما تحدثت بعض أطراف الدولة عن أن قانون الخدمة المدنية سوف يزيد الضرائب 15 مليار جنيه، وكان طبيعيا أن يسأل الموظفون: كيف ستزيد الضرائب؟».
سر الاهتمام بحقوق الشواذ
ظل ملف الجمعيات والمنظمات الحقوقية، الأجنبية والمحلية، العاملة في مصر، غامضا وشائكا، ويمثل ألغاما متفجرة، وأسلاك كهرباء عارية، تصعق من يحاول الاقتراب منها. وبعيدا عن نظريات المؤامرة، ومن يؤمن بها، أو يرفض ويسخف منها، تبقى وفقاً لرأي دندراوي الهواري في «اليوم السابع»: «الحقائق والمعلومات الأعلى صوتا، والراية التي يجب أن يلتف حولها الجميع، معارضين قبل المؤيدين. أولى الحقائق الناصعة أن كل المنظمات الحقوقية العاملة في مصر لها هدف واضح ووحيد، تلقي تمويلات ضخمة من الخارج، مقابل تقديم كل ما يطلب منها، حتى إن كانت إعداد دراسات وتقارير تمس الأمن القومي المصري. ثاني الحقائق أن كل المنظمات الحقوقية الأجنبية تمثل الذراع القوى لاستخبارات بلادها، مثل المعهد الجمهوري، والمعهد الديمقراطي الأمريكيين، وهيومان رايتس ووتش، ومنظمة العفو الدولية، وهيومان رايتس مونيتور. انطلاقا من هذه الحقائق، يمكن لأي إنسان تملأ صدره شكوك وأسئلة حائرة عن سر الكراهية التي يحملها الناشطون والحقوقيون المصريون لبلادهم، وللمؤسسات الرسمية، ووقوفهم ودعمهم للحركات الاحتجاجية، والجماعات والتنظيمات المتطرفة التي تعمل ليل نهار لتأجيج الشارع، ونشر الفوضى، إجابة وحيدة شافية، هي التمويل، وتنفيذ ما تطلبه الجهات الممولة مهما كانت الطلبات. لقد لعبت بعض المنظمات المحلية والأجنبية دورا محوريا قبل 25 يناير، وبعدها في نزع القيم الوطنية والأخلاقية من داخل عدد كبير من الشباب، الذين خضعوا لدورات تدريبية مكثفة، سواء في الداخل أو الخارج، وقادوا ثورة 25 يناير، وما استتبعها من أحداث دامية. الأيام الاخيرة شهدت بدء مخططات وبرامج المنظمات الأجنبية الحقوقية تأخذ مسارا جديدا، من خلال التركيز على 3 أمور، الأول الدفاع عن حقوق الشواذ في مصر بكل قوة، والثاني، حقوق المرأة، والثالث حقوق المعاقين. والفئات الثلاث تم اختيارها بعناية فائقة».
كيف سيلقى مبارك ربه؟
نعم مبارك «حرامي» بالقانون والشرع هذا ما نطق به قاضي الدنيا فما بالنا بقاضي الآخرة الواحد العادل القهار الله رب العالمين! كما يشير عبد الفتاح عبد المنعم في «اليوم السابع»: «لن يترك مبارك إلا ويحاسبه على سرقته للمال العام الذي اعتبره هو وأولاده عزبة «أبوهم». ينهبون منها ما يشاءون أو أنهم نسوا الله، وكانت النتيجة أن فضحهم الله بحكم نهائي ليكون أول حكم قضائي ضد رئيس مصري سابق، يؤكد أنه لص وحرامي، وقد ترتب على ذلك أيضا إضرار المتهم الأول بصفته، ضررا جسيماً بالمال العام. ويتذكر الكاتب عبارة الرئيس عبد الفتاح السيسي عندما قال ذات مرة: «أقول بمنتهى الصراحة وكنت أقولها وأنا في الجيش في ظل حكمه أن حسني مبارك منه لله، هو اللي خرب البلد، وكان لازم يمشي من 15 سنة أو أكثر، قبل أن نسقط في هذا الخراب والانهيار في كل مؤسسات مصر، وكنت أتمنى أن يترك الحكم بدون ثورة، لأن الثورة للأسف أتت فأكملت على البقية الباقية من مصر» هذه العبارة قالها السيسي في أحد لقاءاته مع عدد من الفنانين والمثقفين والسياسيين. والحقيقة أن هذه العبارة هي شهادة حقيقية للسيسي على نظام حسني مبارك، هذا الرئيس الفاسد، الذي كان بيده إصلاح الأمة اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا، ولكنه لم يفعل. ويشير عبد الفتاح إلى حقيقة أن شهادة السيسي تؤكد أن البلاد لن تعود للخلف، ولن تتكرر أخطاء الرئيس المخلوع مبارك».
العالم يكره المسلمين
وإلى حرب يعتبرها محمد يوسف عدس ضد المسلمين وفقاً لـ»إخوان أون لاين»: «حربٌ تتصاعد حدّتها على ضفتيْ الأطلنطي في دول أوروبا وفي الولايات المتحدة.. لأسباب عنصرية مُفتعلة: في دول أوروبا بمناسبة موسم تدفق الهجرات السورية والعربية هربا من الحروب الأهلية.. ومن قمع الحكومات المحلّية للثورات الشعبية.. علمًا بأن هؤلاء الحكام صنائع وعملاء للحكومات الغربية؛ تمدّهم بالسلاح وأدوات القمع والتعذيب، لتضمن بهم استمرار السيطرة على ثروات المنطقة وتسخير شعوبها لتنفيذ مخططاتها الإمبريالية- الصهيونية. التهمة الجديدة في أوروبا للمهاجرين السوريين والعرب أن شبابهم يتحرشون جنسيًّا بالبنات الأوروبيات البيض، ورغم أنها فرْية مفبركة لا دليل عليها.. إلا أنها تنتفخ في الإعلام كبالون ضخم تحتشد فيه كل متناقضات الحضارة الغربية، التي تسعى دائما لخلق عدو وهمي توجه إليه حروبها الصليبية، وأحقادها التاريخية المتراكمة.
أما في أمريكا – فعلاوة على ذلك- تتميز الحملة بنكهة أمريكية خاصة موغلة في الخيال الخصيب والمبالغات الدرامية.. نرصد بعض معالمها المثيرة: أصبح الهجوم على الإسلام جزءًا أساسيًّا من الدعاية الانتخابية بين المرشحين للرئاسة الأمريكية عن الحزب الجمهوري، فهم يتنافسون في إظهار العداء للإسلام كأنه أكبر مشكلة تواجه أمريكا في الوقت الراهن؛ وهذا واضح من تصريحات أبرز المرشحين المتنافسين على الساحة الآن: بن كارسون، الذي يقول إن أي مسلم لا يصلح أن يكون رئيسا للولايات المتحدة، ويزعم أن العقيدة الإسلامية تتعارض مع المبادئ الأمريكية. أما منافسه دونالد ترامب الملياردير الأمريكي الشهير، فقد تفوق عليه بمراحل في إظهار كراهيته للإسلام ومقْته للمسلمين؛ حيث يردد في تصريحاته ولقاءاته الصحافية أن الإسلام في أمريكا «مشكلة يجب القضاء عليها»، وهو صاحب التصريح المستفز الذي صدم العالم الإسلامي عندما قال: ينبغى ألا نسمح للمسلمين بدخول الولايات المتحدة، وأنه سيطبق هذا المبدأ عمليا إذا تم انتخابه رئيسا..».
السيسي مطلوب
طالب محامي أحد مصابي الثورة، خلال جلسة محاكمة الرئيس المخلوع، حسني مبارك، في قضية «قتل المتظاهرين»، إبان ثورة 25 يناير/كانون الثاني، أمام محكمة النقض، يوم الخميس، بإدخال قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي، بصفته مدير المخابرات الحربية، آنذاك، كمتهم في القضية، استنادًا إلى المادة 11، التي توجب لمحكمة النقض أو محكمة الجنايات التصدي للقضية، إدخال متهمين جدد، واستدعاؤه للمحكمة في الجلسة المقبلة، التي حددتها المحكمة يوم 7 أبريل/نيسان المقبل. وبحسب «الشعب» قال: «إن الرئيس المخلوع وعبدالفتاح السيسي متهمان في قتل المتظاهرين، وإنه يمتلك أدلة تثبت صحة أقواله»، فرد عليه رئيس المحكمة: «لو معاك أدلة قدمها للمحكمة»، وعقدت جلسة المحاكمة داخل مقر دار القضاء العالي، وأبدى فريد الديب المحامي جاهزيته للترافع، إلا أن المحكمة قالت إن الإجراءات لم تكتمل لعدم حضور المتهم».
رحلة الرئيس الصيني فرصة
كل دول العالم السياحية تخطط لأن يكون لها نصيب من سياح الصــــين، الذين سيصـــل عددهم في القريب إلى 120 مليون سائح وهو ما دفع جلال دويدار في «الأخبار» إلى أن يدعو القطاع السياحي الرسمي والخاص لاستثمار زيارة الرئيس الصيني «شي ينج» لمصر في عملية ترويج واسعة بين أبناء هذه الدولة العملاقة لزيارة مصر. يأتي ذلك على خلفية الأرقام المتواضعة جدا لعدد السياح الصينيين الذين يزورون مصر حاليا، والذين لا يتجاوز عددهم أكثر من 115 ألفا. إن مايثير الانتباه في هذا الأمر غياب وزير السياحة عن المباحثات بسبب سفره إلى إسبانيا لحضور معرض «الفيتور». يضيف الكاتب بالطبع وعندما نطلع علي أبحاث وتقارير وتوقعات الخبراء فإنهم يقدرون ما سوف تصل إليه حركة السياحة الصينية إلى الخارج بـ 100 مليون سائح خلال السنوات القليلة المقبلة. إنهم لا يتجاوزون حاليا الـ120 مليون سائح يتجه معظمهم إلى المقاصد السياحية مثل هونغ كونغ وتايوان وسنغافورة.. وماليزيا.. بينما هناك ما يقرب من عدة ملايين من هذا العدد يزورون الدول الأخرى حاليا. هذه الأرقام في تزايد مستمر سنة وراء سنة، بل شهرا وراء شهر. وعلى ضوء العلاقات الصينية المصرية المتنامية والإمكانات الحضارية الهائلة والفريدة التي تنفرد بها مصر فإنه من المفروض أن يكون لنا نصيب من ملايين الصينيين الذين يجوبون العالم للسياحة حاليا ومستقبلا».
حسام عبد البصير