معارض الكتب العربية: أنشطة «علي بابا والأربعين حرامي»

ما السبيل إلى تطوير أداءِ معارض الكتب العربية حتى لا تظلّ مناسبات ثقافية معزولة عن واقع محيطها الاجتماعي، وليست لها من مزيّة سوى منح منظِّميها فرصة دعوة أصحابهم إليها، من دون السعي إلى تأسيس فعلٍ ثقافيّ منتِجٍ للكاتب والقارئ والكتاب؟ هذا السؤال توجّهت به «القدس العربي» إلى مجموعة من الكتّابِ العرب لتعرف آراءهم بخصوص ما باتَ يُلاحظ من تهافُتِ مضامين معارض الكتب العربية وهجرانِ الجمهور لها.

عبدالمالك أشهبون
جامعي وناقد من المغرب

الحديث عن المعارض الدولية للكتاب في الوطن العربي حديث ذو شجون؛ لأنه يغدو معرضاً لجماعة ضغط ثقافية، احتكرت حقوق السوق المادية، وتتوارثه أبا عن جد، وأصبح يشكل بالنسبة إليها مصدر سلطة ثقافية ووجاهة معنوية، ومصدرا من مصادر الكسب المادي لا يمكن التفريط فيه في أي حال من الأحوال. ففي كل بلد عربي، يُنظم فيه معرض للكتاب، تجد لوبيا ثقافياً يستفيد ماديا ومعنويا من الريع الثقافي الذي يقدم لها من بيت مال المواطنين الغلابة، من خلال الضرائب التي يدفعونها للدولة، ويذهب هذا الريع إلى جيوب قلة قليلة من المحتكرين للسوق الثقافي في هذا البلد أو ذاك، في مثل هذه المناسبات. من هنا أستطيع تشبيه هذه المعارض – في أغلبها – بكونها مثل فضاء «مغارة علي بابا والأربعين حراميا». فما أن يعلن عن موعد المعرض، حتى يتحرك أعضاء اللوبي الثقافي في جنح الظلام، لاقتسام الغنيمة بين أعضاء اللوبي، ويشاركوا في الاستفادة من هذه الغنيمة أعضاء القبيلة التي ينتمون إليها رمزيا، وهي مناسبة أيضا لمكافأة اللوبي الثقافي لهذا الكاتب أو ذاك، من أجل رد الجميل، في حين يكون الهاجس الثقافي في آخر جدول أعمال هذا اللوبي. أما مظاهر الحضور القوي للوبي الثقافي، فهي متعددة نذكر منها اختصارا: وجود مجموعة من الأسماء الثقافية المكرسة، تتردد على منصات المعارض منذ أجيال، ولا تترك المجال للأجيال اللاحقة لتأخذ فرصتها. وحرص اللوبي على استحضار هذا الاسم أو ذاك (بدافع المصلحة المشتركة بينهما) حتى إن تمت عملية إقحامه في البرنامج بشكل قسري وبشكل مفضوح؛ كأن يخصص لكتابه الصادر حديثا جلسة خاصة، وإن تعذر عليه إصدار الكتاب تلك السنة، يحضر بصفته مناقشا لكتاب آخر في مجال تخصصه، وإن تعذرت هذه الإمكانية، وجدوا له موضعا في البرنامج – فأي حال من الأحوال- حتى لو تطلب الأمر أن يدير جلسة نقاش في الفيزياء النووية؛ لأن الذي يهم في النهاية، هو المردود المادي السخي الذي سيحصل عليه بعد الجلسة، إضافة إلى إقصاء مجموعة من الكتاب الذين راكموا تجارب جيدة في مجال تخصصاتهم، فاللوبي الثقافي لا يلتفت إلى قيمة هذه الأعمال، ولا إلى قامة أصحابها في الخارج، لكنهم يظلون في الداخل يعانون التهميش والإقصاء والنبذ؛ لأنهم بكل بساطة لم ينخرطوا في جوقة التطبيل والتزمير لهذا العضو أو ذاك من أعضاء اللوبي الثقافي، أو لأنهم لا يحسنون سوى العزف المنفرد، ما دام المطلوب منهم هو العزف في الجوقة.
وبغض النظر عن أهمية تلك المعارض ودورها الحيوي في تطوير الحقل الثقافي في البلاد، إلا أنها تحولت إلى سوق للكتاب بكل ما تعنيه كلمة «سوق» من معنى تجاري محض؛ لأنه نادرا ما تجد في هذه المعارض ناشراً حقيقياً يعتني بحقوق المؤلف، بل هناك دور طبع تعتاش على تفقير الكتاب، وإثقال كاهلهم، بكلفة طبع كتبهم التي تظل تراوح مكانها؛ ما دام الشغل الشاغل للطابع هو الطبع فحسب، لا نشر الكتاب على نطاق واسع. من هنا نقول إن دار لقمان ستبقى على حالها، ولن يؤثر عليها ملف في هذه الجريدة أو تلك؛ لأن اللوبي الثقافي يدافع عن نفسه بشراسة، وبروح قتالية نادرة، ويستعمل في ذلك كل الوسائل الشرعية والقذرة، ما دام الأمر يرتبط بسوق رائجة سنويا على المستوى المادي والمعنوي، واحتكار هذا السوق هو الهاجس الأوحد للوبي الثقافي المهيمن، حتى إن ادعى زورا وبهتاناً أن المعرض يسعى للارتقاء بوضعية المنتج الثقافي عامة وتشجيعه ودعمه. وحسبنا أننا ألقينا حجرا في بركة الماء الآسنة في هذا المقام.

برهان شاوي جامعي وروائي عراقي مقيم في برلين

من المعروف أن إقامة معارض الكتب الدولية العربية اصبحت تقليداً، فهي تقام لعشرة أيام أو أسبوعين في كل بلد عربي على مدار السنة، بحيث تتنقل معارض الكتب شهريا من بلد عربي إلى آخر، وصار الناس ينتظرونها أو يحجون إليها في البلدان القريبة المجاورة. لكن معارض الكتب هذه ليس لها علاقة بفعل القراءة نفسه، بل إن إقامة معرض للكتاب هي فعالية اقتصادية في الجوهر، لكنها بمظهر ثقافي، أي تنتمي إلى ما يمكن أن يسمى اقتصاد السلع الثقافية، أي الكتاب أو القرص المدمج سواء للفيلم أو الموسيقى كسلعة. إلى جانب أن معارض الكتب تحولت إلى تظاهرات اجتماعية كرنفالية وصارت أشبه بالمهرجانات الإعلامية والسياحية والتجارية، لكن بتمظهرات ثقافية. وهذا بحد ذاته جيد في عصر هيمن فيه الإعلام على لاوعي المتلقي وساهم ويساهم في تشكيل رأيه العام، بحيث يسحب عشرات الآلاف إلى ميدان الكتب حتى إن لم يقرأوا أو يشتروا الكتب، وإنما هم يقضون وقتا عائليا أو شخصيا احتفاليا بين جنبات المعارض. لكن معارض الكتاب العربية مع الأسف لا ترتقي لمستوى معارض الكتب التي تقام في العالم، لاسيما معرض فرانكفورت الدولي للكتاب مثلاً، وهو معرض صار مؤثرا ليس كفعالية اقتصادية ثقافية وإنما أيضا كفعالية سياسية وفكرية لما فيه من جدية وصرامة فكرية في التنظيم، وفي إيجاد محاور فكرية وسياسية واجتماعية مهمة يُعد لها بدقة ويدعى لها أبرز المفكرين الذين يقدمون خلاصات فكرية حقيقية تؤثر لاحقا في قارات برلمانات الدول الأوروبية ورسم سياستها، بل صارت للمعرض جائزة مهمة توازي جائزة نوبل من ناحية القيمة الفكرية والأدبية. لا مجاملات ولا علاقات شخصية مفضوحة لمنح هذه الجائزة أو تلك لهذا الشخص المقرب أو ذاك، ولا تكرار في دعوة الوجوه نفسها، بل احتفاء حقيقي بالشخصية الفكرية التي تمنح الجائزة. لذا إلى أي حد يمكن لمعارض الكتب العربية أن تصل لمثل المستوى التنظيمي والفكري الراقي؟ ومتى يمكن لمعارض الكتب أن تتحول إلى منتديات فكرية وعلمية وثقافية تؤثر في سياسة الدول التي تقام على أرضها المعارض؟ الجواب غامض في ظل هذا الخراب العربي.

بدوي الطاهر
جامعي من السودان

في ظل التحدي الذي يواجه صناعة الكتاب عموما وكذلك الصحافة الورقية بسبب انتشار الحواسيب والهواتف الذكية، وتبعا لتنامي النشر الإلكتروني، صار مطروحا أمام المثقفين تحدٍّ كبيرٌ صورته التساؤل عن كيفية تواصلهم مع القراء؟ بل كيف يكون للإنتاج الإبداعي -أيا كان نوعه شعرا أو رواية أو دراسة – تأثير واضح على المتلقّي؟ وكيف يمكن أن نحمي الكتاب بوصفه قادح الأفكار ومثري المعرفة التي تؤسّس لواقع حياتي جديد؟ من المأمول ألاّ تكون معارض الكتاب في العالم العربي مجرد تظاهرة ثقافية لتسويق الكتاب وتقديم بعض المحاضرات لبعض الضيوف المدعوين من الجهة المنظمة للمعرض، بل يجب أن تمثّل منتدى فكريا لمناقشة قضايا المنطقة العربية في صلتها بالواقع الثقافي وما يكون من دور له في التحول الحضاري، إضافة إلى إتاحة الفرصة لتعرُّف الآخر عبر ثقافته وإنتاجه الأدبي، فنحن مثلا في السودان يندر أن يصلنا إنتاج أدباء المغرب العربي لضعف التواصل بيننا. كما يمكن أن تُقدَّم دراسات معمقة لبعض الكتب تطرح ما فيها من رؤى وتنظر في مدى إسهامها في رفد التيارات الثقافية في العالم العربي. ويمكن ترشيح بعض الأعمال لكي تترجم إلى لغات أخرى حتى تندرج الثقافة العربية في إطارها العالمي. ولأننا نعلم مدى العوز المادي لمعظم المبدعين في العالم العربي فإنه بالإمكان رصد جوائز مادية وتقديرية لأكثر الأعمال رواجا من إنتاج العام الذي يعقد فيه المعرض، بل يجب أن تساهم مؤسسات اقتصادية كبيرة في كل بلد لدعم الثقافة وتفعيل الحراك الإبداعي فيها.

خالد عاشور جامعي وقاص مصري

للأسف أغلب معارض الكتب العربية تنتهج نهج الأعمال الدرامية في شهر رمضان، فكما يتسابق المنتجون وشركات التوزيع والفنانون إلى المشاركة في عمل أو أكثر خلال شهر رمضان لارتفاع نسبة المشاهدة خلاله، من دون الاهتمام بجودة الأعمال الفنـــية المقدّمة للناس، يفعل منظمو معارض الكتاب في أغلب الدول العربية الأمر نفسه، حيث تتسابق دور النشر في إصـــــدار الكتب في جميع المجالات (رواية- قصة- مسرح- شعر- فن- طبخ- سياسة… الخ) من دون الاهتمام بجودة المنتج أو مراجعته ومن دون تقدير لما قد يحدث جرّاء ذلك من كساد وتضخم في سوق النشر والكتابة فــــي زمن يشهد أنيميا حادة في القراءة، ولعل في هذا ما جعــل دور النشر المهيمنة على صناعة النشر تهيمن أيضا على المبدعين، بل وتجعلهم مثل بقرة تدر لبنا لا أكثر. وللأسف تتحول بعض معارض الكتاب إلى فرصة للقائمين عليها لتوزيع المزايا على المقربين منهم، مع حسن تبرير فشلهم في إدارة المعارض، سواء من حيث المضمون الثقافي أو من حيث اختيار الضيوف، ثم إن ما نلاحظه من ارتفاع جنوني لأسعار الكتب بعد التدهور الاقتصادي لبعض الدول التي تقيم معارض كهذه أمر مناقض لمبدأ إقامة المعارض ذاته، ولعلّ هذا ما حوّل معارض الكتب إلى فضاءات يباع فيها كل شيء سوى الكتاب.

٭ كاتب وإعلامي تونسي

معارض الكتب العربية: أنشطة «علي بابا والأربعين حرامي»

عبدالدائم السلامي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية