معالم الرباط الأثرية: أبواب وأسوار ومساجد

الرباط – «القدس العربي»: ليست الرباط مجرد عاصمة للمغرب فحسب، بل هي أيضا مدينة متعددة الأوجه الحضارية والأثرية، باعتبارها تجرّ وراءها حمولة تاريخية ومعالم أثرية ومعمارية تعود إلى أكثر من ثمانية قرون، مما أهلها لتصنّف تراثا عالميا من طرف اليونيسكو سنة 2012.
بمحاذاة المحيط الأطلسي، وعند مصب نهر «أبي رقراق» ينتصب جرف عالٍ يرتفع بشكل حاد إلى أكثر من ثلاثين مترا فوق مستوى سطح البحر. على هذا الموقع الطبيعي الذي اعتُبر ـ تاريخياً ـ الأنسب للدفاع ولصدّ المهاجمين، أنشأ السلطان عبد المؤمن بن علي (مؤسس الدولة الموحدية) في سنة 1150م المدينة/ القلعة التي كانت مكانا لتجمّع «المجاهدين» من أجل الانتقال نحو الجارة الشمالية «الأندلس». هذا البناء الذي شكّـل النواة لقصبة «الأوداية» الحالية، كان يسمّى «رباط الفتح» في إشارة إلى الانتصارات التي تحققت آنذئذ ضد الإسبانيين.
وقد استأثرت هذه المدينة، على الدوام، باهتمام العديد من المؤرخين والباحثين الذين حاولوا استكناه أسرارها والنبش في أغوارها، فألفوا كتبا وموسوعات بلغات مختلفة، وجاء كتاب الباحثة المغربية لمياء بلشهب ـ الصادر حديثا تحت عنوان «معالم الرباط» ـ ليقدم للقارئ غير المختص معلومات موجزة عن هذه المدينة، بنظرة شمولية تمكّنه من معرفة المهم عن كل معلَمة، بدون تعمق، وتكون كذلك مرحلة أولية أو حافزا مشجعا للبحث عن معطيات أوسع. وفي ما يلي عرض لنماذج من المعالم التي توقفت عندها الكاتبة في مؤلَّفها البكر:

قصبة الأوداية.. الحصن المتين

كانت «قصبة الأوداية» في الأصل عبارة عن قلعة محصنة حملت اسم «قلعة تاركة» شيدتها دولة المرابطين، لمحاربة قبائل «برغواطة». وفي سنة 1150م، أمر السلطان عبد المؤمن بن علي (أول السلاطين الموحدين) ببناء قلعة على الضفة اليسرى لمصب وادي أبي رقراق، لشن حملات عسكرية ضد الإسبان، وأطلقوا عليها اسم «المهدية» نسبة إلى المهدي بن تومرت مؤسس الدول الموحدية. وبعد وفاة مؤسسها، فقد أهميتها، لتحل محلها «رباط الفتح» الجديدة التي بناها السلطان يعقوب المنصور الموحدي.
وفي عهد الدول السعدية، استوطنها «الموريسكيون» الذين جاؤوا من الأندلس، فأعادوا إليها الحياة، وقاموا بإدخال مجموعة من التعديلات على المنشآت العمرانية في القصبة، وجعلوها مقرا لدويلة أبي رقراق التاريخية. وفي بداية عهد الدولة العلوية، أطلق على القصبة اسم «الأوداية» الذي يحيل على اسم قبيلة صحراوية كانت تسكن بالقصبة، وأدمجت ضمن الجيش العلوي للدفاع عن المدينة ضد هجمات القبائل المحاربة. وفي هذه الفترة (أي ما بين 1722 و1792) شهد هذا الموقع تاريخا متنوعا ومتميزا يتجلى في المباني التي أضيفت إلى القصبة. ويبقى سورها الموحدي وبابها الأثري المسمى «الباب الكبير» من رموز الفن المعماري الموحدي، بالإضافة إلى مسجدها المعروف بالجامع العتيق. وتعدّ الأسوار الرشيدية والقصر الأميري وكذلك منشآتها العسكرية كبرج الصقالة أهم ما يجسد الفترة العلوية الأولى داخل القصبة.

شالّــة.. حضارة
سادت ثم بادت

شـالّـة هي أول مكان تجلّت فيه الآثار الأولى للإنسان الذي استقر في الرباط، وذلك خلال القرن الثامن قبل الميلاد. وقد أُطلق اسم شالة على هذه القصبة الأثرية من طرف الرومان، والاسم تحريف للكلمة الرومانية «سالا» الذي كانت تعرف به منطقة مصب نهر أبي رقراق الفاصل بين مدينتي الرباط وسلا الحاليتين. وقد أنشأوا هناك ميناء نهريا، بقي مستعملا حتى نهاية إمبراطوريتهم.
بقي موقع شالة في الرباط مهجورا من القرن الخامس حتى القرن العاشر الميلادي، فلا تتوفر المصادر التاريخية عن موقع شالة بين العهدين الإدريسي والمرابطي إلا على معلومات وإشارات قليلة. فحسب رواية «أبي زرع» فقد عرف هذا الموقع دمارا على يد قبائل «برغواطة» خلال القرن العاشر الميلادي، لكنه شهد ازدهارا هاما في عهد السلطان عيسى بن إدريس الثاني، واتخذت في عهد «بني يفرن» (أمراء سلا) صفة رباط للمسلمين ضد القبائل البرغواطية.
حظيت شالة في العهد المريني باهتمام كبير، ففي سنة 1284م اتخذ السلطان يوسف بن يعقوب من موقع شالة مقبرة لدفن ملوك بني مرين وأعيانهم، حيث شيد النواة الأولى لمجمع ضم مسجدا ودارا للوضوء وقبة دفنت فيها زوجته أم العز، بالإضافة إلى الضريح الذي دفن فيه السلطان المريني. وحظي الموقع باهتمام بالغ في عهد السلطان المريني أبي الحسن، أما ابنه أبو عنان فقد أتم بها المشروع وبنى بها المدرسة شمال المسجد والحمام والنزالة، وزين أضرحة أجداده بقبب مزخرفة تعدّ نموذجا حيا للفن المعماري المتميز لدولة بني مرين.
في سنة 1339م، أحيط الموقع بسور خماسي الأضلاع مدعم بعشرين برجا مربعا وثلاث بوابات، أكبرها وأجملها زخرفة الباب الرئيسي للموقع، المقابل للسور الموحدي لرباط الفتح. وقد تراجع الموقع مباشرة بعدما قرر المرينيون إعادة فتح مقبرة «القُـلّة» في فاس، فأهملت بناياته، بل وتعرضت في القرن الخامس عشر للنهب والتدمير. إلا أن شالة احتفظت بعراقتها، وعاشت ذكريات تاريخها القديم على هامش رباط الفتح، لتصبح تدريجيا المدينة/ المقبرة والموقع التاريخي الذي يجلب أنظار زوار المدينة.

أبواب وأسوار
ومساجد

كباقي المدن التاريخية الكبرى للمغرب، تنفتح الرباط على أبواب تحكي تاريخ وأمجاد دول تعاقبت على حكمها، فمن تلك الأبواب من نجده صامدا ومنها من لم يعد له أثر سوى في المصادر. وهذه الأبواب هي: باب البحر، باب لعلو، باب الأحد، باب زعير، باب التبن، باب البويبة، باب شالة، باب الملاح أو التلغراف، باب الديوانة، باب القبيبات، باب مراكش، باب المصلى، باب السفراء، باب تواركة.
وعلى الرغم من الأهمية الحضارية والأثرية لكل هذه الأبواب، فيمكن القول إن «باب الرواح» الذي ينتصب في شموخ عند ناصية «شارع النصر» يعتبر من أفخم الأبواب التي تحيط بأسوار مدينة الرباط وأكثرها زخرفة، ويبلغ طوله 28 مترا وعلوه 12 مترا. وقد تم تشييده من طرف السلطان يعقوب المنصور الموحدي سنة 1197م. ويُعتقد أن اسمه مشتق من كلمة الريح، والغالب أن التسمية تدل على الرواح، أي الذهاب ومغادرة المدينة عن طريق الجهة الغربية. وهو يفضي إلى أربع قاعات مربعة الشكل، وقد شُرع في استغلاله كرواق للمعارض التشكيلية بعد ترميمه سنة 1968، ومنذ ذلك التاريخ تلاحقت فيه العديد من معارض كبار التشكيليين المغاربة والأجانب، مما جعله يحظى بشهرة كبيرة، وعرف آخر ترميم سنة 2001.
وبالإضافة إلى الأبواب، تشتهر الرباط بأسوارها التاريخية: السور الموحدي، السور الأندلسي، السور البحري أو أشبار، السور البراني، سور المشور.
وحيث إن المسجد يشكل عنصرا أساسا في تشكيل الهيكل العمراني للمدينة الإسلامية العتيقة، فقد كانت الرباط تحتضن أكثر من خمسين مسجدا وثلاثين زاوية دينية في مطلع القرن العشرين، أسس معظمها في العهد العلوي. وأقدم هذه المساجد:
جامع القصبة، المسجد الأعظم، جامع السنة، جامع مولاي سليمان، الجامع العتيق، مسجد مولاي المكي، مسجد مولاينا أو مولين.

حسان.. الصومعة
والجامع والضريح

يعدّ جامع حسان واحدا من بين المباني التاريخية المتميزة في مدينة الرباط التي تقع عليها عين الزائر. فعلى رابية تطل على نهر أبي رقراق الذي يفصل بين مدينتي الرباط وسلا، تقع صومعة حسان، شامخة في الزمان والمكان، لا يضاهيها في المكانة إلا قصبة الأوداية المقابلة لها والمحاذية للمحيط الأطلسي ونهر أبي رقراق.
في سنة 1197/ 1198م أصدر مؤسس مدينة الرباط السلطان يعقوب المنصور الموحدي أمرا بتشييد هذا الجامع العظيم الذي اعتبر من أكبر المساجد في عهده، لكن هذا المشروع الطموح توقف بعد وفاته سنة 1199م، كما تعرضت مجموعة من معالمه للاندثار بسبب زلزال لشبونة سنة 1755.
وتشهد صومعة حسان، التي تعدّ إحدى الشقيقات الثلاث لصومعة الكتبية بمراكش والخيرالدا بإشبيلية على وجود المسجد وضخامته، وهي مربعة الشكل، تقف شامخة إذ يصل علوها إلى 44 مترا، ولها مطلع ملتو يؤدي إلى أعلى الصومعة، ويمر على ست غرف تشكل طبقات، وقد زينت واجهاتها الأربع بزخارف ونقوش مختلفة على الحجر المنحوت، وذلك على النمط الأندلسي المغربي للقرن الثاني عشر الميلادي.
وصارت حكاية صومعة حسان من الألغاز المسلية التي يتداولها الطلبة المغاربة منذ سنين، حيث يطرحون سؤالا عن «ما هي الصومعة التي نصفها ذهب؟» والمقصود بــ»ذهب» فعل «راح واندثر»، وذلك في إشارة إلى ضياع جزء كبير من تلك الصومعة ومن المسجد، حيث بقيت السواري الضخمة بجانب الصومعة غير المكتملة شاهدة على ضخامة تلك المعملة.
ولا تكتمل زيارة هذا الفضاء العمراني والتاريخي دون زيارة «ضريح محمد الخامس» الذي يعتبر هو أيضا معلمة تاريخية كبرى. وقد شرع في بناء ضريح محمد الخامس ومسجده ومتحفه سنة 1962، بمشاركة أكثر من أربعمائة حرفي وصانع تقليدي يمثلون كل الأقاليم المغربية، حيث انكبوا على إبراز المجموعة المعمارية الفنية المتناسقة في توازن وترابط تامين، يجمع بين الوظائف الهندسية والدينية والتاريخية.
يشغل الضريح مساحة تبلغ 1650 مترا مربعا، وهو يحتوي على العنصر الرئيس للبناية، ويبلغ طول قاعة الضريح ستة عشر مترا وعرضه 9.15 مترا، وتحيط به شرفة رواقية تمكّن الزوار من مشاهدة واضحة للضريح الذي يأوي قبري الملكين الراحلين محمد الخامس وابنه الحسن الثاني، وتزين هذه القاعة قبة هائلة تعتبر من العناصر المميزة للمعمار الإسلامي في فن النقش والزخرفة.

المدينة العتيقة..
دروب التسوّق التقليدي

تشكل المدينة العتيقة جزءا من الفضاءات العمرانية والحضارية والاجتماعية التي تسترعي انتباه زائر مدينة الرباط، سواء كان محليا أم عربيا أم أجنبيا، وهي تشغل مساحة تقدر بحوالي 50 هكتارا، ويتم التنقل داخل فضاءاتها ترجلا، حيث تضم ثلاثة ممرات، أولها مواز لسور الأندلسيين، ويطلق عليه ممر السويقة أو ممر «سوق السباط» (سوق الأحذية). ويوجد على طرفيه ممران متعامدان: ممر «سيدي فاتح» المؤدي نحو شارع «لعلو»، ثم ممر «القناصل» الذي يؤدي نحو قصبة «الأوداية». وتصطف على جوانب هذه الممرات محلات تعرض سلعا مختلفة، ولاسيما منتجات الصناعة التقليدية المحلية والملابس والأحذية والإكسسورات والمنتجات الجلدية وغيرها.
ويوجد في الرباط (المدينة العصرية) متحف أركيولوجي أُنشئ خلال عشرينيات القرن الماضي، ويضم لقى أثرية مكتشفة في مواقع تنقيب مختلفة، بما فيها وليلي وتاموسيدا… مما يمكن الزائر من التعرف على جوانب من تاريخ المغرب منذ عصور ما قبل التاريخ حتى العصر الإسلامي، حيث يضم المتحف أدوات إنسان ما قبل التاريخ، وبقايا من العصر الحجري الحديث ونقوشا ليبية ـ أمازيغية ومجموعة رائعة من التماثيل الرومانية والبرونز أو الرخام، بالإضافة إلى سيراميك من أولى المدن في العصر الإسلامي.

الطاهر الطويل

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول ماجدة / المغرب:

    واحدة من أجمل مدن المغرب لم تمنعها اللمسة الحداثية للمدن الجديدة من الاحتفاظ بثوبها القديم الزاهي … فأبوابها وأقواسها ومبانيها وقراميدها الخضراء لا تزال تتباهى بجمال صنعة الأنامل المغربية
    مدينة عشت فيها عامين من أجمل ما عشت عمري كله
    احتضنتي فيها دار الحديث الحسنية والتي تعدةواحدة من أجمل معالم المدينة العمرانية اصر بانيها ان تكون على كراز البناء الاندلسي بنقوشه وزخارفه وفسيفسائه …. تحفة اجعو كل من يزور مدينة الرباك ان يعرج عليها فلن يمنعك احد من الدخول
    شكرا للكاتب على هذه اللفتة نحو مدينة تستحق ان تمنح لقبا عالميا

  2. يقول لولو الجزائر:

    ماهي المراجع التي اعتمدتم عليها وشكراارجوا منكم الرد

  3. يقول aya maroc:

    شكرا على مجهوداتكم

إشترك في قائمتنا البريدية