القاهرة ـ «القدس العربي»: في الدورة 46 لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، التي بدأت في الثامن والعشرين من يناير/كانون الثاني وتنتهي في الثاني عشر من فبراير/شباط الجاري، كان اللافت أن الافتتاح تم في أجواء غير احتفالية مشوبة بالحيطة والحذر، حيث غابت مظاهر الاحتفاء السنوي بالحدث الثقافي الأهم، وبدا انعقاد الدورة كأنه ضرورة حتمية وتواصل قسري بين الثقافة والجمهور، غير الموجود على أرض الواقع، ورغم زخم الأجندة الثقافية بالأنشطة المنصوص عليها سلفا في أوراق المعرض المطبوعة وبطاقاته، إلا أن الناتج الفعلي لهذه الأنشطة يظل حبرا على ورق فلا أثر لتفاعل حقيقي بين ما هو مكتوب ومقرر في الكراسات والنشرات وبين نخبة وجمهور اعتدنا توافدهما جماعات وفرادى في السنوات الماضية .
هذا هو الملمح الرئيسي على الأقل في الأيام الأولى للدورة المذكورة، ولم يكن ذلك مفاجأة بالطبع، لكنه أمر متوقع في ظل التربص بالثقافة وأجواء التحدي التي يقام فيها المعرض، والمخاوف الطبيعية التي تراود البعض فتشكل أسبابا حقيقية لضعف الإقبال الذي ربما يتزايد مع بداية إجازة نصف العام الدراسي، وتوافد الطلاب.
«المشكلة الاخرى المضحكة هي أن الموقع الرسمي لمعرض الكتاب على صفحات التواصل الاجتماعي لم يتم تحديثه، فلا زالت المواد الخاصة بالدورة 45 الماضية موجودة على شبكة الإنترنت والقليل منها فقط هو المتعلق بالدورة 46 الحالية، وهي أخبار قصيرة لا تعدو كونها عناوين مقتضبة لنشاطات محتملة، بما يعني أن الحديث عن الجديد والمتطور في وسائل وأساليب التثقيف والمخاطبة والبحث الإلكتروني عن أحدث الإصدارات مجرد لغو وطنطنة لزوم الدعاية البروبجندا ولا ظل لحقيقة فيه، لعل الأهم في كل ما أنجز حتى الآن من عناوين وترجم بالفعل لممارسة ونشاط مؤكدين تمثل في ندوة الكاتب الروائي المغربي أحمد المديني، التي عقدت تحت عنوان «حول أدب المغرب العربي»، وأدارتها الكاتبة الروائية مي خالد في اليوم الثاني للافتتاح، تمهيدا لحفل توقيع الإصدار الجديد للكاتب «نصيبي من الشرق»، وهو الجزء الثاني لكتابة «نصيبي من باريس»، وقد استمر اللقاء مع المديني نحو ساعتين، طاف خلالهما حول القضايا الثقافية في العالم العربي ومعوقات النشر وسبل التغلب على هذه الأزمة، فضلا عن كلامه عن روايته الأخيرة «ممر الصفصاف» التي وصلت إلى القائمة الطويلة في مسابقة البوكر، وهو ما يعتبر شهادة على أهمية الرواية كعمل أدبي ينافس بجدارة على الجوائز الدولية.
ويعد أحمد المديني واحدا من كتاب الرواية المرموقين في العالم العربي والمساهمين بشكل إيجابي في الحركة الثقافية، فهو باحث أكاديمي ومترجم وناقد أدبي أيضا .
هناك عناوين جديدة للندوات الفكرية والنقاشية فرضتها المستجدات السياسية منذ قيام ثورة 25 يناير/كانون الثاني ولا زالت مفروضة، من بينها ما يسمى «بالتحرش النفسي» وهو عنوان أقرب لعناوين المسرحيات الكوميدية، لأنه محاولة للاقتراب من قضية التحرش، من دون ذكر المعنى الحقيقي لفكرة الاعتداء، ربما بدافع الحياء أو نكران القضية برمتها، وهو مجاف للدقة في التوصيف العلمي للظاهرة التي يراد تحويلها إلى إشكالية نفسية وحصرها في هذا الإطار، وللتصويب الحقيقي نحو الهدف كان يجدر بالتسمية أن تكون تحت عنوان «الآثار النفسية للتحرش» خاصة أن من اختاروا العنوان الملتبس لم يفصحوا عن آيات ودلالات وأمارات ما يسمونه بالتحرش النفسي بشكل علمي يفهم منه المقصد والمراد.
محور آخر جديد يرتبط أيضا بتداعيات الثورة والحالة العامة ونظم الحكم والقواعد السياسية هو « الشباب في دستور 2014 «، وهذا واحد من المحاور المهمة جاء طرحه في ندوة شارك فيها صلاح فضل وصفوت النحاس وأدارها صديق عفيفي، وقد عني فيها بمناقشة طرق تفعيل ما نص عليه الدستور من بنود تختص بالدور الإيجابي للشباب، في إطار التوجه نحو النهوض الحقيقي للعملية الديمقراطية وتطبيقها الفعلي على الأرض كمنتج أصلي ومكتسب أساسي من مكتسبات الثورة.
ولم يكن النشاط الفني معزولا عن مكونات الخريطة الثقافية لمعرض الكتاب، ففي دورته الماضية ودورته الحالية فرضت ذات القضايا بأبعادها الفنية والسياسية نفسها، باعتبارها احتياجا ضروريا للمواطن، على ضوء ما أدركه من متغيرات طالت حياته وواقعه بشكل مباشر ومنها حتمية رفع سقف الحرية الإبداعية بما يستلزم أفاقا جديدة وفنا خلاقا غير نمطي يترجم القفزة المتصورة عن تجاوز أشكال الإبداع الحكومي في المسرح والسينما، وطرق أبواب جديدة ومستحدثة تمكن الجمهور من رؤية الواقع المعاصر بكافة صراعاته وتناقضاته.
وقد تم التنويه بأشكال مختلفة للمسرح طرأت مجددا بفعل ارتباطه بالحالة الراهنة المليئة بالإرهاصات السياسية والاجتماعية والدينية، تمثلت في ما عرف بمسرح الشارع وخصوصية عروضه وعناوينه المهمة، من بينها إنجازات فرقة «ميدان الإمام» التي تتعرض لعصر الإمام الشافعي ومذهبه كنموذج معتدل ومثالي في الفصل في القضايا والفتاوى.
وهذا النمط المسرحي لم يكن موجودا ولا شائعا قبل ذلك، وربما وجوده يسهم في تقريب وجهات النظر بين عوام الناس، في ما يتصل بالقضايا ذات المضامين المتعددة والوارد بها بعض الآراء الدينية محل الخلاف والقابلة للاجتهاد والتصويت، وهي فكرة تنويرية أفلح المسرح غير التقليدي في أن لعب دورا ايجابيا لتكريسها وتفعيلها.
لا زالت هناك أنشطة وندوات وعروض ينتظر ان تتم تباعا وفق البرنامج الثقافي للدورة 46 حاولنا ان نرسم بعض ملامحها على ضوء استشعارنا لما يحدث وفق آلياتها وظروفها.
كمال القاضي