معرض «تداخلات مع جريدة» لـ هشام الزيني… الثورة المصرية ومصائرها المرتبكة

القاهرة ـ «القدس العربي»: «تداخلات مع جريدة» هو عنوان معرض الفنان هشام الزيني، المُقام حالياً في غاليري مشربية في وسط المدينة. ويختار الزيني من خلال تقنية الكولاج صفحات جريدة «المصري اليوم» لتصبح خلفية العمل الفني.
ويبدو أن اسم الصحيفة تمتد دلالته إلى الحالة التي يعيشها المواطن المصري الآن، من دون الاقتصار على الاسم الدعائي للجريدة، فهو يحاول أن يُعيد صياغة الأحداث وفق رؤية فنية مُبتكرة حول الأحداث اليومية التي تشكل حياة المصريين وتؤثر فيها بشكل أو بآخر. ويلاحظ أن هذه الأعمال ــ ما يُقارب 40 لوحة ــ تم تنفيذها بين عامي 2014 و2015. أفكار كثيرة يحاول الفنان تجسيدها من خلال لقطات أشبه بموضوعات مبتورة الكلمات، لتأتي التكوينات، سواء صورا ملصقة أو كلمات الجريدة المطبوعة لتلعب على حالة التناقض ما بين المانشيتات والشخوص في اللوحة.

التضارب

منذ بداية أحداث الثورة المصرية في الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني عام 2011، وبعد فترة قصيرة حتى تنحي المخلوع عن الحكم، طال الانقسام كل شيء، وأصبح التضارب حتى في مانشيتات الصحيفة الواحدة يختلف من يوم لآخر، هذه هي خلفية اللوحات أو الأحداث، فالأعمال الفنية هنا تحمل حساً توثيقياً إلى حدٍ كبير. فئات متصارعة، وطبقات تختفي وتعاود الظهور، جماعات تصل إلى الحكم، انقلابات وتأسيس سلطة جديدة، طرق متخبطة، ولا يجد المواطن سوى ما يراه في الفضائيات أو يقرأه في الصحف.
عبّرت اللوحات عن حالة التشتت الصارخ هذه، أشخاص في بذّاتهم الرسمية من دون رؤوس، ككتل سوداء أشبه بالغربان، التي تمتلئ بهم إحدى اللوحات الأخرى.

الصراع

وينتقل الصراع ويتجسد عبر لعبة كرة القدم الشعبية، لاعبون ضخام وملابسهم التي يسيطر عليها اللون الأحمر، وتتعدى الدلالة هنا ملابس فريق رياضي بعينه، لتصبح ساحة أشبه بساحات المصارعة، وأن لون الدماء في كل مكان، والجماهير تبدو ضئيلة وتكاد تختفي من المشهد، وحتى الخلفية ــ ورقة الصحيفة ــ يتآكل البعض منها وكأنها محترقة. الإيحاء بالجو العام لما يحدث هو أهم ما يميز اللوحات، عالم مزعج ومتوتر، أشبه بالكابوس الذي لا مخرج منه، ولا سبيل.
فالخيال هنا ــ الخيال الفني ــ أصبح أسيراً لواقع أكثر عبثية، وجاء محاولاً التعبير عنه في شكل يتوسل تجسيده، عبر كادرات ضخمة وتفاصيل دقيقة، مطالعتها تصيب بالدوار أكثر مما تساعد على الفهم والألفة، أو حتى التقاط الأنفاس ولو لحظة بحثاً عن هدوء مفقود.

العزلة

ويمتد خط اللوحات في ما يشبه الخط السردي للأحداث، من دون مواربة، ووسط كل ذلك يبدو المواطن المصري في حيرة شديدة وعزلة أشد، لا يعرف أحدا ولا يعرف ما يحدث. ووسط كل هذا الصخب تبدو الشخوص متباعدة، على العكس من لاعبي الكرة أو الغربان المتحلقة أو أصحاب الزي الرسمي، هؤلاء في كتل ضخمة ومتقاربون، بينما الشخصيات العادية ــ العامة ــ في التخبط يعمهون.
هذا التقسيم المجازي لما أوحت به اللوحات، يوحي بقراءتها على أنها أحد النصوص السردية الجادة، التي يسردها اللون والكتلة والخط، وهي تجربة لافتة من حيث الفكرة والتقنية التي أصبحت في العديد من الأعمال الأخرى تمثل درجة كبيرة من الاستسهال، أما في أعمال هشام الزيني، فإنها تستخدم في وعي شديد، وتتفق مع الحالة الشعورية التي أراد إيصالها من خلال لوحاته.

محمد عبد الرحيم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية