فشل العدوان الثلاثي على مصر شكل الاعلان الرسمي للنهاية الفعلية للامبراطورية البريطانية و ليس بداية ترنحها.
الامبراطورية البريطانية بدأت تترنح خلال العالمية الثانية، ونتيجة الحرب والنظام العالمي الذي انبثق عنها شكلا نهاية الامبراطورية.
نظرة بسيطة على الخريطة تبين أن لبنان هو امتداد جغرافي طبيعي لبلاد الشام ( او بلاد الشام امتداد طبيعي للبنان ان شئت) ووجودهما كدولتين مستقلتين منفصلتين عن بعضهما لا يمكن أن يكون الا نتيجة توافقات بين قوى عظمى من خارج المنطقة وليست لها مصلحة في الوحدة بين ما يسمى اليوم سوريا ولبنان.
في حال وجود قوى عظمى اقليمية، اندماج سوريا ولبنان هو الخيار الطبيعي والأكثر فاعلية لبسط النفوذ على المنطقة.
الحرب الأهلية في لبنان هي نتيجة لتداعيات الصراع العربي ـ الاسرائيلي و الاخفاق المصري و انسحاب مصر لاحقا من مواجهة التحدي الذي يمثله الصراع. و لأن الاندماج بين سوريا و لبنان كان و لا يزال هو الخيار الطبيعي للبلدين فقد استطاعت سوريا بمساعدة الاتحاد السوفييتي من الاستفادة من هذا العامل في عهد الأسد و استطاعت أن تحسم الحرب الأهلية في لبنان بعد طرد اسرائيل و امريكا و فرنسا من لبنان. قدوم السعودية للبنان كان بمباركة الطرف المنتصر اي سوريا و لم تمثل قط عامل توازن مع نفوذ سوريا في لبنان. مجيئها كان و سيلة لانهاء الحرب و ضمان وجود موارد كافية لاعادة بناء لبنان في ظل الهيمنة السورية. الوضع الحالي يمكن وصفه بارهاصات ولادة نظام قليمي جديد نتيجة فشل استراتيجية امريكا في العراق و سوريا بسبب إيران (المدعومة من خصوم امريكا روسيا و الصين) و توظيف هذا الفشل من طرف هؤلاء الخصوم في اقامة نظام اقليمي جديد تشكل سوريا ولبنان موحدتين او على الأقل حليفين احدى دعائمه.
تركز وسائل الاعلام الغربية على ان تطورات الاوضاع في المنطقة تسير نحو انشاء هلال شيعي او منفذ ايراني على البحر المتوسط عبر العراق و سوريا و لبنان. في الواقع الحدث الأكثر اهمية هو وجود مساحة متواصلة ممتدة من الصين الى البحر المتوسط خارج نفوذ القوى الغربية لأول مرة منذ قيام الامبراطورية البريطانية.
محمد ادريس
توافقات قوى عظمى